أجدادي هنا.. كتبوا التاريخ

1-11-2025 | 12:52

ليس هناك حدث يمكن أن نقف أمامه للتأمل طويلًا ونعيد قراءة تاريخنا مرات بسببه، أهم من المتحف المصري الكبير اليوم.

فمنذ سنوات ونحن ننتظر أن تتبلور أفكار احتواء حضارتنا وتاريخ أجدادنا، لنلتف حولها في بوتقة واحدة مع معابدنا وآثارنا وما نفخر به من تراث ممتد لآلاف السنين. وقد جاءت اللحظة التي نقف لها منبهرين دون أن ننظر إلى الآخر كيف يرانا، أو كيف يفكر فينا، أو أن نعقد المقارنات مع غيرنا.

لقد أعجبني تعليق على وسائل التواصل الاجتماعي يقول صاحبه: "المتحف المصري الوحيد اللي آثاره مش مسروقة"، وبرغم عفوية التعليق، إلا أنه دفعني للتأمل والبحث في كم من المتاحف امتلأت بطونها بآثارنا، وبسبب الاستعمار والحروب.

مؤكدًا أن هناك قوانين دولية تمكننا من استعادة كل قطعة من آثارنا. لقد أصبح لدينا متحف يشهد بفخامته وقيمته وعبقرية بنائه وتكوينه ومكانته أمام العالم كله.

ومن ثم على كل مصري اليوم، داخل بلده أو خارجها، أن يفخر ببلده صانعة التاريخ.

فكل منجز في بلد ما يحتفي به أصحابه، أيًا كانت مكوناته وطبيعته ونوعه، لكن هنا منجز صُنِع بأياد مصرية خالصة؛ فمن أبدعوه، ومن فكروا كيف يخلدوه ليصل إلينا، هم فكروا فينا قبل آلاف السنين، فكروا في أن لهم أبناء وأحفادًا سيأتي اليوم الذي يحتفلون فيه بأن لهم أجدادًا كانوا مبدعين، فقدموا لنا كل ما يبهر العالم وما يدعونا إلى الفخر بأن في بلدنا عبق تاريخ، بلد لم تولد منذ مئة عام، أو تُرسَم حدودها بالأمس، بل وطنًا شقه نهر النيل، وعاش على أرضه عمالقة الحضارة، هم من نشاهدهم اليوم شامخة صورهم وتماثيلهم، التي نحتفي بها لا كرموز فقط، بل لأن لنا أجدادًا أرادوا أن نتعرف عليهم عن قرب، فتركوا لنا كل شيء: تركوا لنا العلم مكتوبًا على الحجر والبردي، وتركوا لنا الطب في التشريح، وتركوا لنا الذهب وكيف صنعوا منه أيقونات.

لقد أرادوا أن يعلمونا ويمنحونا ثقافة لم يكن لأحد أن يفهمها غيرنا، ثقافة وجدناها في التحنيط وفي المومياوات.

الحدث الأعظم أثريًا في القرن الحادي والعشرين هو المتحف الكبير، وتلك الفكرة التي وُلِدت يومًا من الفنان فاروق حسني، يمكن أن تولد عنها أفكار كثيرة غيرها، ليس لمتاحف فقط، بل لأشياء أخرى مبهرة، فمن صنعوا التاريخ لهم أحفاد يمكنهم أن يصنعوا مثله.

لن يقف المبدع المصري عند تلك الحالة، بل سيفكر ويُلهم ويُبدِع. وعلينا أن نبدأ من اليوم في تعليم أبنائنا كيف أن الأجداد كانوا أطباء ومفكرين وعلماء في الفلك والزراعة والمناخ وكل شيء، وأن نهتم بأقسام الآثار في كلياتنا وجامعاتنا، ليصبح المتحف المصري الكبير هو المعمل والورشة الحقيقية التي ينهل منها طلابنا علمهم.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: