المخرج محمد صيام: رحلة تمويل فيلم «كولونيا» كانت شاقة وأقدم سينما من أجل الناس وليس الجوائز| حوار

5-11-2025 | 18:33
المخرج محمد صيام رحلة تمويل فيلم ;كولونيا; كانت شاقة وأقدم سينما من أجل الناس وليس الجوائز| حوار المخرج محمد صيام
سارة نعمة الله

تظل العلاقة الإنسانية صاحبة النصيب الأعظم من الاهتمام الجماهيري لمحبي وعشاق السينما، ويأتي فيلم «كولونيا» ليقدم لنا تشريحًا لعلاقة استثنائية بين أب وابنه، حيث تكشف الأحداث في ليلة واحدة مدى الفتور والتأزم الذي شهدته تلك العلاقة بما يحمل مراجعة للطرفان قبل ساعات من وفاة الأب.

موضوعات مقترحة

الفيلم عرض على هامش فعاليات الدورة الثامنة لمهرجان الجونة السينمائي، وحصد بطله الفنان أحمد مالك على جائزة أفضل ممثل في حفل ختام المهرجان، ومن المقرر عرضه أيضًا ضمن فعاليات الدورة الخامسة لمهرجان البحر الأحمر السينمائي التي تنطلق في ديسمبر المقبل، وشارك في بطولة الفيلم الفنان الفلسطيني كامل الباشا ومايان السيد وعابد عناني ومن تأليف أحمد عامر بالاشتراك مع المخرج محمد صيام.

في حوار لـ «بوابة الأهرام» مع المخرج محمد صيام يتحدث عن كواليس صناعة الفيلم ورحلة تمويله التي وصفها بالشاقة، ويؤكد أن الجائزة الكبرى له هو عرض فيلمه في بلده وتفاعل الجمهور معه، كما ينوه إلى الحضور المميز للفنان الفلسطيني كامل الباشا في تجسيده لشخصية الأب مشددًا على أن اللهجة المستخدمة بالفيلم غير مألوفة بالسينما والتلفزيون، تفاصيل أخرى في السطور القادمة...    


- ماذا يعني لك فوز أحد صناع فيلم «كولونيا» بجائزة من مهرجان الجونة السينمائي خصوصًا وأنها ترتبط بالعمل الروائي الأول لك؟

في الحقيقة لم أتوقع الجائزة ولكن قيمتها أنها من بلدي "مصر"، وأي جائزة معناها كبير لدى طاقم العمل الذي عمل بالفيلم وآمن بالفكرة بمنتهى الحماس، وفي النهاية أنا أقدم فيلما من أجل الناس، وبالنسبة لي هو فيلم مصري يتم مشاهدته في بلدي وهذا المهم بالنسبة لي فأنا لا أعمل من أجل جائزة. 


- يحمل فيلم «كولونيا» تعقيدًا كبيرًا في توتر العلاقة بين الأب وابنه.. إلى أي مدى يواجه السينمائي صعوبة في تنفيذ مثل هذه المشروعات؟

لدينا هنا تعقيدان، الأول يتعلق بأن الفيلم لا يتحدث عن أقليات معينة مثلًا حتى يكون صالحًا للعرض بالمهرجانات في الخارج أو الحصول على تمويل، كما أنه لا يغازل موضوعاتهم خصوصًا وأن مشكلة التمويلات أنها دائما ترتكز على موضوعات معينة. 

والتعقيد الثاني أن شباك التذاكر في مصر والوطن العربي يكون بحاجة للأعمال الكوميدية أو الأكشن أو الرومانسية، وهنا نحن نحاول إيجاد مكان لنا بين فكرة التمويل الخارجي وشباك التذاكر.


- لكن كتابة مثل هذه الموضوعات يكون محيرا لصانعه لأنه بالطبع قد يلمس مع جانب من حياته..كيف تعاملت مع النص، وكيف كانت شراكتك مع السيناريست أحمد عامر في إحداث تماهي في الكتابة بينكم؟


الكتابة كانت عبارة عن صوت داخلي، والحقيقة هي تجربة ممتعة لأنها الحاجة الوحيدة التي يمكن تنفيذها بمفردك في مشروع سينمائي في حين أن باقي عناصر العمل السينمائي تكون جماعية، ولكن عندما وجدت أحمد عامر يكتب معي أصبح الأمر أفضل وأسرع لأنه موهوب ويجيد البناء الدرامي، وبالفعل هناك تماهي بين الأب وابنه في الأحداث، فهناك مشاهد معينة يحضر الأب والابن فيها ويتحدثون بنفس طريقة الكلام وأحيانا شكل لبسهم يكون قريبًا جدًا من بعضهما.


