قراءة في تفاصيل حبس أحمد ناجي.. تخلط بين "المقال" و"الرواية".. وتدين أغلبية الكتّاب

7-3-2016 | 23:13
قراءة في تفاصيل حبس أحمد ناجي تخلط بين المقال والرواية وتدين أغلبية الكتّاب أحمد ناجي
محمد فايز جاد
تبدو حيثيات محكمة مستأنف جنح بولاق أبو العلا في حكمها على الصحفي والروائي أحمد ناجي بالسجن عامين، بتهمة "خدش الحياء" في روايته "استخدام الحياة"، مثيرة للتساؤل، كاشفة العديد من الإجابات عن أسئلة المدافعين عن ناجي، والمهاجمين له على حد سواء.
موضوعات مقترحة


تقول المحكمة في حيثياتها ".. إذ ثبت بعد مطالعة رواية "استخدام الحياة" المكتوبة بمعرفة المتهم الأول "أحمد ناجى" أنه استخدم ألفاظا وعبارات بذيئة بذاتها وأخذ يرددها بفصول الرواية جميعا متلذذا بترديد تلك العبارات التي سماها هو بالبذيئة عقب صدور حكم أول درجة على أحد مواقع التواصل الاجتماعي".

هذه الفقرة تحديدا تقف حائلا أمام أية محاولة لتبرير الحكم؛ ذلك أن البعض قد رأى أن محاكمة ناجي لم تأت بسبب روايته، وإنما بسبب نشر فصل من هذه الرواية في جريدة قومية، الأمر الذي يجعلها متاحة لقارئ لا يرغب بها، ولم يشترها عن قناعة كاملة.

ولكن الفقرة تبتعد عن هذا السبب تماما؛ إذ يبدو جليا أن المحكمة قد قرأت النص كاملا، وأصدرت حكمها بناء على الرواية، وليس بناء على الفصل الذي تم نشره في صحيفة "أخبار الأدب"، وهو الأمر الذي يطرح تساؤلا وهو: هل صار من الطبيعي أن يحاكم كاتب بسبب رواية أو كتاب؟ وأن يسجن بسبب محتواه؟

بالطبع لا يبرر هذا التفسير أن يسجن الكاتب بسبب نشر الفصل في جريدة، فلو أن هناك إجراء لابد أن يتخذ ضده، وضد رئيس التحرير، فإن هذا الإجراء من الطبيعي أن يكون إجراء إداريا، وليس قضائيا.

"... وفيها إغراء بالعهر خروجا على عاطفة الحياء هدما للأخلاق خادشة حياء من يقرؤها إذ صور مشاهد لاجتماع رجل وامرأة يمارسان الرذيلة وما دار بينهما".

عندما تتضمن حيثيات الحكم هذه الجملة يتطرق الشك إلى مدى طلاع القاضي على الأدب العالمي، والعربي، بل والمصري تحديدا؛ فالمحكمة ترى ضرورة سجن ناجي بسبب تصويره لعلاقة جنسية بين رجل وامرأة خارج إطار الزواج، وهو ما تؤكده في الفقرة التي تؤكد فيها القصد الجنائي "وإنه من المقرر أيضا "هذه الكتب يعتبر نشرها انتهاكا لحرمة الآداب العامة وحسن الأخلاق، لما فيه من الإغراء بالعهر، خروجا على عاطفة الحياء، وهدما لقواعد الآداب العامة، والتي تقضي بأن اجتماع الجنسين يجب أن يكون سريا، وأن تكتم أخباره".

هذه الكلمات تخرج بالقضية عن السياق الذي وضعت فيه، بل وعن الدعوى القضائية نفسها، التي تتهم الكاتب بإيراد ألفاظ خادشة للحياء في روايته، بيد أن المحكمة ترى أنه ارتكب فعلا جنائيا بسبب تصوير علاقة جنسية تدور بين رجل وامرأة.

بناء على هذا المبرر الذي وضعته المحكمة يصبح أغلبية الكتّاب تقريبا معرضين للمحاكمة الجنائية، فلو أجرينا إحصائية حول الروايات التي صدرت في الستين سنة الأخيرة، أي منذ بداية عهد الرواية في مصر، لوجدنا أن 80 بالمائة تقريبا منها، إن لم يكن أكثر، تصور علاقات جنسية، خارج إطار الزواج، بشكل من التفصيل، بل إن كثيرا منها لكتاب كبار، تكرمهم الدولة، بل وتطلق أسماءهم على فعاليات ثقافية.

"وإن المشرع الدستوري حين نص في المادة 67 من الدستور على حرية الإبداع الفني والأدبي لم يكن ليقصد حماية هؤلاء الذي نسبوا أنفسهم إلى الكتاب يسعون في الأرض فسادا، ينشرون الرذيلة، ويفسدون الأخلاق بأقلامهم المسمومة، تحت مسمى حرية الفكر".

تحوي هذه الفقرة مؤشرا خطيرا، من الصعب أن يمر مرور الكرام؛ فالمحكمة قامت بتأويل النص الدستوري، والتدخل في نية المشرع وقصديته، دون أن تستند على أية مادة في قانون العقوبات، قد تكون مفسرة لهذه المادة من الدستور، أو شارحة لها، أو مقننة ومحددة لأبعادها، لتصبح هذه الواقعة سابقة، تمنح الحق للقضاء بتفسير النص الدستوري دون الاستعانة بمواد القانون، الأمر الذي يجعل الدستور مادة قابلة للتأويل حسب رأي القاضي.

"وإنه من المقرر أيضا أن المرجع في تعرف حقيقة موضوع جريمة الإخلال بالآداب العامة، المنصوص عليه في المادة 178 من قانون العقوبات، هو بما يطمئن إليه القاضي سواء أكان مطبوعات أم صورا أم رسوما، أم غير ذلك مما نصت عليه المادة المذكورة، يتناقض مع القيم الأخلاقية والاعتبارات الدينية السائدة في المجتمع".

المحكمة هنا تستند على هذه المادة من قانون العقوبات، التي تجعل القاضي حكما، يحق له أن يتجاوز النقد الأدبي، ليقوم بنقد أخلاقي، وهو ما يلقي الضوء على بعض المواد القانونية، التي من شأنها أن تجعل من مواد الدستور مواد معطلة، فبناء على هذه المادة يحق للمتابع التساؤل: ماذا لو عرضت قضية مشابهة على أحد القضاة متهم فيها مثال بنشر الرذيلة لأنه صنع تمثالا لامرأة في موضع إراء؟ بل والأخطر هو: ماذا لو عرضت رواية "أولاد حارتنا" للروائي العالمي نجيب محفوظ على قاض بتهمة ازدراء الأديان ورأى هو "واطمأن" إلى أن محفوظ في هذه الرواية، التي يعلم الجميع أنها تشير للأديان وإن نفى محفوظ أن يكون الجبلاوي ممثلا للذات الإلهية، يزدري الأديان حقا؟

"المتهم الأول نشر (مقالاً) للعرض والتوزيع حوى مادة كتابية خادشة للحياء العام...". هذه الجملة تضع علامة استفهام ضخمة على القضية برمتها، فصاحب الدعوة القضائية لم يستطع التفريق بين فصل في رواية، وبين مقال، لتأتي المحكمة لتقر هذا الخلط بشكل محير في حيثياتها، الأمر الذي يثير التساؤل حول مدى جدية المحكمة في قراءتها للعمل الأدبي، رغم عدم مقبولية أن تطرح الأعمال الأدبية أمام القضاء.

أسئلة كثيرة تطرحها حيثيات الحكم، وأبواب كثيرة تفتحها، أمام كل من رأى نفسه متضررا من عمل أدبي أو فني ما، ليلقي بهذا العمل الأدبي، وبصاحبه، أمام قاض لن يكون سهلا عليه أن يبدو أمام المجتمع وكأنه لا يراعي الحرمات العامة.
كلمات البحث