Close ad

خليل الجيزاوي يكتب لـ"بوابة الأهرام": صورة المتدين في الرواية العربية

14-11-2015 | 12:39
خليل الجيزاوي يكتب لـبوابة الأهرام صورة المتدين في الرواية العربيةخليل الجيزاوي
إن النساء يفضلن الرجل المتدين بلا غلو وبحسب بيئتهن، والرجل المتدين سيكون أمينًا عامًا على أولادها وهو إن أحبها أكرمها، وإن لم يحبها لم يظلمها، فالدين يحجز عن الظلم، كما أنه يحمي من الوقوع في الموبقات، التي تكرهها المرأة في زوجها ويكرههها كل عاقل، والتي تؤدي إلى ذهاب الرجولة وهلاك الأسرة كإدمان المخدرات وشرب الخمر والفجور والفساد، فإن الدين يعصم من ذلك كله، وفوق هذا يمنح القوة والأمانة، وهما صفتان رائعتان في إنجاز كل أمر بما في ذلك الزواج، وإذا راجعنا قصة بنت النبي شعيب مع سيدنا موسى عليهما السلام كما وردت في القرآن نجد أنها أحبت فيه القوة والأمانة ودعت أباها لتشغيله بسببهما ثم تزوجها قال تعالى: "قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين".
موضوعات مقترحة


في الكثير من روايات نجيب محفوظ، نجد صورة المتدين تأخذ عدة صور متباينة مثلاً في رواية "خان الخليلي" نجد أسرة أحمد عاكف التي واجهت الكرب والخوف في حيّها القديم، تلتمس الأمان بجوار مسجد الإمام الحسين، وفي رواية "زقاق المدق" نجد شخصية "الشيخ رضوان" وهو شيخ أزهري، يمتلك منزلاً صغيرًا في هذه الحارة، ويسكن به المعلم "كرشة" القهوجي المنحرف الذي يعاشر الصبيان، ومع هذا نجد الشيخ رضوان ينأى عنه ويوجهه بالحسنى ويقيم في بيته كل أسبوع ندوة دينية يحضرها عدد من شيوخ الأزهر، وفي نهاية الرواية يضبط الشيخ رضوان شخصين من الحارة يسرقان أطقم أسنان الموتى لإعادة بيعها من جديد، وحين عرف هذا الحادث رأى الشيخ رضوان أنه مُشارك في هذه المسئولية!، ولهذا يقرر الخروج للحج؛ فأداء هذه الفريضة هو بالنسبة إليه ولادة ثانية يتوب فيها عن إثم غير مقصود؛ لأنه فرط في توجيه الناس التوجيه السليم فهو الشيخ الداعية وحافظ القرآن.

وفي ثلاثية نجيب محفوظ تجد الإخواني مقابل اليساري ـ كما يقول د.محمد حسن عبد الله ـ نرى شخصية عبد المنعم شوكت، وهو من الجيل الثاني أحفاد" السيد أحمد عبد الجواد"، عبد المنعم كان عضوًا نشطًا في جماعة "الإخوان المسلمين" في مقابل شقيقه أحمد شوكت الذي كان عضوًا في الجماعات السرية اليسارية.

لقد وضع نجيب محفوظ هاتين الشخصيتين في حالة مواجهة مستمرة، وإن كانا ينتسبان إلى أصل واحد هو اعتناق الأيديولوجية، أي التمسك بمبدأ وعقيدة، وحين نراجع هاتين الشخصيتين وما سجل لهما نجيب محفوظ من صفات جسدية ونفسية وسلوكية وما انتهت إليه حياة كل منهما سنجد أن عبد المنعم شوكت يمثل الصراحة والصدق والقوة والوجه الواحد في العلاقات والشجاعة الأدبية في معاملة الآخرين والواقعية في التفكير، وهو نموذج للمتدين الملتزم دينًا وخلقًا.

وفي رواية "اللص والكلاب" نجد الشيخ الجنيدي الذي يلجأ إليه اللص سعيد مهران، المطارد من الشرطة فيرشد سعيد مهران إلى حبل النجاة. لقد قدم له الشيخ وصفة طبية مختصرة جدًا للنجاة من أدران المجتمع: "توضأ وادخل في الصلاة، ساعتها سيفرج الله كربك".

