د. وليد هندي: لديهم هوس "التوثيق المستمر" ويتفاعلون مع السوشيال ميديا كأدوات لإدارة الهوية الشخصية
موضوعات مقترحة
د.هالة يسري تحذر: مصابون بظاهرة "الانفصال الناعم" والقلق من المواجهة
جيل زد أو Generation Z مصطلح يُشير إلى الفئة العمرية المولودة تقريبا بين منتصف التسعينيات وأوائل العقد الثاني من الألفية الثانية أى بين عامي 1995-2012 تقريبا، وهو يتميز عن الأجيال السابقة بأنه جيل "رقمي بامتياز"، فقد نشأ في بيئة متصلة بالإنترنت ويعيش تطور التقنيات الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي منذ طفولته، مما شكل عاداتهم وسلوكياتهم بطريقة مختلفة جذريا عن آبائهم وأشقائهم الكبار، وبفضل هذا الاتصال الرقمي المكثف، تظهر لدى هذا الجيل سلوكيات تبدو غريبة أو مفاجئة وغير مفهومة حتى بالنسبة لهم، خاصة عندما تتعارض مع التقاليد أو الأعراف الاجتماعية السابقة، فهو جيل لا يعيش الحياة كما عرفها من سبقوه.. بل يعيد اختراعها على طريقته، ولمزيد من التفسيرات ولكي نقترب أكثر من أفكار هذا الجيل.. سنحاول من وجهة نظر علماء النفس والاجتماع والموضة البحث عن مفاتيح لفهم مستقبل تتغير ملامحه كل يوم.
صور تعبيرية عن جيل z
هوس التوثيق المستمر
د.وليد هندى استشاري الصحة النفسية يؤكد أن أبرز العادات الرقمية التي تجمع هذا الجيل هي "هوس التوثيق المستمر" وهي ما تجعله مختلفا عن الأجيال السابقة، ويضيف: لديهم ميل كبير إلى توثيق كل لحظات حياتهم اليومية، حتى العادية منها، وذلك باستخدام الصور والفيديوهات، ومشاركتها على وسائل التواصل الاجتماعي مثل إنسجرام وتيك توك، فهو يتفاعل مع وسائل التواصل الاجتماعي ليس فقط كمنصات ترفيهية، بل كأدوات لإدارة الهوية الشخصية، والتعبير عن الذات، وبناء "نسخة مَعاشة" من الحياة على الإنترنت، وفي بحث علمي أشار إلى أن جيل زد يقيم المحتوى والمعلومات التي يصادفها على الإنترنت بحسب ما يشعر أنه يعبّر عن هويته الاجتماعية المتوقعة وليس فقط بناء على ما إذا كانت المعلومات صحيحة موضوعيا، وهذا يعني أن "التوثيق الرقمي" ليس مجرد مشاركة عابرة، بل عملية متماسكة لبناء صورة اجتماعية مرغوبة.
ويكمل: من خلال دراستي لهذا الجيل لاحظت أنهم يميلون لبناء عمل دائرة اجتماعية سواء من خلال الألعاب الإلكترونية،أو الحسابات الافتراضية على شبكات التواصل بدلا من اللقاءات في المجتمع الواقعية وذلك يرجع إلى أن الإنترنت يوفر جسرا لتجاوز الخجل الاجتماعي أو القلق من المواجهة وجها لوجه، كما أنه جيل ليس مجرد مستخدم لتطبيقات الهواتف الذكية، بل يتحول تدريجيا إلى جيل يعتمد على الذكاء الاصطناعي والتطبيقات الذكية لإدارة مختلف جوانب الحياة من الدراسة والعمل والترفيه إلى الصحة النفسية والعلاقات الاجتماعية، وكثير من شباب هذا الجيل يعتقدون أن الذكاء الاصطناعي سيؤثر بشكل كبير على طريقة عملهم خلال السنة القادمة، ويعملون على تطوير مهاراتهم وتدريباتهم لمواكبة هذا التحول، كما أن الاهتمام بالصحة والرفاهية البدنية والنفسية أصبح جزءا من الطريقة التي يوظف بها جيل زد التكنولوجيا الرقمية وممارسة التمارين الرياضية، ونمط الحياة الصحي من حيث عادات النوم أو التغذية.
صور تعبيرية عن جيل z
عادات اجتماعية غريبة
أما عن العادات الاجتماعية الغريبة فتوضح لنا د.هالة يسري أستاذة علم الاجتماع وتبدأ بظاهرة الانفصال الناعم (Ghosting)، وهي من بين العادات التي يُنظر إليها على أنها "غريبة" أو مؤذية أحيانًا من منظور الأجيال، أي أن أحد الأطراف يقطع التواصل فجأة وبدون تفسير، سواء في العلاقات الرومانسية أو حتى الصداقات الرقمية، وتكمل: بفضل الطبيعة السريعة للتواصل الرقمي، وقلة التزام البعض بالمواجهة الشخصية المباشرة، أصبحت هذه الظاهرة شائعة إلى حد كبير بين شباب جيل زد إذا كان التواصل الأساسي عبر الرسائل أو التطبيقات، فغالبا يتركون الطرف الآخر فجأة من دون وداع أو توضيح، وعلم نفس يوضح لنا هذا النوع من السلوك وأنه قد يكون انعكاسا للقلق من المواجهة، أو خوفا من الإهانة أو الرفض، أو حتى مجرد البحث عن مساحة نفسية دون الرغبة في التفسير أو المحاسبة الشخصية.
