Close ad

الصحافة في عهد مبارك: تاريخ من الأزمات .. وعقوبات مشددة .. وسلطات مطلقة

29-11-2014 | 22:45
الصحافة في عهد مبارك تاريخ من الأزمات  وعقوبات مشددة  وسلطات مطلقة مبارك
محمد علي
لم تكن العلاقة بين الرئيس المخلوع حسني مبارك و الصحافة أحسن حالاً من العلاقة بينه و فئات شعبه المطحون، إذ كانت متوترة معظم فترات عهده، فبدا كارهًا لمهنة البحث عن المتاعب ، وغير متابع لها بالشكل المأمول من رئيس دولة بحجم مصر.

فقد تعرضت الصحافة خلال حكم مبارك ، لعدد من الأزمات ، أبرزها أزمة قانون تشديد عقوبات جرائم النشر، وفرض القيود على الصحف المستقلة، والحزبية، واستمرار سياسة اعتقال الصحفيين، في حين لم يكن هامش الحرية -الذي كان متاحًا - مِنّةً أو منحةً منه، وإنما وسيلة لتنفيس حالة الغضب المكبوت تجاه فشل سياسات نظامه - وقتها - في شتي المجالات.

وربما رؤية المخلوع للصحافة توضح طبيعة العلاقة، إذ قال الكاتب محمد حسنين هيكل ، :" مبارك كان يقول على الصحفيين دول عالم "لَبَطْ"، ويدَّعون أنهم يعرفون كل شىء، في حين أنهم «هجاصين» لا يعرفون شيئًا، ووصفهم بقوله "فالحين قوى"، ولابد أن ينكشفوا أمام الناس على حقيقتهم، ولم يحترمهم يومًا، أو يقدِّر قيمة مساعداتهم في الوصول إلى المعلومة الصحيحة، بل إنه كثيرًا ماكان يستمتع بوقوعهم في الأخطاء٬ بسبب الضبابية ومنع المعلومات عنهم".

وكشف هيكل عن أن واقعة " خليهم يتسلوا" ،التي وصف بها مبارك المعارضة في افتتاح مجلس الشعب المزور في العام ٬2010 لها أخرى شبيهة بها في العام 1981 ، عندما قال لهيكل واصفًا الصحفيين: "خليهم يغلطوا".

وبعكس سابقيه الزعيمين جمال عبد الناصر، وأنور السادات، لم يكن لمبارك صحفي خاص، بل مجموعة من الكُتَّاب، ورؤساء تحرير الصحف القومية.

وفي عهد المخلوع ، تعرضت الصحافة المصرية لأزمة من أعتي الأزمات التي شهدتها علي امتداد قرنين من الزمان، فقد فوجيء جموع الصحفيين، والمثقفين، والمهتمين بقضايا الرأي، والفكر باصدار القانون رقم93 لسنة 1995 الذي وافق عليه مجلس الشعب في جلسة مسائية، ونشر بالجريدة الرسمية صباح اليوم التالي في سابقة، هي الأولي من نوعها في تاريخ الصحافة المصرية، إذ حوي القانون ست مواد، تضمن معظمها تعديلات لبعض مواد قانوني العقوبات، والاجراءات الجنائية، والقانون 76 لسنة 1970 بإنشاء نقابة الصحفيين.

واتسم موقف نقابة الصحفيين بالقوة، والصلابة، والممارسة النقابية والمهنية الحكيمة، باحتواء جميع الصحفيين في بوتقة فكرية واحدة، لمواجهة العقوبات المشددة التي أتي بها القانون 93، وتصدت الصحف، باختلاف توجهاتها القومية، والحزبية، والمستقلة لهذا القانون، الذي صدر في غسق الليل، وحوت صفحاتها العديد من المقالات ،التي فندت مواد القانون، وحشدت الرأي العا، وهيأته لمناصرة قضية حرية الصحافة.