- أيهما كان أكثر تعقيدا في تقديم السرد البصري والنفسي لشخصيته.. هل الأبن أم الأب؟

السرد البصري كان أسهل بكثير للشخصيتين لأن السرد النفسي كان يحتاج تعمقا وكتابة بخلاف دراسة الشخصيات كلها بمن فيها التي ظهرت في مشهد أو اثنين. 


- الإضاءة في هذا الفيلم تمثل بطلًا هاما في الأحداث وغلب عليها بالتة ألوان تميل إلى اللون الأزرق، هل قصدت ذلك لإعطاء عمق وفلسفة لهذه العلاقة والتأكيد على الفطور بين الأب والابن؟

بالفعل هما بطلا الفيلم، ولكن أعتقد أننا حددنا كل شىء على أساس الرسم النفسي للشخصيات حتى المدينة نفسها لا تشبه الإسكندرية بقدر ما تشبه شكل الشخصية وحالتها الفنية.


- هناك أسلوب يربط بين التناول الروائي والوثائقي في سردية الفيلم.. هل قصدت ذلك، وإلى أي مدى هناك صعوبة في التفكير بالجمع بين الشكلين؟

أنا قادم من خلفية أفلام وثائقية فبالتأكيد التناول هيكون "ملمس معاه" بشكل أو بآخر، ولكن لا أعتقد أنه كان هناك جمع بين الشكلين بالفيلم، وكان تفكيري أن أقدم فيلما روائيا بعد فيلمين تسجيلين وبالنسبة لي كل الأنسجة والخلفيات الخاصة بالحوائط والشوارع كان مهما جدًا أنها تظهر بشكلها الحقيقي خصوصا الشقة، فقد كان من الهام أن تظهر شبيهة بأي بيت من لون الحيطان لكل أشكال الستائر والأبواب والتكسير والصدى وكل هذا كان مهما جدًا في الظهور على الشاشة. 


-  مثل هذه النوعية من الأفلام التي تلامس علاقات أسرية شديدة الحساسية والخصوصية من المؤكد أن وراء التفكير في صناعتها فكرة .. ما الذي كنت تفكر به قبل دخولك هذا المشروع؟

كنت أفكر كيف يكون فيلمنا في منطقة وسط بمعنى أنه لا يكون فيلم مهرجانات فقط أو فيلم شباك تذاكر، أي أن يكون قريبًا من الناس فلا يكون به صمت غير متعمد أو إيقاع مرتخي من دون الحاجة لذلك لمجرد المغازلة لشباك التذاكر. 


- تحتاج صناعة الأفلام حاليا للبحث عن مصادر عدة للتمويل فكيف كانت رحلة هذا الفيلم؟

أي فيلم عربي أو مصري في الوقت الحالي يبحث عن تمويل خصوصا أننا لم يعد لدينا مركز قومي أو مؤسسة تدعم صناعة الأفلام، كما هو في الجزائر وتونس وغيرها، لذلك لابد أن نبحث عن إنتاج مشترك، ورحلة «كولونيا» كانت شاقة وتم تمويل الفيلم في مرحلة الإنتاج وما بعدها عن طريق الدعم العيني وأشخاص كانت بالفعل محبة لفكرة الفيلم. 


- الكادرات في فيلم «كولونيا» تعبر عن شرخ العلاقة وتوترتها في تماهي واضح مع الديكورات، كيف عملت على إحداث هذا التماهي؟

الكادرات تم بناؤها حتى تبين شرخ العلاقة بين الأب والابن حتى "الطرقة الطويلة" بين غرفتيهما تم تنفيذها بشكل ممر طولي أكثر من اللازم وهو أمر غير موجود في البيوت القديمة حتى أظهر أيضًا مدى التباعد الجغرافي والنفسي بينهما، وفي نفس الوقت كنت حريصا في الكادرات وشكل الإضاءة أن أظهر مدى التوتر الموجود في علاقتهما.


- لماذا كان اختيار كامل الباشا لتجسيد شخصية الأب من البداية، رغم اختلاف البعض على مسألة اللهجة وليس الأداء؟

كامل الباشا أستاذ مسرح كبير، وشكله قريب جدًا منا كأب مصري في وجهه وتعبيراته ويشرفنا أيضًا أنه مواطن فلسطيني الأصل، والمهم بالنسبة لي هو الأداء والتعبيرات النفسية والجسدية والوجه عن مسألة اللهجة والحقيقة كانت مرضية جدًا لي، وربما كانت اللهجة صعبة في هذا الفيلم لأنها مختلفة عما نسمعه في المعتاد بالسينما والتلفزيون.


