وجد اختيار المفكر السوري المقيم في باريس برهان غليون رئيسا للمجلس الوطني السوري الذي اختاره شباب الثورة السورية لقيادة الحراك الشعبي والالتزام بهدف الثورة الأساسي المتمثل بإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، ارتياحا كبيرا في أوساط المثقفين العرب والسوريين تقديرا للدور الذي لعبه غليون في الشهور الماضية وفي المقابل طرح سؤالا عن الغياب التام للمفكرين المصرين عن المشهد السياسي الراهن.
موضوعات مقترحة
واختير غليون تقديرا للدور الذي لعبه غليون في الشهور الماضية للتأكيد على الطابع الوطني للتحركات المطالبة بالحرية في سوريا.
وجاء الإعلان عن تشكيل المجلس في مؤتمر صحفي أقيم اليوم بأنقرة تلا فيه متحدث بيانا باسم شباب الثورة في الداخل ذكر فيه أسباب اختيار هذه الشخصيات لتمثيل الحراك الشعبي لتاريخها النضالي الذي يشفع لها ونظافة اليد، تاركا الحرية لهذه القيادات في ضم شخصيات أخرى تتمع بالكفاءة للمجلس بينها كفاءات قد تنشق عن النظام.
وكان معارضون سوريون اجتمعوا في إسطنبول يومي 20 و21 أغسطس الجاري لتأسيس المجلس الوطني السوري لكنهم ذكروا لاحقا أنهم بحاجة لمزيد من الوقت للتنسيق مع النشطاء داخل سوريا لتشكيل المجلس.
واختير برهان غليون رئيسا للمجلس وثلاثة نواب له هم فاروق طيفور ووجدي مصطفى ورياض سيف، والمجلس يتكون من 42 شخصية من الداخل والباقي من الخارج من بينهم هيثم المالح وميشيل كيلو وعارف دليلة وفايز سارة وغسان نجار وحسين العودات ولؤي حسين والشيخ نواف البشير المعتقل من قبل السلطات السورية وفنان الكاريكاتير علي فرزات الذي تعرض لاعتداء قبل أيام من قبل عناصر الأمن والشبيحة أدخل إثرها المستشفى كما يضم المجلس أيضا كلا من عمار القربي وفداء حوراني وسهير الأتاسي ومازن درويش وأنور البني المعتقل أيضا من قبل أجهزة الأمن السورية وعلي العبد الله وجورج صبرا ودانييل سعود والمعارض البارز رياض ترك الذي قضى سنوات طويلة في سجون النظام.
وبدا لافتا احتفاء الناشطين المصريين بهذا الاختيار على صفحات فيسبوك، مؤكدين الطابع المدني للثورة السورية وحرص قادتها من الشباب على اختيار مفكر عربي معروف لقيادة التحرك في المرحلة القادمة وهو خيار أثار شجونا في الحالة المصرية وضاعف من هذا الإحساس أن محمود جبريل رئيس المجلس الانتقالي الليبي له ايضا إسهامه الفكري المعروف.
يأتي هذا في الوقت الذي غابت فيه النخب الفكرية المصرية عن المشهد تماما.
وعودة إلى غليون يبدو لافتا أنه حرص منذ الأيام الأولى لتحرك الشارع السوري في مواجهة نظام الأسد على دعم المطالب الداعية للحرية ونبذ الدعاوى الطائفية وتعرية الخطاب الذي استخدمه الإعلام السوري الرسمي لتشويه هذا الحراك.
وبرهان غليون مفكر سوري ولد في مدينة حمص, يعمل أستاذا لعلم الاجتماع السياسي ومديرا لمركز دراسات الشرق المعاصر في جامعة السوربون بالعاصمة الفرنسية باريس.
وهو خريج جامعة دمشق بالفلسفة وعلم الاجتماع، دكتور دولة في العلوم الاجتماعية والإنسانية من جامعة السوربون، دكتوراة في علم الاجتماع السياسي، أستاذ علم الاجتماع ومدير مركز الدراسات الشرق المعاصر في السوربون، له عدد من المؤلفات ومترجماتها ومن أبرزها: المسألة الطائفية ومشكلة الأقلية، ثقافة العولمة وعولمة الثقافة، النظام السياسي في الإسلام، بيان من أجل الديمقراطية، حوار الدين والدولة، اغتيال العقل، مجتمع النخبة وهي مؤلفات تؤكد المسار الليبرالي لفكر صاحبها، إلى جانب وعيه بالمكونات الرئيسة في الفكر الإسلامي وهو وعي سوف يمكنه من ترشيد حضور الفصائل الإسلامية في التحركات الداعية للتغيير إضافة إلى نزع صفة الطائفية عن هذه التحركات.
وبرز حضور غليون بقوة خلال الأيام الماضية عبر سعيه للدفاع عن خطاب الثورة السورية في وسائل الإعلام العالمية والعربية وفضح ما يقوم به النظام السوري من بطش وقتل متعمد ومنهجي للسكان العزل في سبيل ترويعهم وتكريس انتزاع حقوقهم، المدنية والسياسية، حسبما أكد في مقالاته التي كتبها دعما للثورة وكشف فيها عن "ثقافة التسلط" الكامنة في بينية النظام السياسي وحولتها النخبة التابعة له إلى أيديولوجية مستبطنة، تبرر العزل والإقصاء واستسهال انتزاع الحقوق، كذلك كشفت مقالاته عن دور الكذب والخداع والمراوغة والغش كسياسة ومادة رئيسية في أجهزة الإعلام الرسمية، ودورها في اللعب على المخاوف من الحرب الأهلية ثم تمثيل مسرحية المؤامرة الخارجية، إلى جانب في تبرير القتل المنظم باسم الوصاية على شعب جاهل وشدد غليون في تلك المقالات على أن الحرية التي يطالب بها الشعب السوري لا تعني شيئا آخر بالفعل سوى تحطيم هذا "الحق"، في السيادة على الشعب.
وهذا ما يفسر الحقد الذي تظهره ميليشيات النظام على لفظ الحرية نفسه عندما تنكل بالضحايا وتسخر من مطالبتهم بالحرية وتربط بين طلب الحرية والموت. وفي هذا الصراع بين سيد يريد الحفاظ على سيادته بالعنف، وشعب تحرر ويريد تأكيد سيادته بأي ثمن.