فيما وصف رجائي الميرغني - المنسق العام للائتلاف الوطنى لحرية الإعلام، وكيل أول نقابة الصحفيين فى دورة 1999 – 2003 ، أمين مساعد اللجنة الدائمة للحريات باتحاد الصحفيين العرب في العام 2000، أمين عام المؤتمر العام الرابع للصحفيين فى العام 2004 - علاقة الرئيس المخلوع حسني مبارك بالصحافة بأنها كانت معقدة، وغير مريحة، ووصلت أحيانًا لمرحلة الصدام، موضحا أن عهده شهد العديد من الأزمات سواء بينه والصحفيين، أو بينه ونقابتهم.

وأضاف الميرغني أن أهم الأزمات التي شهدها عهد مبارك مع الصحافة، كانت أزمة القانون 93 لسنة 1995، حيث تم تمرير القانون في ساعتين خلال جلسة مسائية لمجلس الشعب، الذي ألغيت فيه ضمانة عدم الحبس في قضايا النشر، وغُلِّظَت العقوبات علي الصحفيين ، وحدث "لَعِبٌ" في توصيف الجرائم، إذ تم استخدام عبارات مطاطة حتي يكون جميع الصحفيين تحت طائلة القانون، لافتًا إلى أن الجماعة الصحفية تصدت علي مدار 13 شهراً لهذه الأزمة، وتمكنت من إعادة الأمور إلي نصابها.

وأوضح أن توتر علاقة مبارك بالصحافة في معظم الأحوال لم يكن بفلسفة شخصية منه، وإنما فلسفة أي نظم ديكتاتورية، على اعتبار أن علاقة السلطة بالصحافة منذ ثورة 1952 لم تكن علي ما يرام، فقام هيكل في العام 1954 بإغلاق نقابة الصحفيين، وإعادة تأسيسها ، ووجه اتهامات بالفساد لبعض الصحفيين، وطالب بتطهيرهم، وجري تأميم للصحافة المستقلة، حتي تتواءم مع النظام الجديد.

ورأى الميرغني أن ماقاله الرئيس عبد الفتاح السيسي، بأنه يحسد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر علي الصحافة في عصره، إنه كان يقصد بذلك تبعية الصحافة للنظام السياسي، مؤكداً أن هذا يناقض حرية الصحافة، ومبدأ عدم وجود أحد فوق مستوي النقد ، معتبرًا أن ما نشهده من تشوهات في الإداء الإعلامي حاليا، نتيجة منطقية للممارسات التي أضعفت الصحافة ، فضلا عن تبعيتها للنظام السياسي وعدم استقلاليتها، وإنزلاقها في منحني الاستقطاب ، لانها لم تتعود علي الاستقلال والحرية، وبالتالي فإن الأزمات العديدة التي شهدتها الصحافة في عهد مبارك نتجت عن العلاقة القهرية المبنية علي القهر، والاستخدام، و الولاء، وتفضيل الصوت، والراي الواحد.

واستذكر الميرغني ماحدث في العام 1996، بعد انتهاء أزمة القانون 93، إذ كان ضمن وفد نقابة الصحفيين الذي التقى الرئيس المخلوع، بقصر الرئاسة، إذ أشاد مبارك في الغرف المغلقة بأداء الصحافة ، ودورها، وقال إن الأخطاء التي يقع فيها الصحفيون، لاتقارن بحجم أخطاء أقرانهم في أوروبا وأمريكا، وبعد اللقاء فوجئ أعضاء الوفد بصفوت الشريف أحد أركان النظام، يخرج لهم في مؤتمر صحفي، متنكرًا لكل ما قاله الرئيس ، ومتوعدًا ومهددًا الصحفيين، عكس كل حدث داخل الاجتماع.

وأكد سكرتير نقابة الصحفيين الأسبق أن هامش الحرية الذي تنامي في أواخر عهد مبارك ، لم يكن منّةَ أو عطاء منه، وإنما محاولة من النظام لتنفيس البخار المتصاعد للأزمات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية التي كانت تشهدها البلاد وقتها، وخاصة في ظل صعوبة استمرار الاحتكار المطلق للصحافة من قبل الدولة، في ظل التطور التكنولوجي.

واتفق يحيي قلاش، سكرتير عام نقابة الصحفيين الأسبق، في الرأي مع الميرغني ، في أن عهد مبارك شهد عدة أزمات عصفت بحرية الصحافة، بسبب كره مبارك ، ونظامه للصحافة، وتجلي ذلك في أزمة القانون 93، إذ خرج "ترزية" القوانين بقانون مغلِّظٍ العقوبات في قضايا النشر، ومشدِّدٍ الغرامة، ومضاعفٍ مدد الحبس ، حتى أطلق عليه الصحفيون العديد من المصطلحات، منها "قانون اغتيال الصحافة"، و"قانون الفساد"، وغيرها من المصطلحات التي تؤكد رفض جموع الصحفيين له، مشيرًا إلى أن الأزمة التي استمرت نحو 14 شهرًا، ظلت فيها الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين في حالة انعقاد دائم ومستمر.

وكشف قلاش عن أنه خلال الأزمة التقى الرئيس المخلوع مرتين، الأولي في بداية الأزمة، والأخرى قرب نهايتها، موضحًا أن موقف النقابة ومجلسها في هذه الأزمة كان تاريخيًا، إذ نجح المجلس في إدارة الأزمة باقتدار نتيجة التفاف الجمعية العمومية حوله.

وأوضح أن الأزمة كانت بداية للانحراف الواضح في مسيرة مبارك، فالحاكم عندما يري الإعلام بات عبئًا عليه، ويجب تقييده، بقمع الحريات ، وتكميم الأفواه، فإنه يضع بذلك بداية مسار جديد من معاداة حرية الصحافة، والخلط بينها و الـ"بيزنس"، والتمهيد للتوريث، ووجود حاشية حول الحاكم تسيطر علي القرار، وتقمع كل مَنْ يعارض توجهها، مضيفًا أن هذا القانون كان مؤشراً مبكراً لثمة مسار آخر في عهد الرئيس المخلوع، الذي بدأ باغتيال الرئيس أنور السادات، إذ وقعت أزمة الصحافة في منتصف فترة حكمه، التي كان قد أمضى منها - وقتها - نحو 15 عاما.

وكشف قلاش عن أنه طلب من هيكل - خلال الأزمة - إلقاء كلمة للجمعية العمومية للصحفيين، فكتبها هيكل ، وطلب منه إلقاءها لجموع الصحفيين ، قال فيها إن سلطة الرئيس مبارك قد شاخت في مواقعها، لافتًا إلى أنها المرة الأولي التي يطلق فيها هذا التعبير علي مبارك، الذي بدا يعاني ملامح الشيخوخة، وينحرف فيها النظام بشكل واضح.

ووصف قلاش الصحافة بأنها كالكشاف للأوضاع، سواء للحاكم أو الشعب، وعندما تبدأ السلطة في عمل شيء، أو أشياء لاتريد أن يراها الإعلام، فلأنها تريد وقتها إعلامًا معصوب العينين ، لاينقل للناس ما يحدث بصدق ، ووضوح، مؤكدا أنهم نجحوا في نهاية المطاف في إجبار النظام علي إلغاء القانون، ولكن ظلت بصمات هذه الأزمة واضحة في طبيعية العلاقة بين مبارك والصحافة.

ورأى قلاش أنه رغم اهتمام مبارك ومتابعته الصحافة يوميا، فإنها لاترقي لفهم الرئيسين جمال عبدالناصر، وأنور السادات للصحافة، ودورها، رغم أن كلاهما كانت له طريقته في الاهتمام بالصحافة، والإعلام، وتجلى الاختلاف في تعيين رؤساء تحرير ، ومجالس إدارات ظلوا في مواقعهم فترة تمتد لنحو ربع قرن، بل إنه أمَّن وجودهم الأبدي في مواقعهم، وأطلق يدهم في المؤسسات الصحفية طوال فترة حكمه، مرجعًا سماحه لهم بتجاوز القانون، والبقاء في مواقعهم فترات طويلة، لرغبته في أن تكون هذه المؤسسات عينًا للحاكم و ليس عين الشعب، والتطبيل لنظامه الحاكم علي حساب الحقيقة، مما سمح بسريان الفساد شرايين تلك المؤسسات، حتى وصلت نتائجه لما تعانيه المؤسسات الآن من مديونية وصلت إلى 12 مليار جنيه، قائلا : " لقد فوض الرئيس المخلوع لرؤساء التحرير أن يعيثوا فسادًا في الارض ".