- ربما يكون إيقاع هذا الفيلم  أكثر بطئا من المعتاد في طبيعة الأفلام الروائية، هل كان ذلك مقصودا باعتبار أن الأحداث تدور في ليلة واحدة، وكأنها ترجمة لثقل وطول مدة هذه الليلة على الابن والأب؟

إيقاع الفيلم له علاقة بنوع السينما التي أقدمها وليس بناءً على فكرة أن الأحداث تدور في ليلة واحدة بينهم، والفيلم مسلي وليس به بطء متعمد كما يعتقد البعض بأنها تيمة لأفلام المهرجانات، وذلك بحسب ما سمعته من آراء الكثيرين الذين أبدوا إعجابهم بالفيلم، وخلال عرضي الفيلم في مهرجان الجونة مرتين كان الحضور كامل العدد وهذا يؤكد أننا قدمنا فيلمًا ممتعًا.    


- ماهي أصعب مراحل صناعة هذا الفيلم من وجهة نظرك؟

كل مراحل الفيلم لها صعوبتها، ولكن التصوير كان الأصعب لأنه كان في حدود أسبوعين فقط بميزانية محدودة وعدد أيام تصوير قليلة وهو ما نجحنا فيه مع المنتج الفني وطاقم العمل والممثلين وأثبتنا أننا نستطيع صناعة فيلم جيد في أسبوعين.  


- كيف كان استقبال الجمهور لعرض الفيلم بمهرجان وارسو السينمائي لأول مرة؟

بالنسبة لي العرض في مهرجان "وارسو" مثل أي مهرجان آخر، وطوال الوقت كنت استغرب كثيرًا أن يكون هناك فيلم طبيعته مصرية خالصة، ويتفاعل معه أي شخص في العالم ويستطيع أن يتماهى مع أحداثه وينسجم مع القصة ويجد أن هناك تفصيلة متقاطعة مع حياته الشخصية، وبعد العرض في "وارسو" قابلت أكثر من شخص بولندي وأوروبا الشرقية من الرجال والنساء يؤكدون أنهم تعرضوا في علاقتهم مع والدهم لنفس أحداث الفيلم.  


- إلى أي مدى نجح أحمد مالك في تجسيد تعقيد شخصيته التي كان يقدمها خصوصا وأنها تجربة مختلفة في مشواره الفني؟


أحمد مالك وكل شخصيات الفيلم نجحوا في تقديم أدوار مختلفة عنهم وتقديم جانب لم يره أحد من قبل، وأن يظهروا موهبتهم الكبيرة، مثل أن يقدم كامل الباشا شخصية رجل إسكندراني، أو أن تقدم مايان السيد شخصية بنت بلد، ويقدم مالك شخصية بهذا التعقيد، والحقيقة جميع الممثلين تعبوا كثيرًا في هذه التجربة لكونها مختلفة كما أنها تحمل قدرا من الخصوصية التي تقدم رؤية شخصية في حياة كل منهم نجحوا في إخراجها على الشاشة، وهذا ظهر منذ التحضير في البروفات الأولى.   


- هل كولونيا ستكون بوابة للتوسع في صناعة الأفلام الروائية الطويلة، وهل تنوي أن تحمل أعمالك هذا الشكل المتماهي بين الروائي والتوثيقي باعتباره شكلا يحمل عمقا كبيرا وفلسفة خاصة للصورة؟

أحضر حاليًا بالفعل لفيلمي الروائي الطويل الثاني وأستعد إلى الثالث، وفيما يتعلق بفكرة التماهي بين الروائي والتوثيقي لا أعتقد أننا قدمناه بهذا الشكل هنا في "كولونيا" فربما هناك جزء حقيقي وآخر قريب في شكل صنعه، وأعتقد أن الفيلم قريب من الناس وحقيقي، والحقيقية أن الأفلام التي أحضر لها حاليًا ربما تحمل هذا الشكل الذي تقصدينه في صنعتها.


- مؤخرًا، أعلن مهرجان البحر الأحمر السينمائي عن عرض فيلم «كولونيا» في دورته الخامسة، فكيف ترى أهمية هذا العرض الذي يأتي بعد التتويج بجائزة في مهرجان الجونة؟

مهرجان البحر الأحمر السينمائي هو مهرجان كبير مثل الجونة السينمائي، وفي دورته الخامسة يثبت حضوره وفعالياته، فقد أصبح له مكانًا مهمًا في المنطقة العربية، واختيارهم لينا من ضمن الأفلام العربية والعالمية يؤكد أننا قدمنا فيلما جيدا ليس فقط لمصر بل إلى المنطقة العربية كلها.   

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: