Close ad

"ناجي العلي" أشرس معارك نور الشريف المتتالية.. وفي النهاية انتصر "حنظلة"

12-8-2015 | 10:09
ناجي العلي أشرس معارك نور الشريف المتتالية وفي النهاية انتصر حنظلة "ناجي العلي"
محمد فايز جاد
المعارك، التي دخلها الفنان الراحل نور الشريف بسبب أفلامه لا تعد، فالعديد من أفلامه ألقته في مواجهة عنيفة، إما مع أنصار نظام معين، أو مع النظام نفسه.
موضوعات مقترحة


من هذه المعارك معركة فيلم "الكرنك"، الذي تم إنتاجه عام 1975، من إخراج علي بدرخان، والذي كان يصور بشكل مباشر عمليات التعذيب الممنهج التي تعرض لها سجناء الرأي، خصوصا الشيوعيين، في فترة الستينيات، والمأخوذ عن رواية للأديب العالمي نجيب محفوظ كتبها بعد أن رأى بالصدفة حمزة البسيوني رئيس السجن الحربي في عهد عبد الناصر، لدى خروجه، أي البسيوني، من السجن.

الفيلم تعرض لحملة انتقادات واسعة من جانب الناصريين الذين، رغم أن نور الشريف كان ناصريا، رأوا فيه تشويها لصورة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر وحقبته، بخاصة أن هذا الفليم تم إنتاجه في عهد الرئيس الراحل السادات، الذي يعلم الجميع أنه جاء باتجاه مضاد تماما لاتجاه عبد الناصر.

معركة أخرى دخلها الشريف كانت بعد فيلم "أهل القمة" الذي تم إنتاجه عام 1981 ، ومن عجب أنه كان من إخراج علي بدرخان وقصة نجيب محفوظ. الفيلم قدم شهادة عن فترة الانفتاح التي شهدتها مصر في النصف الثاني من حقبة السبعينيات، والتي شهدت ظهور طرق غير مفهومة للثراء، جاءت عن طريق تكوين أموال من أنشطة غير منتجة، وبعضها غير شرعي، ما أنتج طبقة من الأثرياء الجدد الذين بلغوا القمة بطرق مشبوهة، ليصبح ذلك العصر هو عصر الإثراء بلا مبرر، وبلا مجهود.

الفيلم تم منعه من قبل الرقابة التي رفضت عرضه دون إبداء أي سبب، ليتصل الفنان نور الشريف بالرئيس الراحل أنور السادات طالبا منه السماح بعرضه. السادات اشترط أن يشاهد الفيلم أولاً قبل الموافقة على عرضه، وبالفعل وافق وأجاز عرضه.

ورغم ذلك، فإن الفيلم، وبطله، لم يسلما من حملة شرسة شنها أنصار الرئيس السادات من صحفيين وكتاب، وسياسيين ورجال أعمال.

بيد أن كل هذه المعارك لا يمكن أن تقارن بتلك المعركة الشرسة التي خاضها نور الشريف دفاعا عن فيلمه الشهير "ناجي العلي" الذي يصور شخصية رسام الكاريكاتور الفلسطيني الشهير ناجي العلي الذي تعرض للاغتيال في لندن عام 1987.

الشريف، صاحب الفكر القومي كان من أكثر المدافعين عن القضية والرافضين لأية شبهة تطبيع مع الكيان الصهيوني، حتى أنه في أحد حواراته قال عندما سئل عن إمكانية سفره لفلسطين المحتلة: "مستحيل أن أذهب إلى هناك إلا بـ "فيزا" من السفارة الفلسطينية".

عام 1992، قدم نور الشريف فيلم "ناجي العلي" الذي أنتجته شركة "إن بي فيلم" التي كان يمتلكها وزوجته بوسي، بالاشتراك مع مجلة "فن" اللبنانية. الفيلم، الذي كتبه بشير الديك وأخرجه عاطف الطيب، فتح أبواب جهنم، كما يقول المثل، في وجه الشريف، حيث هاجمه الجميع، وأعلنت كل الأطراف التي يمسها الفيلم من قريب أو من بعيد الحرب عليه.

