في يوم الثلاثاء 29 ديسمبر 2009 تم عقد أول لقاء لمختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية، وكان هذا اللقاء هو النموذج الذي استمر مع المختبر بعد ذلك.
موضوعات مقترحة
لم يكن عقد لقاءات مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية وليد صدفة أو عملا من أعمال العشوائية، بل كان نتيجة لعوامل كثيرة في الحياة الثقافية السكندرية، عوامل تخص المثقفين السكندريين، وأخرى تخص المكتبة، وثالثة تخص الحركة الثقافية السكندرية ذاتها.
كان المثقفون السكندريون يشعرون بحاجز لا مرئي، لكنه متين بينهم وبين المكتبة المقامة على أرض مدينتهم. المكتبة التي تنتسب إلى الإسكندرية لا يأخذ المثقف السكندرى حقه فيها مثل زميله القاهري أو حتى غير المصري. هذا الشعور أدى إلى رد فعل طبيعي، وهو ابتعاد المثقفين السكندريين في جملتهم عن المكتبة، التي رأوا أنها هي البادئة بهذا الجفاء.
كانت المكتبة، بالأخص قطاع المشروعات الذي يترأسه الدكتور خالد عزب، تعرف أن هذه المشكلة موجودة، وتبحث عن صيغ إيجابية وجدية لتفعيل تلاقي مثقفي الإسكندرية والمجتمع المدني السكندري مع مكتبتهم، وكان مختبر السرديات إحدى هذه الصيغ التي طرحت فوجدت استجابة فورية من الجهتين، المكتبة والمثقف السكندري؛ حيث كان المختبر أحد المشروعات التي طرحها الصحفي حسام عبد القادر، مستشار الإعلام بمكتبة الإسكندرية، لتقريب المسافات بين المكتبة والمجتمع المدني السكندري.
أما الحياة الثقافية السكندرية فهي تستحق بامتياز أن تكون عاصمة مصر الثقافية لما فيها من نشاط جاد وحقيقي وفاعل ومتنوع. لكنها تعاني من التشرذم الذي يصل أحيانا للتقوقع على الذات عند بعض الجماعات، التي سرعان ما تولد لتموت، برغم ما كانت تبشر به من فعالية.
وقد يكون من الطبيعي أن توجد تجمعات مختلفة يجمعها رابط السن أو الجنسوية أو الاهتمام الفكرى أو الإبداعى إلخ، لكن حلم المختبر كان إيجاد بقعة مشتركة يتماس فيها الجميع، دون أن يفقد كل منهم تميزه وخصوصيته، وهو ما بدا في الندوة الأولى للمختبر، التي حضرها عدد كبير من المثقفين السكندريين من مختلف الأطياف الإبداعية والفكرية والفنية والجيلية، بعضهم كان يدخل المكتبة لأول مرة وراهن على جدية طرح فكرة المختبر.
إحقاقا للحق، فإن صاحب اقتراح اسم المختبر هو الناقد الكبير شوقي بدر يوسف. وبعد أن أصبح الاسم الغريب والثقيل على الأذن شهيرا ومعروفا، بدأ انتشار الفكرة في دول أخرى بالتنسيق مع مختبر السرديات بالمكتبة، فتم إنشاء مختبر السرديات بعمان وباليمن، وجار إنشاء مختبر آخر بالأدرن.
إذا كانت هذه هي الظروف التي أحاطت بنشأة المختبر، فما الأهداف التي أعلنها وسعى لتحقيقها، وما مدى تحقيقه لهذه الأهداف؟
كانت الأهداف التي أعلنت في أول لقاءات المختبر هي: إنشاء وتنظيم وتدعيم حركة نقدية فاعلة مرتكزة على الحركة الإبداعية؛ بحيث يخرج التيار السردي الإبداعي نقاده من بين أعضائه، ومد جسور المعرفة بين التيار الإبداعي النقدي السكندري وبين المبدعين والنقاد في جميع أنحاء مصر، والوطن العربي، وكذلك التواصل مع أحدث الإبداعات العالمية في مجال السرد، وإنشاء وتنظيم وتدعيم حركة ترجمة لهذا التيار الإبداعي النقدي.
وكذلك لم شمل التجمعات التجمعات السكندرية المهتمة بالسرد من ورش ومنتديات وندوات بقصور الثقافة وغيرها، لا ليلغيها ولكن ليجعلها تلتقي معا، مما يصنع تيارا سرديا سكندريا لا ينفي خصوصية المبدع الفرد، أو التجمع المحدد، ولكنه يكون كقوس قزح الذي يجمع كل ألوان الطيف السردى معا.
إضافة إلى مد جسور المعرفة بين التيار الإبداعي النقدي السكندري وبين المبدعين والنقاد في جميع أنحاء مصر، والوطن العربي، ومد جسور التعاون بين المختبر والمراكز الثقافية الأجنبية في الإسكندرية وخارجها، والتواصل مع أحدث الإبداعات العالمية في مجال السرد، ثم إنشاء وتنظيم وتدعيم حركة ترجمة لهذا التيار الإبداعي النقدي. والعمل على اكتشاف المواهب الجديدة وإيجاد صيغ تواصل فعال بينهما وبين أجيال الأساتذة.
وقد تحققت بعض أهداف المختبر بدرجة قد تصل إلى مائة بالمائة، وبعضها يتحقق رويدا رويدا، وبعضها لم يتحقق منه أي شيء حتى الآن بعد مرور ست سنوات على إنشاء المختبر.
فقد أصبح المختبر بالفعل الجسر الذي يلتقي عليه المبدعون والنقاد من الإسكندرية وجميع محافظات مصر وبلدان الوطن العربي، من أجيال مختلفة، ومن اتجاهات عديدة.
كما استطاع المختبر أن يدفع إلى الضوء بنقاد كانوا في بدايات الطريق، وأن يصنع نقاده أيضا الذين بدأوا خطواتهم الأولى معه ثم أثبتوا كم هم جديرون بلقب الناقد.
وقدم المختبر عددا من المبدعين الشباب من الجنسين، الذين كانوا يشاركون في لقاءات عامة ويقرأون أعمالهم للمرة الأولى.
ونظم المختبر عددا من المؤتمرات العربية الكبرى مثل مؤتمر القصة القصيرة جدا بالتعاون مع الرابطة العربية للقصة القصيرة جدا بالمغرب، ومؤتمر مصر المبدعة بالتعاون مع لجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة، ومؤتمر محمد حافظ رجب، التي كان لها دور مهم في تلاقي المبدعين المصريين والعرب، وفي تأصيل كثير من المفاهيم السردية.
ونظم المختبر كذلك عددا من المسابقات العربية في القصة والرواية والقصة القصيرة جدا، التي أدت إلى اكتشاف كتاب جدد وإعطاء فرص حقيقية لهم، وأدت كذلك إلى إشراك شباب وكبار في لجان تحكيم هذه المسابقات، مما زاد الخبرة المكتسبة لدى الجميع.
إضافة إلى بروتوكولات التعاون التي وقعها المختبر مع المختبرات المماثلة في دول عربية كالمغرب والسعودية وعمان، وهي توسع من رقعة التعاون والتلاقي العربي العربي، حيث نسعى إلى إنشاء اتحاد مختبرات السرديات العربية لتشمل مختبر مكتبة الإسكندرية ومختبر المغرب واليمن وعمان والأردن وما يستجد من مختبرات.
ووسع المختبر نشاطه بعقد لقاء شهري في بيت السناري سمته الأساسية تلاقي المبدعين من الأجيال المختلفة بالمبدعين الشباب، وهو ما زاد من التعارف والتقارب بين الأجيال المختلفة.
لكن المختبر الذي يرى أننا في زمن السرد، وأن الحركة الثقافية المكتملة تقف على ثلاث أرجل، الإبداع والنقد والترجمة إلى اللغات الأخرى، لم يوفق في اتخاذ خطوة حقيقية لتفعيل الترجمة حتى الآن، وإن كان يبحث بجدية في كيفية تحقيق ذلك بصورة لائقة. لكن مشاكل ترجمة الأدب العربي إلى اللغات الأخرى موضوع كبير يحتاج بحثا مستقلا.
إن مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية يسعى إلى أن يكون حالة وسطا بين الحالة الأكاديمية والجماهيرية؛ فهو يحرص على جدية تلقي العمل السردى واحترامه وتأصيل مفاهيمه ومفاهيم التلقي والنقد المختلفة، وفي الوقت نفسه لا يبتعد عن الجماهير التي هي المستهدف الأساسي لأية عملية ثقافية.
واحتفالية المختبر بعامه السادس يهديها هذا العام إلى ثلاثة من الفرسان الذين رحلوا عنا في نوفمبر الماضي، وهم إداور الخراط وخالد السروجي وصبري أبو علم.