لم يكن افتتاح المتحف الكبير حدثًا عالميًا فريدًا فحسب، ولا إنجازًا سياحيًا دوليًا عملاقًا فقط، ولا معلمًا أثريًا وحضاريًا فريدًا تهديه مصر للبشرية وكفى، بل هو عجيبة جديدة من عجائب الدنيا على أرض أم الدنيا، ورسالة سلام من مصر لكل الدنيا؛ فهو مشروع عالمي ضخم يربط الماضي والحاضر بالمستقبل، كما أنه، وقبل كل ذلك، عنوان جديد للجمهورية الجديدة التي تتشكل على أرض مصر، لترسم ملامح دولة كبرى تمتلك كل مقومات القدرة الشاملة والنهضة التنموية المتكاملة التي تصنع المستقبل من كنوز الماضي.
١٠٠ ألف قطعة أثرية نادرة تحكي كل قطعة منها قصة حضارة أنارت العالم، وحفرت بأحرف من نور تاريخ شعب عريق وأمة عظيمة علمت العالم معنى الخلود منذ ما قبل التاريخ؛ فمصر التي سبقت العالم في الطب والصناعة والزراعة والتجارة، قدمت للعالم الليلة الماضية حفلًا مبهرًا بكل المقاييس وعملًا عملاقًا بكل المعايير العالمية، ما عكس عراقة هذا الشعب وقدرته على الإبداع والابتكار الذي يليق بتاريخ وعظمة مصر التي يجسدها هذا المتحف العظيم.
عبر ١٢ قاعة، في هذا المتحف الكبير بحق، يتحدث التاريخ عن حضارة ٧ آلاف سنة، ليؤكد أن مصر وُجدت ثم جاء بعدها العالم؛ فالمتحف بما به من حداثة تكنولوجية وفكر يجمع بين الأصالة والمعاصرة، يقدم تجربة عصرية للزائر تكشف جوانب مبهرة وقصصًا ملهمة عبر نُظم عرض للقطع الأثرية بطرق فريدة من نوعها، حيث تتحول هذه القطع من خلال استخدامات التكنولوجيا الرقمية الحديثة من حالة الصمت إلى واقع تفاعلي يبوح بالأسرار وينطق بالمعلومات، ما يوفر هذه التجربة الفريدة في المعرفة والاستمتاع برحلة عبر التاريخ تمتد لآلاف السنوات، لترصد ما قدمه المصري القديم من إبداع يفوق الخيال.
نعم، تحيا مصر التي أبهرت العالم في ليلة تاريخية سيقف أمامها التاريخ طويلًا بإجلال وتقدير، ليروي ملحمة حضارة لم يعرف لها العالم مثيلًا، وقصة شعب عظيم يضرب في عمق التاريخ، وصورة أمة عريقة لا تعرف المستحيل.
فقد قدمت مصر نفسها عبر هذا الاحتفال الكبير، بحضور السيد الرئيس السيسي، دولة كبرى هي أم التاريخ وأم الدنيا، في احتفال عالمي جمع في تفاصيله وإبهاره وحضوره الرئاسي والملكي غير المسبوق، بمشاركة نحو ٤٥ رئيس دولة وملِكًا ورئيس حكومة، كل عناصر التميز والتفرد، وجاء مجسدًا لحضارة شعب عريق وعلى قدر حدث عالمي فريد لن تراه إلا في مصر صاحبة هذه الحضارة الفريدة.
قصة إنشاء هذا المتحف العملاق تُعد وبحق معجزة بكل المقاييس؛ فالمتحف الكبير بموقعه وتصميمه وضخامته المساحية ومحتوياته الفريدة، يعكس عبقرية الإنسان المصري حين يُبدع، وقدرته عندما يقرر، وإرادته فيما يريد؛ فهو الأكبر عالميًا والأهم أثريًا وسياحيًا، ويكفي أنه يضم نحو ٥٤٠٠ قطعة أثرية نادرة للملك الذهبي توت عنخ آمون، وهي المجموعة الكاملة لهذا الملك الذي يثير ولع وشغف العالم بهذه القطع المبهرة، والتي يُعرض عدد كبير منها لأول مرة، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من القطع الأثرية النادرة الأخرى التي يرجع تاريخها إلى آلاف السنوات، وتروي كل قطعة منها قصة إبداع للمصري القديم.