وفي رواية "مواقيت الصمت" التي تدور أحداثها في حي السيدة زينب بالقاهرة نجد صورة المتدين السلبي والانتهازي واضحة من خلال شخصيتين بارزتين: والد هند بطلة الرواية الذي راح ينسحب من الحياة شيئًا فشيئًا بعد قطيعة زوجته وطول لسانها وعجرفتها الدائمة، حتى أنها منعته حقًا طبيعيًا ووصفته بالمتخلف عندما رفض أن ينتقل إلي الفيلا الجديدة التي بناها لها بحي مصر الجديدة، وآثر أن يبقي بجوار ضريح السيدة زينب يتلمس راحته الأبدية مع حلقات الذكر وجماعته الصوفية التي تعقد مجلسها عقب صلاة العشاء بمسجد السيدة زينب يومي الاثنين والخميس، من كل أسبوع.

شخصية والد هند جسدت صورة المتدين السلبي الذي آثر الصمت حيث أنه وجد هذا الطريق هو طريق النجاة، ولم يقاوم الظلم الواقع عليه أو يواجه زوجته المتعجرفة أو على الأقل يطلقها.

وكذلك نجد صورة المتدين الانتهازي تتمثل في رواية مواقيت الصمت من خلال شخصية المهندس سعيد الفاتح الذي راح يقتفي خطوات رئيس شركة المقاولات والد هند التي يعمل بها، ويتظاهر بإطالة السجود وراءه حتى ظهرت زبيبة الصلاة وأطلق لحية خفيفة وراح يحضر كل حلقات الذكر معه بل ينضم إلى جلسات جماعته الصوفية، ونشاهد المهندس سعيد وهو يوزع النفحات علي الفقراء والمساكين الذين يجلسون أمام باب مسجد السيدة زينب، نيابة عن الشيخ والد هند، ثم نراه يتقدم إلي خطبة ابنته هند، كل هذا حتى يثق فيه ويتم ترقيته إلي المدير التنفيذي لمشروعات الشركة، وبعد أن تحققت كل أطماعه، رأيناه يتهرب من هند التي غدر بها عندما أفقدها عذريتها، وقد كانت بينهما قصة حب ساخنة ووعد بالزواج، ورأيناه وقد رجع إلي قريته ليتزوج من ابنة خالته، ويعود بها إلي شقته الفاخرة.

وفي نهاية الرواية نجد المهندس سعيد وهو يذبح عجلاً في شارع الناصرية ويوزعه على الفقراء وتقربًا من أهل الشارع لأنه نوى الترشيح لعضوية مجلس الشعب، هذه صورة المتدين الانتهازي كما جسدتها رواية مواقيت الصمت.

تقول الناقدة الفلسطينية د.سهام أبو العمرين في دراستها عن شخصية "سعيد الفاتح" المتدين الانتهازي كما جسده المؤلف في رواية مواقيت الصمت: تكشف شخصية "سعيد الفاتح" جانبًا من جوانب تناقضات عالم الواقع المخجل على المستويين السياسي والاجتماعي؛ فهو شخصية وصولية انتهازية يرقص مع العالم على الجانبين، يستغل الجميع للوصول لمآربه، يرتدي قناع التقوى والصلاح؛ ليلتف الناس حوله ويعطوه ثقتهم ليسهل أموره.

لقد فهم "سعيد" قواعد لعبة العالم الجديد الذي فُتح له بعد أن كان فقيرًا معدمًا، وكانت بداية دخوله لهذا العالم تعرفه على "هند الصياد" التي كانت وسيلة له لاقتحام العمل مع والدها في مجال المقاولات، لقد حاول "سعيد" العمل في شركة "الصياد" ولكنه أخفق ولم يجد إلا طريق ابنة الرجل للوصول إلى ما يريد عن طريق امتلاك قلبها، وفي البداية اكتسب ثقة والدها وكان دائم التردد على المساجد بصحبته، يقول بضمير المتكلم: "ترددت كثيرًا معه على جامع السيدة، صليت خلفه، أطلقت لحية خفيفة حتى يثق بي، ظهرت بوضوح زبيبة الصلاة، في مولد السيدة أُقبل خلفه يد الشيخ الكبير، أدخل حلقات الذكر والحضرة بعد صلاة العشاء ... ومن يومها راحت الفقراء تتزاحم علىّ، تُقبل يدي، تسألني النفحة، باعتباري شيخهم الجديد". (الرواية ص184).
كلمات البحث
الأكثر قراءة