بات واضحًا الآن أن ثمة قناعة تتشكل في أروقة العديد من الدول بأن "إسرائيل" تتحمل مسئولية زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط، ويدعو الكثير من الساسة والخبراء إلى مقاربة أمنية شاملة تشمل جميع دول المنطقة.
ولعل آخر الأصوات التي كشفت عن هذه القناعة هي سلطنة عمان، فقد أكد وزير خارجيتها، بدر البوسعيدي، أن "إسرائيل لا إيران هي المصدر الرئيسي لغياب الأمن في المنطقة"، مشيرًا إلى أن "الممارسات الإسرائيلية المتعمّدة لإطالة أمد التوتر تسببت في مقتل مئات المدنيين الإيرانيين الأبرياء"، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء العمانية.
وخلال مشاركته مؤخرًا في منتدى "حوار المنامة 2025"، الذي تستضيفه البحرين بالتعاون مع المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية (IISS)، شدد البوسعيدي على أن "الأمن الحقيقي لا يُبنى بسياسات العزلة أو الاحتواء أو الإقصاء، بل يقوم على الشمولية والانخراط الإيجابي بين دول المنطقة".
وأوضح الوزير العماني أن "إيران ردّت رغم ذلك بضبط نفسٍ لافت، تمامًا كما فعلت عندما قصفت إسرائيل قنصليتها في سوريا، وأصابت سفيرها في لبنان، واغتالت أحد كبار المفاوضين الفلسطينيين في طهران".
وأضاف البوسعيدي أن "مثل هذه الأعمال التخريبية تمثل انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي، وتكشف بوضوح أن إسرائيل، لا إيران، هي المصدر الرئيسي لغياب الأمن في المنطقة".
وأكد البوسعيدي أن "السياسات القائمة على الإقصاء تغذّي التطرف وعدم الاستقرار، بينما تسهم الشراكة الشاملة في إيجاد مناخٍ من الثقة والاحترام المتبادل والازدهار المشترك"، داعيًا إلى إقامة إطار أمني إقليمي يضم جميع الدول، بما فيها إيران والعراق واليمن، للتعامل بفاعلية مع التحديات المشتركة.
ومن ناحية أخرى ظهرت تقارير عن محاولات واشنطن لاستئناف الاتصالات غير المباشرة مع طهران. وأكدت الحكومة الإيرانية تلقي رسائل من الولايات المتحدة عبر وزارة الخارجية، لكنها شددت على أن ظروف التفاوض غير متاحة.
ويأتي ذلك في الوقت الذي تستعد فيه إيران لإحياء “اليوم الوطني لمقارعة الاستكبار العالمي 4 نوفمبر”، وأشارت صحيفة "جوان" المقربة من المكتب السياسي للحرس الثوري الإيراني، في تقرير بعنوان «معنى الرسائل الأمريكية قبيل 4 نوفمبر»، إلى مؤشرات جديدة على جهود إدارة دونالد ترامب لإعادة توجيه التوتر مع إيران نحو مسار دبلوماسي. وبعد مرور أربعة أشهر على هجوم الولايات المتحدة وإسرائيل على المنشآت النووية الإيرانية، أرسلت واشنطن رسائل عبر عمان لبدء مفاوضات غير مباشرة.
وفي الوقت نفسه حذر بدر البوسعيدي، وزير خارجية عمان، في مؤتمر حوار المنامة مما أسماه "تجاهل التفاعل البناء مع إيران لن يحل مشكلات المنطقة"، مؤكدًا أن مسقط لا تزال جاهزة لاستضافة محادثات بين طهران وواشنطن. وأكدت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية تلقي الرسائل، رغم عدم تقديم تفاصيل عنها.
وذكرت صحيفة جوان أن بعض المصادر الدبلوماسية تحدثت عن احتمال إجراء محادثات جديدة على مستوى الخبراء، بوساطة عمان أو قطر، لكن في الوقت نفسه، يشير نفي زيارة عباس عراقجي إلى مسقط إلى أن الاتصالات حاليًا تبقى عند مستوى "الرسائل المتبادلة".
وقالت صحيفة "وول ستريت جورنال" في تقرير منفصل إنه لم يُرصد "أي تقدم ملموس" في مسار التفاوض حتى الآن، ومع ذلك، يرى محللون في واشنطن أن إدارة ترامب تسعى بعد وقف إطلاق النار في غزة لتثبيت ما حققته من مكاسب على الصعيد العسكري ضد إيران من خلال المسار الدبلوماسي، وقالت صنم وكيل، مديرة برنامج الشرق الأوسط في مركز "تشاتام هاوس"، إن إدارة ترامب لا يمكنها حصر جهودها في مسار إسرائيل وفلسطين فقط؛ لأن المأزق مع إيران يلقي بظلاله على جميع جهود السلام الإقليمي.
ومن جهة أخرى، ترى طهران أن إحياء الدبلوماسية في ظل استمرار سياسة العقوبات والتهديدات لا يدل على تغيير إستراتيجي من واشنطن، بل هو تكتيك مؤقت للاستفادة سياسيًا من أجواء ما بعد الحرب. وقال عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، في حديث مع قناة الجزيرة إن إيران مستعدة للحوار لمعالجة المخاوف بشأن برنامجها النووي، لكن أي خطة يجب أن تكون عادلة ومتوازنة، وأن تُلغى العقوبات الجائرة. ما لم تحققه الولايات المتحدة بالحرب، لن تحققه عبر التفاوض. وأضاف أن إيران لن تتفاوض بشأن برنامجها الصاروخي، وأن وقف تخصيب اليورانيوم «ليس مطروحًا أبدًا على جدول الأعمال».
واختتمت صحيفة جوان بالإشارة إلى أن قبيل ذكرى 4 نوفمبر، كل رسالة جديدة من واشنطن إلى طهران تحمل معنى يتجاوز الدبلوماسية؛ ومن منظور طهران، هذه الرسائل جزء من تكتيك الخداع، وسيواجه في النهاية "برد بارد".
ومن ناحية أخرى كشفت مصادر عربية وغربية مطلعة عن تحركات نشطة تحث القاهرة على الانخراط أكثر في ملفات المنطقة، وخاصة الوساطة في الملف النووي الإيراني. وتقول هذه المصادر إن الجهود المصرية ترتبط بصورة وثيقة بتحسن العلاقات بين القاهرة وطهران في الآونة الأخيرة، جنبًا إلى جنب مع رغبة قوى دولية وإقليمية في أن تنشط مصر موقعها إقليميًا بصورة كبيرة للغاية، إذ من شأن التحركات الإيجابية المتوازنة في هذا الملف أن تعزز صورة القاهرة كلاعب مؤثر في الشرق الأوسط، في وقت يشهد منافسة إقليمية على النفوذ مع اهتمام مصر بالوضع الداخلي.
وفي حين أثيرت تساؤلات من قبل الإعلام الإيراني في شأن الحراك الدبلوماسي المصري، فإن الإيرانيين يرون أن من خلال جهود الوساطة، تحاول القاهرة تعزيز دورها التاريخي ومكانتها في المنطقة وفي السياسة الدولية.
وفي الوقت نفسه ذكرت مصادر عربية مطلعة أن دخول القاهرة المشهد هو نتاج خيار سياسي مصري يتعلق بالمصلحة المباشرة في خفض التصعيد في المنطقة لا سيما في البحر الأحمر، وتشير هذه المصادر إلى أن هجمات جماعة الحوثيين، القريبة من إيران، تسببت في عرقلة حركة الشحن الدولي عبر قناة السويس؛ مما أدى بدوره إلى خسارة مصر أكثر من 3 مليارات دولار من الإيرادات السنوية العام الماضي.
ويبقى أن ثمة قناعة واسعة بضرورة إنهاء الحروب، وفرض حلول للصراعات المتفجرة بالمنطقة، فإن الدول العربية والإسلامية وفي مقدمتها مصر تدرك أن القضايا متشابكة، ولا بد من حلول دائمة وعادلة للقضية الفلسطينية لب كل شيء، وتدرك القاهرة بخبرتها الطويلة أن "إدارة الأزمات" هي وصفة لتفجيرها لاحقًا، ومرة نادرة الآن تبدو اللحظة مهيأة لإطار أمني للمنطقة شريطة فرض حلول أولًا للقضايا المزمنة.