صور تعبيرية عن جيل z
وتضيف قائلة: من الواضح كذلك أن جيل زد يميل إلى إقامة صداقات أو علاقات اجتماعية عبر الإنترنت تعتمد أساسا على نشاط مشترك رقمي مثل الألعاب الإلكترونية متعددة اللاعبين، وغرف البث المباشر، ومجموعات المحتوى على تيك توك أو Discord، والتعاون عبر الإنترنت في مشاريع فنية أو تعليمية بدون الحاجة إلى لقاء وجها لوجه أو بناء علاقات تقليدية في العالم الواقعي، ففي كثير من الأحيان، لا يوجد تواصل مباشر بين الطرفين طوال العلاقة، وقد تشكل هذه الصداقات علاقة عاطفية أو دعم نفسي كامل، بوجود الطرفين فقط كصور رقمية أو أسماء مستخدمين، كما أن جيل زد غالبا ما يرفض نموذج "العمل التقليدي" من الساعة ٩ إلى ٥، ويُفضل أسلوب العمل المرن أو التوظيف الذاتي أو العمل عبر الإنترنت من أي مكان هذه ليست فقط مسألة حرية أو راحة، بل أحيانًا تُعتبر عادة جديدة أو غريبة، خصوصا في المجتمعات التي اعتادت مفاهيم الاستقرار الوظيفي بالذهاب يوميًا إلى مكتب أو مقر عمل ثابت كما أنهم أكثر استعدادا للاستفادة من منصات العمل الحرة (freelance)، وأحيانًا إنشاء مشاريعهم الجانبية (side hustles) أو العمل الرقمي، واستقلالية القرارات بدلًا من الخضوع لتسلسل إداري كبير أو ثقافة المكاتب التقليدية، كما يفضلون تجارب الحياة الحية على امتلاك الأشياء المادية الفاخرة، فقد يفضّلون السفر أو التجارب الثقافية أو الاشتراكات الرقمية (خدمات البث، ورحلات مغامرات، والتجارب الجديدة) كطريقة للاستثمار في السعادة الشخصية والرفاهية هذا التحوّل في نمط التفكير يُفسر جزئيا بالوعي البيئي والتحذيرات من الاستهلاك المفرط، إلى جانب التأثير الرقمي المعاصر الذي يُشجّع على التجارب أكثر من التراكم المادي.
وتشير كذلك إلي أن جيل زد لم يكتف بتغيير العادات والسلوكيات، بل ابتكر قاموسا لغويا جديدا يعكس طريقته في التفكير ورؤيته للحياة هذه المصطلحات قد تبدو طريفة أو غامضة لمن هم خارج الدائرة، لكنها بالنسبة لهم أدوات يومية للتواصل، مثل كلمة Boujee وتعني "فاخر"، للسخرية أحيانًا على شخص يتصرف وكأنه من طبقة راقية أو يحب الرفاهية المبالغ فيها، أو Simp وهي "المُبالغ في الاهتمام" وهي كلمة تُستخدم للشخص الذي يُظهر انبهارا أو اهتمامًا مفرطًا بشخص آخر، وهذه المصطلحات ليست مجرد كلمات عابرة، بل مؤشرات على عقلية جيل سريع، رقمي، يمزج بين الجد والهزل، ويحوّل تجاربه اليومية إلى لغة خاصة به تفهمها جماعته الرقمية قبل أي أحد آخر.
صور تعبيرية عن جيل z
الموضة
ولم تعد الموضة عند جيل زد مجرد اتباع لاتجاهات تضعها دور الأزياء العالمية أو مصممو المشاهير، بل تحوّلت إلى مساحة واسعة للتجريب وكسر القواعد والتعبير عن الذات هذا الجيل، الذي نشأ في قلب الثورة الرقمية، يرى في الملابس وسيلة لبناء هوية فردية وتوصيل رسالة شخصية، أكثر من كونها مجرد غطاء للجسد أو رمزا للمكانة الاجتماعية ولفهم هذه الظواهر الغريبة التي تثير الدهشة أحيانًا، يقول خبير الموضة أحمد عبد الله: جيل زد لا يتعامل مع الموضة بالطريقة التقليدية التي عرفناها من قبل بالنسبة لهم، والملابس لم تعد مجرد قطع تُرتدى لتغطية الجسد أو اتباع خطوط المصممين، بل أصبحت وسيلة قوية للتعبير عن الذات وإعلان الهوية، وأحد أبرز مظاهر هذا الجيل هو المزج بين أنماط متناقضة، قد نرى شابا يرتدي بدلة رسمية مع حذاء رياضي ضخم، أو فتاة تنسّق فستانًا بسيطًا مع حقيبة صاخبة بالألوان. هذا المزيج العفوي يحمل رسالة واضحة: "نحن أحرار في صياغة أسلوبنا"، أيضاً انتشار الملابس الواسعة أو الـ Oversized لم تكن مجرد نزعة جمالية، بل هى رفض لمعايير الجسد المثالي التي فرضتها الموضة قديما، فجيل زد يفضل الراحة والحرية على الشكل النمطي الضيق، أيضاً الإكسسوارات عندهم تتجاوز الوظيفة العملية.. لذلك نجد الحقيبة الصغيرة جدًا التي لا تكفي حتى للهاتف، أو السلاسل الضخمة، أو الأقراط ذات الأشكال الغريبة، كلها عناصر يستخدمونها لإبراز التفرّد، أيضا انفتاحهم على ما يُسمى بالـ Gender-fluid fashion، حيث يختفي الخط الفاصل بين ملابس الرجال والنساء. هذا يعكس وعيهم بأن الموضة فضاء حر لا يخضع للتقسيم التقليدي، ولا يمكن إغفال أثر منصات مثل تيك توك في صناعة موجات موضة عابرة، كستايل الـ E-girl أو Cottagecore هذه الاتجاهات قد تزدهر لأسابيع قليلة ثم تختفي، لكنها تُظهر سرعة التحول والبحث المستمر عن الجديد.