المتحف الكبير... حكاية هوية وتاريخ وإنجاز

1-11-2025 | 16:47

عبر المصريون بوسائل شتى عكست وترجمت بصدق قدر سعادتهم البالغة وافتخارهم الشديد بافتتاح المتحف المصري الكبير، ذلك الصرح الشامخ الذي أصبح حديث العالم بأسره، ويُنظَر إليه على أنه بوابة التاريخ والمجد للحضارة الفرعونية العظيمة.

إن الاحتفاء الشعبي بالمتحف الكبير يحمل في طياته كثيرًا من المعاني والقيم التي يجب الإمعان فيها وتدبرها في كل تفاصيلها الصغيرة قبل الكبيرة. وابتداءً، نحن نحتفل ونحتفي بهويتنا المصرية الأصيلة التي نعتز ونزهو بها بين الأمم، ولم تتبدل أو تتغير أو تتلون على مر العصور والأزمنة المتعاقبة، وظلت نقية وشفافة لا يشوبها شائبة.

وإلى جوار هويتنا المصرية نحتفل بتاريخنا الضارب بجذوره العميقة والثابتة بين الحضارات القديمة والحديثة، ذلك التاريخ الذي شكل هويتنا الوطنية، وأظهر قدرة الشعب المصري الفائقة وعزيمته الصلبة في الإنجاز.

وما سبق حقيقة لا ينكرها سوى جاحد أو فاقد للبصر؛ فقدرة المصريين على الإنجاز تفوق الوصف، وقد رأينا رأي العين دلائل وإثباتات عليها طوال السنوات الماضية. فكم من مشروعات كنا ننظر إليها كحلم بعيد المنال، تحققت على أرض الواقع وفي أوقات قياسية غير معهودة ولا مألوفة، وبفضل هذه المشروعات تغيرت خريطة مصر من أقصاها إلى أقصاها.

كما نحتفل بقيادتنا السياسية الواعية، صاحبة المواقف الصلبة والمشرفة، والمالكة لرؤية ثاقبة لتطورات ومآلات الأوضاع الإقليمية والدولية، والاستعداد المدروس لتداعياتها على وضعنا الداخلي. وقد اتخذت من البناء والتشييد مسارًا لا تحيد عنه في مواجهة مخاطر وتحديات جمة تعرضت لها البلاد خلال السنوات المنصرمة، ونجحنا في تجاوزها رغم صعوبتها بفضل هذه الرؤية الثاقبة للقيادة السياسية التي وفرت كل الإمكانات والتسهيلات لاستكمال المتحف الكبير.

ونحتفل بالدولة المصرية الصامدة في وجه تحديات رهيبة تعصف بالشرق الأوسط والإقليم، ومن خلفهما العالم، تلك الدولة التي حافظت على تماسكها ووحدة جبهتها الداخلية في وقت كانت تحاك ضدها سلسلة مؤامرات لا تتوقف من قِبل أهل الشر، ويعلم الله وحده أبعادها وأخطارها البشعة، وقد واجهتها بشجاعة وقوة وحسم، ولم تترك مجالًا للمتآمرين لتحقيق أغراضهم الدنيئة والخبيثة.

ونحتفل بأننا أمة تدعو للسلام والوئام والمحبة والإخاء والتعايش، ولم تكن استضافة مصر لقمة شرم الشيخ للسلام لإنهاء حرب غزة سوى أحدث دليل عملي لذلك. وفي الوقت نفسه، نحن أمة قوية قادرة على الذود عن أرضها وحدودها، ولديها ما يكفي ويزيد من الأدوات والوسائل والقدرات التي تمكنها من ذلك وعن جدارة.

كما نحتفل بمكانتنا على الساحة الدولية، وما تحظى به مصر من تقدير واحترام دولي تجلى في الحضور الحاشد من قادة وزعماء ومسئولين دوليين كبار للمشاركة في افتتاح المتحف الكبير، ذلك الحدث الاستثنائي والفريد على أرض الكنانة، مهد الحضارة الإنسانية، وصاحبة البصمة والتأثير قديمًا وحديثًا.

كذلك نحتفي ونحتفل بثقافتنا وقوتنا الناعمة التي تُعد المتاحف أحد روافدها، ومعها روافد أخرى كان لها تأثيرها وحضورها الطاغي في محيطنا الإقليمي، ولا يزال.

وبالمناسبة، فإن قوة مصر الناعمة تبقى شمسها ساطعة، وليس كما يروج بعض ضعاف النفوس والعقول من أن زمنها قد ولّى ولم يعد لها وجودها وحضورها القديم.

إن احتفالنا وابتهاجنا بالمتحف الكبير يعود إلى أن هذا المكان يجمع بين جنباته عبقرية وتفرد المصري القديم، وإبداع المصري المعاصر؛ فنحن أمة شعارها الأثير والممتد: لا شيء يعوقها عن البناء والإنجاز.

كلمات البحث
الأكثر قراءة