وتابع أنه مقابل ذلك ، حدثت ضغوط دولية لإحداث تغيرات ديمقراطية في مصر ، بداية من العام 2003، فاستجاب مبارك لعقد مؤتمر الصحفيين الرابع في العام 2004 ، ووعدالنقيب جلال عارف في ذلك الوقت - خلال اتصال هاتفي - بإلغاء الحبس في قضايا النشر، وظلت الجماعة الصحفية من العام 2004 وحتي 2006 تنتظر أي صدى إيجابي لتحقيق الوعد، من دون جدوى، حتى بدأت قيادات الحزب الوطني المنحل ، ورجال الـ"بيزنس" ممارسة الحياة السياسي، مما يعني أن الفساد أصبح ممنهجًا ومعلنًا ومؤسسيًا، وانطلقت عمليات تفريغ الوعد من مضمونه، مشيًرا إلى أنهم قاموا بالدعوة لعقد جمعية عمومية في مارس 2006، وتم وضع قضية الحبس، ولائحة الأجور علي جدول الأعمال، بعدها قررت الجمعية العمومية الاعتصام، وتنظيم مسيرة لمجلس الوزراء لتحريك المياه الراكدة، وتحت هذا الضغط، جرت اتصالات من مجلس الوزراء، ورئيسي مجلسي الشعب والشوري، وجرت اجتماعات ماراثونية أسفرت في النهاية عن إلغاء عدد من المواد السالبة للحريات المتعقلة بالسب والقذف، واستبدل الحبس بالغرامة، لكن ظلت باقي موادالحبس المقيدة للحريات موجودة.

واستطرد قلاش أنه في مشهد آخر، خلال العام 2006، جرت محاولات سياسية لتمرير مادة تتعلق بالذمة المالية لرجال الأعمال، و السياسيين، ولكن رفضت المادة، فتم تنظيم اعتصام مفتوح، وتحت ضغط هائل، ورغبة من مبارك في إنقاذ سمعته، وتحسين صورته،أعطي تعليمات بسحب المادة التي كانت تهدف لتحصين رجال الأعمال من النقد.

وعن رأيه في علاقة مبارك بالصحافة ، قال قلاش إن مبارك كان غير متابع جيد للصحف ، وكارهًا للصحافة الحزبية، والخاصة ، باعتبارها تدعو للإثارة، وتفوّرأعصابه، لافتًاإلي أن مبارك حرص - بعكس عبدالناصر والسادات - علي إيجاد مسافة مع الصحافة، وقياداتها، متصورًا - أي مبارك - أن الدرس الذي استوعبه من سابقيه، هو ضرورة عدم وجود علاقة مباشرة بين الحاكم و القيادات الإعلامية، فيما كان السادات يري أن الصحافة شريكة في عملية التحول، وقاد ذلك بنفسه.

وفي ختام كلامه، أوضح قلاش أن مبارك كان يعتبر وسائل الإعلام أدوات ليس أكثر، و يتعامل مع رؤساء التحرير باعتبارهم موظفين في الإدارات العليا، مشيرا إلي أن العلاقة تحولت لعقد غير مكتوب بين رؤساء التحرير والرئيس مفاده أن يظلوا في مواقعكم، ويفعلوا ما يشاؤون، مقابل ان تكون هذه الصحف جرائد الحاكم، تكتب ما يريد أن يقرأه هو لا الشعب ، و لا تعكر صفوه، و لاتحدث أي قلق له ، معتبرًا أن أخطر ما شهده عهد مبارك، أنه "جمَّد" الحالة الصحفية، وأوقف التطور الذي يحدث، ومكَّن مجموعة بعينها من الأفراد في المؤسسات الصحفية ، وسمح بفسادهم أن يستشري، وكأنهم يعملون في عزب خاصة اختلط فيها العام بالخاص.
كلمات البحث
الأكثر قراءة