المتحف الكبير يمثل قيمة مضافة للسياحة المصرية؛ إذ إنه يدعم صناعة السياحة في مصر، ويفتح آفاقًا واسعة ونادرة أمام السياحة العالمية؛ إذ يُتوقع أن يُضيف نحو ٥ ملايين سائح سنويًا إلى قائمة السياحة الوافدة، وما يترتب على ذلك من تنشيط للصناعات والأنشطة المرتبطة بالسياحة، والتي تصل إلى نحو ١٠٠ صناعة.
كما يُتوقع أن يُساهم افتتاح المتحف في زيادة معدلات الاستثمار الفندقي، ونمو قطاع الاستثمار العقاري الفندقي في القاهرة والجيزة، وهو بالطبع ما سيساهم في توفير مئات الآلاف من فرص العمل، بل إن هناك ما يُحذر من حدوث أزمة في الطاقة الفندقية التي قد لا تستوعب الزيادة المتوقعة للسائحين بعد الافتتاح، كما أن المتحف الكبير أيضًا سوف يمثل مصدر دخل للاقتصاد القومي من النقد الأجنبي من خلال زيادة التدفقات الدولارية الناتجة عن عوائد زيارات ملايين السائحين وإقامتهم.
وتشير الدراسات إلى أن عوائد المتحف سوف تسدد قيمة نفقات الإنشاء التي بلغت ١٫٥ مليار دولار خلال عامين فقط، بما يعني أن عائدات المتحف الدولارية ستبلغ نحو مليار دولار سنويًا قابلة للزيادة السنوية المضطردة.
وتكفي الإشارة إلى أن عدد الزائرين خلال فترة التشغيل التجريبي بلغ قبل عامين ٤٠٠ زائر يوميًا، ثم ارتفع خلال العام الماضي إلى ٥ آلاف يوميًا، ويُتوقع أن يرتفع العدد بعد الافتتاح الرسمي إلى ١٥ ألف زائر يوميًا، وهو ما يؤكد أننا أمام مشروع عملاق سيدر عوائد ضخمة للاقتصاد المصري، كما يؤكد صحة وسلامة بل وعبقرية قرار إنشاء هذا المتحف الذي تعثر سنوات طويلة إلى أن قرر السيد الرئيس السيسي البدء فورًا في استكمال تنفيذه فور توليه مهام المسئولية، ليضيف هذا الصرح الأثري الكبير والمعلم الحضاري الاستثنائي إلى خريطة السياحة العالمية وإلى قائمة الإنجازات الكبرى التي تشهدها مصر في عصر الجمهورية الجديدة.
لكن من الغريب أنه في الوقت الذي يفرح فيه المصريون بهذا الحدث الذي يدعو إلى الفخر والاعتزاز، تجد أهل الشر من تنظيم الإخوان الإرهابي قد أصيبوا بالجنون جراء هذا النجاح، مما دفعهم كالعادة إلى القيام بحملات التشكيك والتشويه والتزييف؛ لإفساد فرحة المصريين عبر بث الأكاذيب وترويج أحاديث الإفك التي تشوه هذا المنجز العملاق، مثل القول إن بناء المتحف تم بقروض، أو أنه بحق انتفاع أو أن تكلفته كانت كفيلة ببناء عشرات المصانع، وغير ذلك من أقاويل عبثية وشائعات مغرضة لا أساس لها، دأب عليها هؤلاء الحاقدون الكارهون للوطن، والذين يتجاهلون الحقائق التي تؤكد أن هذا المتحف يمثل إضافة كبرى للاقتصاد القومي؛ عبر ما يدره من عوائد ضخمة نتيجة عرض آلاف القطع الأثرية النادرة التي كانت مكدسة في المخازن دون الاستفادة منها، علاوة على الدعاية غير المسبوقة للحضارة المصرية التي لا تقدر بثمن.
وبعيدًا عن أكاذيب وأحقاد أهل الشر، تبقى الحقيقة الساطعة أن مصر قدمت للعالم مشروعًا عملاقًا سيبقى علامة بارزة ومعلمًا يؤكد حضارة هذا الشعب العظيم، وشاهدًا على عبقريته التي أبهرت العالم على مر العصور.
وهنا تحضرني بعض أبيات قصيدة "شاعر النيل" الشهيرة حافظ إبراهيم "مصر تتحدث عن نفسها "والتي تقول:
وَقَفَ الخَلقُ يَنظُرونَ جَميعًا
كَيفَ أَبني قَواعِدَ المَجدِ وَحدي
وَبُناةُ الأَهرامِ في سالِفِ الدَهر
كَفَوني الكَلامَ عِندَ التَحَدّي
أَنا تاجُ العَلاءِ في مَفرِقِ الشَرق
ِ وَدُرّاتُهُ فَرائِدُ عِقدي
.. تحيا مصر
[email protected]