شهدت الفترة الماضية تصعيدًا ملحوظًا في التوترات بين إسرائيل ولبنان، مع تكثيف تل أبيب لتهديداتها وغاراتها رغم اتفاق وقف إطلاق النار. هذا التصعيد المنهجي يطرح تساؤلات حول الأهداف الحقيقية لإسرائيل، وما إذا كانت تسعى للضغط على بيروت في ملفات حساسة كنزع سلاح "حزب الله"، أو فرض "رؤية جديدة" في المنطقة.
موضوعات مقترحة
في ظل هذه الأجواء المشحونة، تبرز الجهود الدبلوماسية للوساطة المصرية كعامل محوري. فما هي دوافع إسرائيل للتصعيد "الآن"؟ وهل تتطابق الرؤية الأمريكية والإسرائيلية؟ والأهم، ما هي مرتكزات المبادرة المصرية التي تهدف لمنع الانزلاق نحو مواجهة أوسع؟
أحمد كامل البحيري، الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، يُحلل أبعاد هذا التوتر الخطير، ويكشف فرص نجاح القاهرة في نزع فتيل الأزمة.
إسرائيل تُكثّف تهديداتها ضد لبنان. لماذا الآن؟
بالفعل، التوتر بين إسرائيل ولبنان بلغ مرحلة حرجة، حيث تصاعدت التهديدات الإسرائيلية بتكثيف الهجمات على الأراضي اللبنانية، وخصوصًا في الجنوب. وفي المقابل، أدان الرئيس ميشال عون سياسة التصعيد المنهجي التي تنتهجها إسرائيل، مؤكدًا أن تل أبيب تردّ على عروض التفاوض اللبنانية بضربات دامية.
وعلى الرغم من اتفاق وقف إطلاق النار الذي أُبرم في نوفمبر 2024، فإن إسرائيل ما زالت تحتل خمس نقاط حدودية في الجنوب اللبناني، وتواصل شنّ غاراتها الجوية بانتظام. وقد ارتكبت إسرائيل منذ توقيع الهدنة 5,110 انتهاكًا، من بينها 2,800 انتهاك بري، و2,351 جوي، و160 بحري، ما أسفر عن مقتل 3,303 أشخاص، بينهم 18 عسكريًا من الجيش اللبناني، وهي أرقام مروّعة، خصوصًا في ظل غياب أي إدانة دولية لهذه الاعتداءات.
الغارات الإسرائيلية على لبنان - صورة أرشيفية
هل تُعدّ هذه الانتهاكات وسيلة للضغط على الدولة اللبنانية في ملف نزع سلاح حزب الله؟
تبرّر إسرائيل عملياتها بذريعة «مكافحة حزب الله»، وهي ذريعة واهية، إذ تؤكد تقارير الجيش اللبناني واللجنة الثلاثية لآلية المراقبة التابعة لقوات «اليونيفيل» (التي تضم خبراء من الأمم المتحدة وممثلين لبنانيين)، أن 87٪ من مواقع حزب الله الواقعة جنوب نهر الليطاني قد أعيدت إلى سيطرة الجيش اللبناني. وقد تسارع تعزيز الانتشار العسكري اللبناني، إذ ارتفع عدد الجنود في الجنوب من 2,000 إلى نحو 9,300 جندي، وهو ما يعد تقدمًا ونجاحًا كبيرًا في ظل الأزمة الاقتصادية العميقة التي يمر بها لبنان.
ورغم أن دولاً أوروبية وغربية عدة وعدت بتقديم دعم مالي، فإن لبنان لم يتلقَّ أي دعم مادي إلى الآن. وبالتالي، لا توجد أي مبررات للانتهاكات الإسرائيلية. السبب الحقيقي وراءها هو سعي تل أبيب إلى فرض رؤية جديدة للشرق الأوسط.
الجيش اللبناني - صورة أرشيفية
وما هي هذه الرؤية بالتحديد؟
تسعى إسرائيل إلى القضاء على كل قوة سياسية أو إعلامية أو مدنية يمكن أن تشكّل معارضة لها. وترتكز استراتيجيتها على إخضاع الدول المجاورة سياسيًا وعسكريًا واجتماعيًا، عبر إضعاف مؤسساتها، كما حدث في سوريا.
وتريد إسرائيل أن ينضم لبنان إلى قائمة الدول التي طبّعت علاقاتها في إطار اتفاقات أبراهام، أو على الأقل أن يوقّع اتفاقيات أمنية تمنحها امتيازات واسعة. لكن، رغم تعددية الطوائف في لبنان، لا توجد أي طائفة تؤيد التطبيع مع إسرائيل. حتى الرئيس اللبناني نفسه أكد أنه مع الحلول السياسية، ولكن من دون أي إشارة إلى التطبيع. هذا الموقف يقلق تل أبيب بشدة، ويدفعها إلى تكثيف ضغوطها العسكرية.
هل تدعم الولايات المتحدة إسرائيل في هذا التصعيد؟
لو أرادت الإدارة الأمريكية فعلاً ممارسة ضغط حقيقي على إسرائيل لوقف انتهاكاتها، لتوقفت الغارات الإسرائيلية فورًا، أو على الأقل لتراجعت بشكل كبير.
لكن الرؤية الأمريكية والإسرائيلية حيال لبنان، وخاصة فيما يتعلق بحزب الله، تتطابق بنسبة تقارب 90٪. نقطة الخلاف الوحيدة تكمن في رغبة واشنطن في تجنّب ضربات داخل العاصمة بيروت، أو أي ضربات قد تُلحِق الضرر بمؤسسات الدولة اللبنانية.
الغارات الإسرائيلية على لبنان - صورة أرشيفية
هل يمكن أن تنجح الوساطة المصرية؟
تمتلك مصر ورقة قوة مهمة، إذ إنها تتّخذ موقفًا محايدًا تجاه جميع الطوائف اللبنانية، بخلاف دول أخرى مثل الولايات المتحدة وفرنسا وقطر والسعودية وتركيا، حيث إن لكل منها تحفظات على بعض الفصائل اللبنانية وترفض التفاوض معها. لم تُعلن بعد أي تفاصيل رسمية عن المبادرة، سواء من القاهرة أو بيروت أو تل أبيب، لكن وفقًا للخبراء المقربين من الملف، ترتكز المبادرة المصرية على ثلاثة محاور أساسية:
- منع اندلاع حرب أهلية أو مواجهة عسكرية مع إسرائيل.
- تعزيز مؤسسات الدولة اللبنانية.
- ضمان الوحدة الوطنية لتفادي انهيار مؤسسات الدولة.
وتؤكد القاهرة على ضرورة إحياء مشروع الاستراتيجية الوطنية للدفاع، وهو الملف الذي ظلّ عالقًا منذ مبادرة الرئيس اللبناني الأسبق ميشال سليمان بعد أزمة عام 2008. وقد استمرت تلك المناقشات 3 سنوات قبل أن تتوقف في عام 2012. تسعى مصر اليوم إلى إعادة إطلاق هذه المحادثات استنادًا إلى تلك الجهود السابقة.
* نقلًا عن الأهرام إبدو