الفيلم أثار حفيظة الأنظمة العربية التي لطالما هاجمها العلي في رسوماته بضراوة، وبخاصة أن الفيلم لم يتخذ جانبا محايدا في هذه النقطة، بل أبرز صور هذا الهجوم من خلال الحوار، وعلى لسان بطله، ما أدى إلى منع عرض الفيلم في معظم البلاد العربية.

كان أحد المعترضين بالشدة على الفيلم، والمهاجمين لبطله ولأسرة عمله، الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، الذي كان العلي أحد المعارضين الشرسين له ولجماعته، لدرجة أن أصابع الاتهام وجهت بعد اغتيال العلي، بجانب الكيان الصهيوني، إلى عرفات، بخاصة أن اغتيال ناجي جاء بعد فترة قصيرة جدا، من نشر اللوحة الشهيرة "رشيدة مهران"، التي تهاجم السيدة التي تحمل الاسم نفسه والتي يعتقد أنها كانت عشيقة عرفات.

أما في مصر فكانت ردود الفعل في غاية العنف، فقد تعرض نور الشريف لموجة من الاتهامات القاسية بالخيانة والتواطؤ ضد الدولة المصرية، وقد خرجت الصحف المصرية وقتها لتقول "نور شريف يقدم فيلما عن الرجل الذي شتم مصر".

هذه الاتهامات كانت بمثابة ضربة قاصمة للشريف من الناحية الفنية والمادية؛ حيث تأثر الشارع تأثرا كبيرا بها بخاصة أنهم لا يعرفون الكثير عن العلي وقضيته. كذلك تعرض الشريف لحملة مقاطعة من الدول العربية، التي رفضت أن تعرض أفلامه في دور السينما لديها، وفي مصر تعرض لحصار كبير منعه من الإنتاج.

الفيلم لم يعرض سوى لمدة أسبوعين فقط في دور العرض، ليتم سحبه بعدها مباشرة نتيجة الهجوم الذي تعرض له ما أدى لعزوف الجمهور عن مشاهدته من جهة، وخوف أصحاب دور العرض من رد فعل الجمهور من جهة أخرى ليظل ممنوعا من العرض لعقود، بل وليظل اسمه لعنة تطارد الشريف وشركاءه.

لم يتراجع نور الشريف أمام هذه الاتهامات البشعة وخرج في كل مكان يدافع عن الفيلم، ويؤكد أن الفيلم لا يهاجم مصر على الإطلاق، وأن ناجي العلي ما كان ليهاجم مصر، لأنه أحد العاشقين لها، إنما هاجم العلي الرئيس السادات بعد زيارته للقدس المحتلة، وهو التصرف الذي رفضه جمليع المعارضين للتطبيع مع الكيان الصهيوني.

وفي مقال له عن الفيلم قال الشريف: "صورنا الهجوم، نحن فريق الفيلم، كما لو كنا مجموعة من الخونة صنعوا فيلماً خصيصاً ضد مصر، حتى أنهم كتبوا وقالوا نور الشريف يقوم ببطولة فيلم الرجل الذي "شتم" مصر في رسوماته. والحقيقة أن هذا الاتهام باطل، فناجي العلي كان يعشق مصر لأبعد الحدود، وهذا ما توضحه رسوماته، ولكنه هاجم السادات عند زيارته للقدس، وهاجم اتفاقية كامب ديفيد".

الفيلم ظل ممنوعا لما يقرب من اثنين وعشرين عاما، ليعرض للمرة الأولى على التليفزيون المصري في 2014، ليعلن انتصار نور الشريف وفريق الفيلم في المعركة التي حاربهم فيها الجميع، والتي شرعت في وجوههم كل الأسلحة المشروعة وغير المشروعة، وليعلن أن أحدا لا يستطيع منع الكلمة من أن تنتشر وتحلق وتدوي.

رحل الشريف لكنه لم يغب ولن يغيب، فكما أن رسومات العلي ما زالت شاهدة على حياته، وكما أن "حنظلة" ما زال يعلن يوميا في كل أرجاء العالم أنه حي، فإن أعمال الشريف ستظل شاهدة على خلوده، فالمبدعون لا يموتون.## ## ## ## ##
كلمات البحث