Close ad

أميمة عز الدين تكتب لـ"بوابة الأهرام": "في مديح القسوة"

10-2-2015 | 09:50
أميمة عز الدين تكتب لـبوابة الأهرام في مديح القسوة أميمة عز الدين
على غرار العنوان الشهير "فى مديح العتمة"، للشاعر الأرجنتينى بورخيس، ثمة أيضا مديح للقسوة، التي تحولك إلى كائن آلى، يتعامل مع الحياة مثل روبوت محدود الذكاء، مجرد تعليمات وأوامر بدورة الحياة.
موضوعات مقترحة


لا مجال للتعاطف والحب، حيث إن "كُتر البكا يعلم القساوة".. ويعّلم هنا ليس مجرد (علام) و(تعلم)، لكن يحط بالقلب ويخط فيه طبع القساوة.

كُتر البكا يعّلم القساوة، ليس مجرد مثل نتداوله فيما بيننا وإنما أصبح أسلوب حياة.. انظر حولك ستجد أن السائد الآن هو البرود والإحجام عن مساعدة الآخرين. لو أن أحدهم سقط بالشارع لن تمتد يد له لتساعده وإنما سيمر الناس وهم يهرولون.

لا تعتب على ذلك الرجل الذى أشعل سيجارته بهدوء بينما شيماء الصباغ تحتضر. ويكمل سيره دون أن يلتفت إليها (هذا مجرد مثل بالسياق ولا أعرف جيدا ملابسات ذلك الرجل الذى قيل وقتها إنه مريض). لو نظرت لنفسك ستكتشف أنك تتعامل مع مشاهد الدم والسفك والحرق مثل مشهد بفيلم رديء الصنع.. لا يجيد مخرجه سوى المشاهد الفاقعة باللون الأحمر. قد تنجو من تلك التهمة وتتعاطف مع الوجع. لكنك تغمض عينيك عن جارك الذى يتألم ليلا ويطلب مساعدة بصوت عال حتى لا تتورط في مسئولية أخرى.

اختفت أيضا تلك الشهامة التى كانت تحتم على رجل أن ينهض ويترك مكانه بالمترو أو الأتوبيس، بكل أدب وذوق، بل يصبح الأمر تحرشا فى معظم الأحيان، لا تجرؤ إحداهن على الصراخ وإنما تكتفى برمقه بنظرة قاسية، ومن تجرؤ على الصراخ وفضحه، وجرجرته إلى قسم الشرطة يجتمع عليها الطيبون المسالمون، يطلبون منها السماح والعفو حتى لا يضار ذلك المتحرش المسكين فى قوته وصحته وعياله.

هل أدركت الآن لماذا نحن أصبحنا قساة القلب ، غلاظا، لا يهتز لنا جفن لمرأى صبى يمد يده وهو لا يتجاوز العاشرة يطلب منك جنيها، أو طعاما فتنهره بقسوة لأنه تجرأ عليك وطلب المساعدة وتتهمه بأنه لص، وآثم.

المدينة الكبيرة تبتلع ناسها وعيالها وقلوبهم أيضا، يجب أن تتصف بالثبات الانفعالى وأنت تمرق بشوارع المدينة المكتظة بالقمامة والعشوائية والتحرش، والقسوة أيضا.
كلمات البحث