«مأساة حلوان» تطرح السؤال الصعب.. كم شابًا وفتاة حاليًا من «أبناء الكهف»؟

5-11-2025 | 12:36
;مأساة حلوان; تطرح السؤال الصعب كم شابًا وفتاة حاليًا من ;أبناء الكهف;؟صورة تعبيرية
أروى سامح
الشباب نقلاً عن

قصة فتيات حلوان تكشف معاناة بعض الشباب مع الاكتئاب والرهاب الاجتماعى والوسواس والإدمان الرقمى

موضوعات مقترحة

د.نورهان النجار: الشباب يقارنون أنفسهم بصور مثالية غير واقعية على السوشيال ميديا مما يشعرهم بالعجز ويصيبهم بالأمراض النفسية

في السنوات الأخيرة، تحولت قضايا الصحة النفسية من موضوعات مسكوت عنها إلى واحدة من أهم القضايا الاجتماعية التي تمس الشباب في مصر، قصص مؤلمة تتكرر مع شباب انسحبوا من المجتمع، أو لجأوا إلى الانعزال التام، ومن أبرز هذه القصص ما عرف إعلاميًا بـ"بنات الكهف" في حلوان، حيث عاشت 3 فتيات في عزلة تامة داخل شقة مظلمة لسنوات، وسط معاناة نفسية شديدة وغموض حول مصيرهن، وهذه الحكاية ليست مجرد حالة فردية، بل نافذة تكشف جانبًا مظلمًا من معاناة الشباب مع الاضطرابات النفسية، مثل الاكتئاب، الرهاب الاجتماعي، الوسواس القهري، الاضطرابات ثنائية القطب، وحتى الإدمان الرقمي.

بنات الكهف

في حي حلوان عاشت 3 شقيقات حياة غير مألوفة، لم يخرجْن إلى الشارع، لم يتعلمن، ولم يزرْن أحدًا من الجيران، أصواتهن كانت بالكاد تُسمع، ووجودهن لم يكن يُرى حتى جاء اليوم الذي قرر فيه أحد الجيران الإبلاغ عن الوضع، ليفاجأ الجميع بأن الفتيات عشن في عزلة كاملة لسنوات طويلة، داخل شقة مغلقة النوافذ، حتى سُميت بـ"الكهف"، الصور التي خرجت كانت صادمة: ستائر سوداء تحجب النور، جدران متهالكة، أجساد هزيلة، ووجوه شاحبة فقدت ملامح الحياة.. التحقيقات الطبية أثبتت أن الفتيات يعانين من اضطرابات نفسية متراكمة، من بينها الاكتئاب الحاد والرهاب الاجتماعي والأسرة كانت غائبة عن المشهد، والمجتمع لم يلحظ الكارثة إلا بعد أن بلغت ذروتها، والقصة أثارت سؤالاً مهماً: هل هذه الأمراض يمكن أن تكون وراثية تنتقل عبر الأجيال.. أم هي نتاج بيئة اجتماعية واقتصادية خانقة دفعت الفتيات إلى هذا المصير؟ والمثير أن الأطباء النفسيين أكدوا أن الوراثة قد تضع الاستعداد، لكن غياب الدعم الأسري والوعي المجتمعي هو ما يحول الاضطراب إلى مأساة ممتدة.

تطبيق عملي

في البداية توقفنا مع عينة عشوائية من بعض الشباب، مريم سعيد، ٢٢ سنة، تقول: أول مرة بدأت أشعر فيها بأن شيئاً ما غريباً حينما كنت أعود من المدرسة وأظل أغسل يدي بالصابونة لأكثر من نصف ساعة، أمي كانت تعنفني لكنني كنت أشعر بأنني لو لم أفعل ذلك سأصاب بمرض خطير، والموضوع كبر معي في الجامعة.. كنت قبل أي امتحان أقضي وقتاً طويلاً في الحمام لأغسل يدي، كما كنت دائماً أعيد وضوئي أكثر من مرة، وفي الصلاة نفسها كنت أعيدها كثيراً لشعوري بأن هناك شيئاً ما خطأ، وصلت لمرحلة أني كنت أبكي ليلاً من التعب، وعندما ذهبت لطبيب نفسي اكتشفت أنى أعاني من الوسواس القهري، هنا فقط شعرت بالراحة.. وعرفت بأن ما أعاني منه مرض وليس ضعفاً، وبالطبع حياتي تغيرت.

أحمد السيناوي يعاني من (الرهاب الاجتماعي)، يقول: عمرى ٢٣  سنة ومنذ صغري كنت أخاف أن أتكلم أمام أي أحد في المدرسة، كنت أتهرب من الوقوف للإجابة رغم أنني أعرفها، فقط لمجرد أن المدرس ينظر إلي قلبي كان يدق بسرعة، واستمر هذا الخوف عندما كبرت، في الجامعة كان مطلوباً مني عمل عرض "بريزنتيشن".. الليلة التي قبلها لم أنم.. ويومها كان جسمي كله يرتعش وصوتي يتقطع وضحك علي زملائي، من بعدها أصبحت أتجنب أي نشاط اجتماعي وقررت أن أبتعد عن الناس وأعيش في هدوء وسلام مع نفسي.

أما سلمي حامد فتقول- ببساطة-: الاكتئاب بالنسبة لي هو واقع أعيشه يومياً، في الصباح لا أستطيع أن أتحرك.. أظل لفترة ملقاة علي السرير أنظر للسقف، فقدت شغفي بالقراءة والرسم، كل من حولي يقولون لي "قومي، غيري جو، اخرجي معانا" لكن لا أحد يستوعب أن مجرد خروجي من عزلتي هذه بمثابة "تجربة صعبة".. شعرت بأن وجودي عبء على من حولي، وذهبت في النهاية إلى طبيب نفسي وصف لي علاجاً دوائياً وجلسات علاج معرفي سلوكي، وبمرور الوقت عرفت أن الاكتئاب ليس ضعفاً ولكنه مرض يحتاج للصبر والعلاج.

