3-11-2025 | 16:09

كان يوم افتتاح المتحف المصري الكبيرَ يومًا سعيدًا. لم أر الافتتاحَ، قررت أن يكون ذلك في الإعادة التليفزيونية في ليل متأخرَ؛ لأنني فضلت أن أكون في الشارع. شاهدت فرحة الناس في شوارع القاهرة، وسمعت إجماعهم على أهمية ما يجري أمامهم على الشاشات، وقرأت عن تقدير واسع من أصدقائنا في العالم العربي، لدرجة أن البعض اعتبر الحدث يخصه، وتابعوا الحفل على الشاشات.

كتبت الناقدة التونسية الدكتورة خيرة الشيباني على صفحتها على فيسبوك نصًا بسيطًا جميلًا في لحظة افتتاح المتحف وهي تشاهدها على الهواء، وهنأتنا:
"مصر الشقيقة تستثمر في الإنسان والتاريخ والبنية التحتية حتى لو قُطفت الثمار على المدى البعيدَ. هي تفتتح اليوم، بحضور العديد من رؤساء دول العالم صرحًا ثقافيًا كبيرًا متمثلًا في أكبر متحف متخصص في العالم استدعى حضارة تعود إلى سبعةَ آلاف سنة واحتضن جزءًا كبيرًا من ذاكرة الإنسانية. مصر، كما يقول أصدقاؤنا المصريون "تُعافر"، أي تكافح وتجتهد، تسقط، ولكنها تقوم مدفوعة بروح وطنية نادرةَ. المتحف المصري الكبير أُنْشِئ بالمناسبة بمساهمة كبيرة أي بهِباتٍ ودعم من القطاع الخاص بنوكًا ورجال أعمال، الذين استفادوا بدورهم من هذا المشروع الثقافي والسياحي والاقتصادي الضخمَ. مبروك للشعب المصري الشقيقَ".

وتفاعل مع الشيباني أصدقاء صفحتها فكتبوا عشرات التعليقات، منها: "إنجاز عظيم لمصر في ظل القيادة الحكيمة للرئيس السيسي، سوف يُدرمليارات الدولارات على السياحة المصرية وقريبًا جدًا". ومنها: "مصر ولَّادة" و"نعم انبهرتُ".

لدي تعليقات من دول عديدة، لكن أخذتني تعليقات تونسية خضراء كصفة البلد، وذكرتني برؤية التوانسة لنا، وأعادتني إلى تقديم الرئيس التونسي السابق الباجي قايد السبسي للرئيس السيسي في القمة العربية بتونس، قبل ست سنوات مُلقيًا من شعر حافظ إبراهيم:
كَمْ ذَا يُكَابِدُ عَاشِقٌ ويُلاقِي
فِي حُبِّ مِصْرَ كَثِيرَةِ العُشَّاقِ

هكذا نظرت في صفحات خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي، وأضعافها في مقالات لكُتَّابٍ مؤثرين في المواقع والصحف والإعلام في العواصم العربية، تحمل آراء مميزة، لا تنصحنا فقط، إنما تشد يَدَنَا بسبب هذا الإنجازَ. ولطالما كانت لمصر أيام مميزة، نطبعها احتفاليًا بالبصمة المصرية، التي تخلد لحظاتها النادرة، وهذه تحتاج إلى رصد دقيقَ، لتملأ مئات الصفحات، التي تنتمي للتاريخ، وكيفية الاحتفال المصري المميز بالمناسبات الاستثنائية.

لقد أعجبني حفل الافتتاحَ، رغم انتقادات طالتْهُ، وركزت على المخرج التليفزيوني، فالحفل مبهر، ولخص قرونًا يصعب تلخيصها، في ساعتي زمن.
أما بعدُ.. فإن الحفل الكبير يستدعي أحلامًا أكبرَ، ويجلب أفكارًا لا فكاك منها:

أولًا: نحن نملك كنوزًا عظيمة، قد لا تملكها دول أخرى، أو إذا ملكت مثلها، أو قريبًا منها، فإنها لا تصونها، ولا تحافظ عليها. لذلك فإن الواجب هو صيانة والحفاظ على آثارنا، التي منذ أن رآها العالم، وكشف عنها العلماء في القرنين الماضيين، ونحن وهم في طور الانبهار. ربما تخلينا عن نماذج كهدايا في زمن ما، لدول وملوك، مثل المسلات، لكن الآن لم يعد هذا التنازل موجودًا، ولا عودة له. ويعجبني إصرار الناس على مواقع التواصل على استرداد ما خرج، والأشهر في ذلك تمثال نفرتيتي الموجود في ألمانيا.

ثانيًا: إن أية أفكار تخص الصيانة والمحافظة، مرتبطة بالمصريين الذين ينبغي أن تزرع بداخلهم ثقافة الآثار، يتعلمون بجدية في المدارس، منهجًا مكرسًا للوعي الأثري، الذي قد لا يرتقي لدى البعض إلى المستوى الكافي، أو أنه ينعدم، لدى الذين يرون في الأثر ضالة شخصية منشودة، يفتشون عنه خلسة تحت منازلهم، للعثور عليه وبيعه لتحقيق ثروة، وقد يجدونه، وقد ينخدعون في مقتفي الأثر الجهلاءِ، ولكنهم أيضًا قد يلقون حتفهم تحت الحفر الذي صنعوه.

ثالثًا: ومنهجًا آخر ملازمًا له ومركزًا على تعليم أساسيات التعامل مع الزائرين للمتحف وغيره من مواقع أثرية شاسعة بامتداد الوطن. فلا أحد عاقل يذبح الفرخةَ التي تبيض له يوميًا بيضة من ذهب. ومما سمعت من خبراء فإنهم يتوقعون من المتحف المصري الكبير زيادة في أعداد السائحين في السنة الأولى فقط خمسة ملايين سائح إضافية.

رابعًا: التأمل فيما كنا وفيما أصبحنا، فهذه حضارة عرضناها في الافتتاح، لكنها كانت باسطة نفوذها فيما حولها في زمنها القديم، فأين ذهبت ولماذا تم القضاء عليها، من إمبراطوريات مجاورة، وما لحظات الضعف التي أدت إلى وهن عظام إمبراطوريتنا العريقة، ودمرت قادتها وعلماءها ومحت لغتها. إن كثيرين قد يتساءلون عن شكل العالم إذا استمر التطور العلمي بالأسلوب الفرعوني القديم، في الطب والهندسة والكيمياء والفيزياء، أيًا كانت مسمياتها قديمًا وحديثًا.

خامسًا: كيف يمكن استعادة الماضي العريق، ليس بنفس الشكل قطعًا، ولكن بطرق وأساليب أخرى، وهذه مسائل خمس ينبغي أن تخضع لبحث دائم وتقبل أسئلة، وربما تصل إلى إجابات.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة