فوجيءالمعتصمون في ميدان التحرير بأنباء ترددت عن نية المجلس العسكري في دراسة إمكانية إخلاء مجمع التحرير، بعد الأحداث التي أدت إلى إغلاقه في وجه المواطنين يومين قبل أن يتم إعادة فتحه الأسبوع الماضي.
موضوعات مقترحة
ووفقا لما تناولته الصحف اليومية فقد تقرر تشكيل عدد من اللجان الفنية بوزارات التنمية المحلية والداخلية والتربية والتعليم والإسكان ومحافظة القاهرة، لبحث طرق الإخلاء، حيث أعلن أن الإخلاء قد يستغرق 3 أشهر.
اللافت أن "دعوى إخلاء المجمع" لم تكن الأولى من نوعها، إذ سبقها عدد من الدعوات التي طالبت بالمطلب نفسه، ولكن لأسباب مختلفة، حيث طرح اللواء مصطفى عبدالقادر، وزير التنمية المحلية الأسبق، الفكرة، وأعد بشأنها مذكرة تفصيلية، عرضها على الدكتور عاطف عبيد، رئيس الوزراء الأسبق، لكن حكومة نظيف تراجعت عن تنفيذها، وفي تلك الفترة راجت شائعات عن ارتباط إخلاء المجمع بمحاولة بيعه لرجل الأعمال السعودي الشهير الوليد بن طلال بغرض تحويله إلى فندق سياحي عالمي.
ويبدو أن فكرة استغلال المجمع تجاريا لم تكن غائبة عن لجنة السياسات التي ترأسها جمال مبارك نجل الرئيس المخلوع، فقد تقدم المهندس أشرف رضا رئيس قطاع الفنون التشكيلية الحالي بدراسة بحثية فى العام 2005، لإعادة توظيف المبانى الحكومية بالعاصمة من خلال مؤتمر "الرؤية المستقبلية - القاهرة 2020"، وكان محور الدراسة: "إعادة توظيف مبنى مجمع المصالح الحكومية بميدان التحرير بالقاهرة كمنشأة سياحية"، وذلك من خلال خطة الدولة لتفريغ قلب القاهرة من المصالح الحكومية.
وعلى الرغم من ذلك ظلت كل تلك الدعاوى مجرد أفكار على ورق، وبقي مجمع التحرير كما هو بطلا للمانشيتات الصحفية طوال الأسبوع الماضي مثلما كان بطلا لعدد من الأعمال السينمائية. فلا تزال ذاكرة المصريين تذكر صورة بهو المجمع في فيلم "الإرهاب والكباب" لعادل إمام، ووحيد حامد، وشريف عرفة، وبالتحديد مشهد إلقاء أسطوانة الغاز من أعلى المبنى في الفيلم الذي احتفى بهتاف المعتصمين في المبنى وهم يهتفون "الكباب الكباب يا نخلي عيشيتكوا هباب".
ومن هنا ظل المجمع في أعين المبدعين بمثابة علامة يمكن أن تنطلق منها صرخة المطالبة بالحقوق، فالمجمع يمثل مركز الثقل فى ميدان التحرير، الذي بات أشهر ميادين العالم بعد ثورة 25 يناير.
وكما كان المجمع مكانا لإلهام المبدعين، كان أيضا قبلة لمن يريد التخلص من حياته، إذ شهد الدور الأخير من المبني عددا من حوادث الانتحار، وهذا سر شبكة الحديد والسلك التى امتدت فى الفراغ، عند الدور الثامن.
والغريب أن كل البنايات حول المبنى تبدو متواضعة، سواء كانت جامعة الدول العربية، أو فندق الهيلتون القديم، أو العمارات المجاورة متآكلة الجدران، فوحده احتفظ بعبق التاريخ ولا ينافسه في ذلك سوى مبنى المتحف المصرى.
ومعماريا يوحي شكل المجمع بالقوة والمهابة وباللين أيضا، هذا لأن المهندس الموهوب الذى صمم هذا البناء الشامخ، فى أوسع ميادين مصر وهو محمد كمال إسماعيل، جاء -كما يقول الناقد كمال رمزي في تأريخه للمبنى- من سلالة البنائين العظام، من نسل عباقرة المعمار، الذين صنعوا مجد الحضارة الفرعونية، فعاش المبنى منذ عام 1908.
وكان كمال إسماعيل مديرا عاما للأبنية الأميرية، وصمم، بخيال خصب، العديد من البنايات التى أصبحت من المعالم المصرية الأثيرة، ذات الجمال الأخاذ من ناحية، والمتعددة المنافع من ناحية أخرى، منها مبنى دار القضاء العالى، بشارع 26 يوليو، والذي كان أيضا نقطة انطلاق لتظاهرات كثيرة تجلت في جمعة الغضب الأولى في 28 يناير.
وبحسب كمال رمزي في المقال الذي كتبه بعنوان "مجمع التحرير شيء من التاريخ" أن كمال إسماعيل المفتون بالأفنية والقباب، أفرد مساحات داخل المبنى، كصالات ومناور، إما مفتوحة الأسقف أو يعلوها أقبية ذات نوافذ زجاجية، هى امتداد وتطوير للشخاشيخ المتوافرة فى العمارة الإسلامية. أبواب المجمع الرئيسية تؤدى إلى صالة متسعة الأرجاء، على اليسار ومجموعة مصاعد أنيقة، للصعود بالموظفين، وعلى اليمين سلالم مريحة، للدور الأول والثانى، وثمة ممرات جانبية، تؤدى إلى صالات أقل مساحة، بها مصاعد كبيرة، لنقل الأثقال إلى الأدوار العليا، وبسبب موقع المجمع، وشكله، وكثر نوافذه، وأفنيته، تجد أن ضوء الشمس، والهواء المتجدد، لا ينقطعان عن المكان.