مهمتى تأهيل طلاب من مختلف التخصصات ليصبحوا معلمين فى دول متعددة اللغات
موضوعات مقترحة
فى الولايات المتحدة التركيز الأكبر على الطالب.. بينما تتبع معظم الجامعات المصرية أولوياتها فى المحاضرات
أسرتى عملتنا أنه لا إنجاز يفوق العلم.. ولولا دعمها لما حققت شيئا
ولدت في القاهرة لعائلة وصفتها بأنها تنتمي إلى الطبقة المتوسطة، والدها كان دبلوماسيًا عمل لمدة 3 سنوات في القنصلية المصرية بنيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية، كانت في الثامنة من عمرها آنذاك، كما عمل في سفارتنا بالإمارات لمدة 3 سنوات في أثناء دراستها الجامعية، وكانت ترى منذ صغرها مدى جديته وإخلاصه في عمله.. وكذلك دعم والدتها له في كل خطوة، حيث تولت تربية 4 أطفال في بيئات وثقافات مختلفة بسبب ظروف عمل الزوج، لكن الأساس المهم الذي غرساه في أولادهما هو .. لا شيء يفوق العلم في أهميته.
د.يسرا أبو رحاب
د.يسرا جمال أبو رحاب تعود لقصتها من البداية، قائلة: تلقيتُ تعليمي من الروضة وحتى الصف الثاني عشر في مدرسة لغات تجريبية بالقاهرة، منذ صغري، أدركت عائلتي قيمة التعدد اللغوي وآمنوا بأن اكتساب لغة ثانية خلال سنوات الدراسة سيعزز وعينا، وعمل والداي لضمان حصولي أنا وإخوتي على أفضل تعليم ممكن، لذلك، منذ صغري أصبحت أرى نفسي "متعلمة مدى الحياة".. بعيداً عن التخصص كنت أتخيل نفسي في حالة تعلم مستمر لفهم العالم من حولي، أصبحت هذه العقلية جزءًا أساسيًا من هويتي، ولا تزال توجه مسيرتي الأكاديمية والمهنية، وكنت أخطط لدراسة اللغات في كلية الآداب منذ صغري، وخلال المرحلة الثانوية، كنت شغوفة باللغات الأجنبية وأقضي وقت فراغي في قراءة الروايات، وحصلتُ على درجاتٍ عالية في اللغة الإنجليزية والفرنسية والعربية، ولذلك كان اختياري الأول بعد الثانوية العامة هو الالتحاق بكلية الآداب بجامعة عين شمس.
د.يسرا أبو رحاب
د.يسرا أبو رحاب تخرجت في كلية الآداب جامعة عين شمس، بعدها انتقلتُ إلى الولايات المتحدة مع زوجها في أثناء دراسته للدكتوراه، وخلال السنوات الأربع الأولى هناك بدأت التدريس في مدرسة ابتدائية في أريزونا، وقد أثارت هذه التجربة اهتمامها بمواصلة التعليم بدافع شغفها بالتدريس، وبالفعل استعدت لامتحان التوفل وبدأت بالتقديم لبرامج الدراسات العليا، تضيف: كان الطريق إلى ما أنا عليه اليوم رحلةً طويلةً، وقتها كنت أماً لطفلين، وازداد اهتمامي باستكشاف اكتساب اللغة لدى الأطفال ثنائيي اللغة، وخلال فترة تدريسي لطلاب المرحلة الابتدائية لاحظتُ بنفسي الاحتياجات والتحديات الفريدة التي يواجهها الطلاب ثنائيو اللغة في تطوير مهاراتهم اللغوية بلغة جديدة، وألهمتني هذه التجارب للبحث عن برامج دراسات عليا تُركّز على تعليم اللغات وتعلمها، وحصلتُ على درجة الماجستير في اللغة والقراءة والثقافة، ثمّ على درجة الدكتوراه في التدريس والتعلم والدراسات الاجتماعية والثقافية من كلية التربية بجامعة أريزونا، وخلال دراستي للدكتوراه، عملت كمساعد تدريس في برنامج إعداد المعلمين بالجامعة، مما زودني بخبرة قيّمة، وطوال هذه الرحلة كان دعم عائلتي كبيراً جداً، فقد لعب زوجي دورًا محوريًا واعتنى بأطفالنا وتحمّل العديد من المسؤوليات المنزلية، كذلك المرشدون الذين آمنوا بي وقدّموا لي دعمًا كبيراً طوال سنوات دراستي العليا السبع وخاصة د.ماري كارول كومبس ود.جيل كاستك، فقد شجعاني على حضور المؤتمرات ونشر المقالات البحثية، وبعد حصولي على الدكتوراه، تقدّمتُ لوظائف أكاديمية عديدة، وكنتُ محظوظة بحصولي على وظيفتي الحالية في جامعة أريزونا.
د.يسرا أبو رحاب
ولكن الرحلة لم تكن سهلة، خاصة في البدايات، تقول د.يسرا أبو رحاب: العيش بعيدًا عن العائلة والتأقلم مع ثقافة جديدة ليس سهلاً، وكان الشعور بالغربة صعباً، ورغم امتلاكي مهارات قوية في اللغة الإنجليزية، إلا أن فهم الفروق الثقافية الدقيقة للتواصل في الولايات المتحدة لم يكن دائمًا سهلًا، غالبًا ما وجدتُ نفسي أتعلم من خلال التجربة والخطأ، أيضاً بناءً على تجاربي لاحظتُ بعض أوجه التشابه والاختلاف الرئيسية في البيئة الأكاديمية سواء في مصر أو أمريكا، ففي الولايات المتحدة، هناك تركيز أكبر على الطالب، وعادةً ما تكون الفصول الدراسية متمحورة حوله، بينما تتبع معظم الفصول الدراسية في مصر نظام المحاضرات.. وأعتقد أن تحقيق أفضل النتائج التعليمية يتطلب نهجًا متوازنًا يجمع بين أسلوبي التدريس.
د.يسرا أبو رحاب
د.يسرا أبو رحاب تعمل أستاذًا مساعدًا للدراسات الدولية في قسم التدريس والتعلم والدراسات الاجتماعية والثقافية بجامعة أريزونا، ومديرًا لبرنامج التخصص الفرعي في التعليم العالمي، وهو برنامج يُمكّن الطلاب من العمل مع فئات دولية متنوعة في الولايات المتحدة وخارجها، تكمل قائلة: يلتحق بهذا البرنامج طلاب من مختلف التخصصات الجامعية، يجمعهم اهتمام مشترك بتعلم كيفية التدريس في سياقات عالمية ومتعددة اللغات، سواءً في الولايات المتحدة أو على الصعيد الدولي، على سبيل المثال، لديّ طلاب يدرسون لغات مثل اليابانية والعربية والإسبانية، بالإضافة إلى طلاب متخصصين في مجالات مثل العلوم السياسية والرياضيات، جميع هؤلاء الطلاب يدرسون تخصصًا فرعيًا في التعليم العالمي لاكتساب معرفة بمنهجيات التدريس والتعلم التي تُؤهلهم للعمل في التعليم من الروضة إلى الصف الثاني عشر، وتدريس فئات طلابية متنوعة لغويًا وثقافيًا بفعالية، كما تركز أبحاثي على التعددية الثقافية، والتعليم العالمي، والتعلم المجتمعي، وسياسات تخطيط اللغة، وبالطبع تختلف المعالجة الأكاديمية للغة العربية في دولنا العربية، من خلال مجمع اللغة العربية أو الجامعات، عن تلك الموجودة في الجامعات الأمريكية والأوروبية، فعندنا هناك تركيز كبير على تدريس اللغة العربية الفصحى بدون التركيز على الجوانب الاجتماعية أو الثقافية للغة، وهذا يُشكل العديد من التحديات للطلاب الأصغر سنًا لأنهم يكبرون وهم يستمعون ويتحدثون بلهجاتهم المحلية، ونتيجة لذلك، قد يشعر العديد من الأطفال بالانفصال عن الثقافة العربية الأوسع إذا لم يكونوا متقنين للفصحى، مما قد يؤثر سلبًا على اكتسابهم للغة وتنمية هويتهم، وفي المقابل، تميل الجامعات في الولايات المتحدة إلى دمج اللهجات في تدريس اللغة العربية الفصحى، إدراكًا منها أن اللهجات هي الأشكال المنطوقة الأساسية للغة العربية في جميع أنحاء العالم العربي، وتدعم الأبحاث الحديثة هذا النهج، مُظهرةً أن دمج اللهجات في تعليم اللغة يُمكن أن يُعزز قدرة الطلاب على تعلّم الفصحى والتفاعل معها بفعالية أكبر، واللهجات العربية لغات متميزة لأن لها أنظمتها الصوتية والنحوية الخاصة، هناك العديد من الكتب المدرسية التي تُدرّس اللهجات، وأعتقد أيضًا أن تدريس اللغة العربية، سواء في الدول العربية أو خارجها- وخاصةً في برامج اللغات التراثية- يجب أن يُعطي الأولوية لتعليم اللهجات أولا لدعم الطلاب الأصغر سنًا في تطوير مهارات القراءة والكتابة الأساسية، هذا النهج يُرسي أسس تعلم الفصحى.
د.يسرا أبو رحاب
د.يسرا أبو رحاب حصلت- من خلال مركز التدريس والتعلم والدراسات الاجتماعية والثقافية بجامعة أريزونا- على جائزة ج. مايكل باركر من جمعية أبحاث محو الأمية، وهي جائزة مرموقة تمنح لأبحاث متميزة في مجال تعليم الكبار، تقول: حصلتُ أنا وزملائي على هذه الجائزة المرموقة في مؤتمر جمعية أبحاث محو الأمية، وذلك عن مشروعنا البحثي الذي تناول ممارسات محو الأمية لدى الكبار في سبع منظمات مجتمعية في ولاية أريزونا، وحاولنا استكشاف كيف يتجاوز محو الأمية القراءة والكتابة ليشمل أنشطة متنوعة تجمع بين الفن والسلام وتعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، وتُبرز نتائج بحثنا أهمية النظر إلى المناهج الدراسية ككيان ديناميكي وقابل للتكيف، يستجيب للاحتياجات المتنوعة للمجتمعات، ويوفر للبالغين فرصًا متعددة للتعلم المباشر وغير المباشر.
د.يسرا أبو رحاب تكرر دائماً عبارة تقول: "أدركتُ أن المخاطرة والخروج من منطقة الراحة فتحا لي فرصًا جديدة ووفرا لي تجارب تعليمية جديدة"، تفسرها قائلة: كان بدء حياة جديدة في ثقافة مختلفة، بعيدًا عن عائلتي وبيئتي المألوفة، من أصعب التجارب في حياتي، وعلى الرغم من التحديات الأولية- كمشاعر العزلة، والتكيف الثقافي، وموازنة المسؤوليات- إلا أنني وجدتُ تدريجيًا القوة في الخروج من منطقة الراحة، وعززت مرونتي الشخصية ونموي المهني، ولولا دعم زوجي وأولادي وصبرهم وتشجيعهم وتضحياتهم ما كنتُ لأصبح الشخص الذي أنا عليه اليوم.