أما روان هاني فهي تعاني من (اضطرابات الطعام)، تقول: دائمًا كنت "البنت التخينة في الفصل"، زملائي كانوا يضحكون علي بسبب زيادة وزني،  السوشيال ميديا أكملت علي، كلما شاهدت صور موديلز بأجسام رشيقة شعرت بالنقص، بدأت أقلل من الأكل تدريجياً بعد فترة حتي امتعنت تمامًا عن كل شيء أحبه، شعرت وقتها بأنني أتحكم في جسمي.. لكن الحقيقة أني كنت أدمر نفسي بعدما نزل وزني ٢٠ كجم في شهور وأصبحت أشعر بدوخة وهبوط، وهنا اكتشفت أني أعاني من مشاكل صحية لها علاقة بالتغذية وأيضاً معاناة نفسية.. ولأني كنت محرومة من كل حاجة رجعت آكل مرة ثانية وزاد وزني أكثر، وبدأت أتقبل نفسي كما هي. 

أما كريم سميح فهو يعاني من (اضطراب ثنائي القطب)، يقول: أنا عشت على الجانبين: النور والظلام، في فترات معينة أشعر بأنني خارق وأظل مستيقظاً ٣ أيام بلا نوم، عقلي مليئ بأفكار، وأكتب خطط مشاريع وأصرف أموالاً كثيرة ومن حولي يرونني ناجحاً ولدي طاقة كبيرة، لكن بعدها بأسابيع أقع في حفرة سودة.. أقعد في البيت لشهور، مكتئبا، غير قادر حتى علي أن أرد على التليفون، هذا المرض أضاع مني فرصاً كثيرة، خطيبتي تركتني لأنها لم تتحمل تقلباتي، شغلي خسرته أكثر من مرة، وعندما اكتشفت أنني مصاب بـ"بايبولار" بدأت العلاج الدوائي مع جلسات نفسية.

قابل للتحليل

تقول الدكتورة نورهان النجار استشاري الصحة النفسية: الأمراض النفسية بين الشباب لم تعد حالات فردية، بل أصبحت ظاهرة تستحق أن يتعامل معها المجتمع بجدية كاملة، فالضغوط الاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي، جعلت الشباب أكثر عرضة للإصابة بالاضطرابات النفسية، فجيل اليوم يعيش تحت ضغوط مضاعفة؛ فهم يواجهون تحديات الدراسة والعمل والبطالة، وفي الوقت نفسه يقارنون أنفسهم بصور مثالية وغير واقعية على منصات التواصل هذا التناقض يولد شعورًا بالعجز والدونية، ويفتح الباب واسعًا أمام أمراض مثل الاكتئاب واضطرابات الأكل والرهاب الاجتماعي".

وترى الدكتورة نورهان أن الوسواس القهري (OCD) ليس ضعفًا في الإرادة ولا نقصًا في الإيمان، كما يعتقد البعض، فهو اضطراب نفسي له أساس بيولوجي، حيث تهاجم المريض أفكاراً قهرية متكررة، تجبر صاحبها على سلوكيات مرهقة مثل الغسل المتكرر أو التحقق المستمر، والعلاج متاح وفعّال، خصوصًا إذا بدأ مبكرًا عبر جلسات العلاج السلوكي المعرفي مع الأدوية.

وعن الرهاب الاجتماعي، تقول: إنه مرض يحرم المريض من أبسط حقوقه وأن يعبر عن نفسه.. قد يكون الشاب أو الفتاة مبدعًا، لكن الخوف من التقييم والسخرية يمنعانه من التقدم.. كثير من الحالات تضيع منها فرص تعليمية ومهنية فقط لأنها لم تحصل على التشخيص والدعم اللازم.

أما عن الاكتئاب فهو ليس كسلًا ولا ترفًا، بل مرض يؤثر على كيمياء الدماغ المريض يعيش فقدانًا للرغبة والطاقة، وقد يصل إلى التفكير في الانتحار، والتعامل معه على أنه ضعف شخصية يزيد الأمر سوءًا والعلاج المبكر ينقذ حياته، والدعم الأسري والاجتماعي يصنع الفارق.

وعن اضطرابات الطعام، تقول: أصبحنا نرى تزايدًا ملحوظًا في اضطرابات الأكل، خاصة بين الفتيات فالضغوط الاجتماعية ومعايير الجمال الزائفة التي تروج لها المنصات الرقمية تجعل كثيرًا من الشابات يعرضن حياتهن للخطر في سبيل الوصول إلى جسم مثالي، وهذه الاضطرابات ليست مجرد "حمية غذائية"، بل مرض يحتاج إلى تدخل نفسي وطبي متكامل.

وأخيرا تتحدث عن الاضطراب ثنائي القطب وتقول: يُساء فهمه كثيرًا لأن تقلب المريض بين فترات النشاط المفرط والاكتئاب الحاد ليس مجرد "مزاج متغير"، بل اضطراب يحتاج إلى علاج طويل المدى بأدوية مثبتة للمزاج وجلسات متابعة فكثير من العلاقات تفشل والفرص تضيع بسبب عدم إدراك خطورة هذا المرض.

وفي النهاية تشير لأنها مؤمنة بأن "الصحة النفسية جزء لا يتجزأ من الصحة العامة إن نظرنا إليها باعتبارها عيبًا أو وصمة، سنترك شبابنا أسرى لكهوف داخلية أشد ظلمة من أي كهف مادي.. العلاج موجود، والأمل ممكن، والوعي هو البداية".

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة