أليس الصبح بقريب.. "5 - 5"

4-11-2025 | 16:12

كان قرار الحلفاء في أبريل عام 1920، تعهدًا دوليًا بتحويل وعد بلفور من خطاب نوايا، إلى وثيقة قانونية، اعتمدت عليها نشأة الدولة اليهودية في فلسطين، بحجة أن الأرض فارغة، وادعت الحكومة البريطانية ومعها الحلفاء، أن فلسطين لا يوجد بها شعب لكي تُقيم دولة.

كان هذا الادعاء باطلاً، ومخالفًا للواقع، كما عرض فيلم "فلسطين 1920"، وهو أول فيلم وثائقي يكشف مقومات دولة فلسطين، وكيف كانت قبل أكثر من 100 عام. فقد كان هناك أمة ومجتمع في يافا وحيفا، وبدأ المجتمع الفلسطيني يشرع في الاستعداد للتطور كباقي البلاد التي استقلت عن الدولة العثمانية، كما منح موقع القدس موقعًا حيويًا لها ربطها بالقارات الثلاث كظهير تجاري وصناعي، وخاصةً مدن الساحل الفلسطيني، مثل غزة ويافا، نتج عنها حركة تجارية نشطة دفعت المدن الفلسطينية للمسارعة لمواكبة التطورات في العالم في نهاية القرن التاسع عشر، وأهمها شبكة النقل والطرق، وخاصة شبكة السكك الحديدية التي ربطت القدس والمدن الفلسطينية.

وكان افتتاح محطة السكك الحديدية في مدينة القدس، تحديدًا عام 1892، كما تقول الباحثة "بيان الحوت"، المؤرخة في الشأن الفلسطيني، وتضيف: "كان حدثًا لا يُنسى، فقد حضر وفد من الحكومة العثمانية للمشاركة في افتتاح "محطة قطارات القدس"، بحضور السفراء والقناصل المتواجدين في مدينة القدس بأعيانها وعائلاتها، وكان البسط "السجاد" يغطي الممرات، وأيضًا الأطعمة والشراب للجميع كان متوفرًا والجميع ظل منتظرًا ثلاث ساعات، حتى وصل القطار إلى المحطة تسبقه صفارته الشهيرة، وسط تهليل الحاضرين، وكان الخط يصل إلى مدن وموانئ فلسطين، ثم توسع إلى مصر ولبنان وسوريا والشام".

لقد استعادت الحياة الاقتصادية في فلسطين قوتها من جديد، مع ورود تقارير مبشرة عن عودة عجلة الصادرات والواردات بالدوران كسابق عهدها، وخاصةً في القدس ويافا وحيفا بعد سنوات عجاف عاشتها المنطقة بعد الحرب العالمية الأولى، هكذا كان حال فلسطين، وهو يخالف الادعاءات الصهيونية التقليدية بأنها أرض بلا شعب، بل كانت شعبًا لديه اقتصادًا ناميًا وخطوطًا للتجارة تربطها بقارات ثلاث.

وتواصل المؤرخة الفلسطينية شهادتها قائلة: "جدي، على سبيل المثال، كان يأتي إلى ميدان برج الساعة، الشهير في ذلك الوقت بيافا، ليستقل تاكسيًا هو وأصدقاؤه، متجهين إلى شارع الحمراء ببيروت، وكانت يافا بلدًا صناعيًا، وكان بها 11 مصنعًا للبلاط، حيث كانت يافا الميناء الرئيسي لفلسطين، ولكن سرعان ما نافستها حيفا التي اكتسبت أهمية كبيرة، بعد ربطها بسكة حديد الحجاز، التي امتدت من دمشق إلى درعا جنوبي سوريا، لتصل إلى حيفا، مما يُمكِّن المسافر، عبر السكك الحديدية، من حيفا إلى دمشق وأيضًا إلى المدينة المنورة".

وأهمية هذا الربط، أن خطوط النقل بالسكك الحديدية، أوصلت الطرق البحرية والبرية في عصر التوسع الاستعماري الأوروبي والتوسع الصناعي، كما تم استخدامها، فيما بعد، لربط أماكن بعيدة مثل كركوك في شمال العراق، التي كانت منتجًا للنفط للعالم، مع حيفا عمليًا، وهذا الربط ساهم في تطور مدينة حيفا اقتصاديًا؛ حيث نشأت حركة تجارية قوية تعتمد على التصدير والاستيراد، وأصبح في فلسطين، روابط قوية بينها وبين القارات الثلاث، آسيا وإفريقيا وأوروبا، وخاصةً رؤوس الأموال وحركة التجارة والاتصالات، وهذا بالطبع أدى إلى زيادة النمو في القدس ويافا، على وجه الخصوص، ودفع كذلك النمو الاقتصادي في حيفا، والمنطقة كانت مفتوحة؛ حركة الاستثمار تتحرك من مدينة إلى مدينة، ومن لديه مشروعات في بيروت وصيدا وصور، لها أيضًا استثمارات في عكا وحيفا ويافا وغزة، واستثمارات من كل فلسطين مثل نابلس والخليل والقدس وغزة.

توثق الراوية "بيان الحوت"، تطورًا فائق الأهمية، عكسته حالة النمو للحركة الاقتصادية في فلسطين، وهو أن المشروعات المختلفة، من سكك حديدية، إلى حركة الصادرات والواردات بالموانئ، إلى الاستثمارات التجارية، أتاحت فرص عمل جديدة، حيث جذبت إلى فلسطين الآلاف من العمال والصناع والفنيين، وكان هؤلاء يأتون من لبنان والأردن وسوريا ومصر والعراق وكذلك من أغادير بالمغرب. 

عشرات الآلاف من العمال يأتون إلى الميناء في حيفا، ولكن مع تزايد أعدادهم، قررت إدارة الجنسية التابعة للانتداب البريطاني بميناء يافا، خلال وقوع فلسطين تحت الانتداب البريطاني، منع العمال من مباشرة أعمالهم في الميناء، فقد بدأت إدارة الانتداب بفرض قوانين تحد من توافد العمالة العربية إلى المدن الفلسطينية.

وتقول المؤرخة: "قبل النكبة، كان الآلاف من العمال من كل العالم العربي يأتون للعمل في فلسطين، كنا نستقبل عمالاً من الجزيرة العربية ومن المغرب ومن الجزائر ومن سوريا ومن لبنان ومن مصر، من كل العالم كان لدينا فرص عمل، ولكن بعد النكبة أصبحنا عمالاً في كل دول العالم العربي".

نكتفي بهذا القدر مما نقلته المؤرخة "بيان"، من حقائق عن فلسطين، وما زال هناك الكثير من التوثيق والوقائع والمواقف والمعلومات، حدثت ووقعت في البقاع والأرض المباركة، والتي نستبشر بها لتنبت هناك من جديد.. "أليس الصبح بقريب"!!

[email protected]

كلمات البحث
الأكثر قراءة