في مشهد يترقبه العالم بأسره، تُفتح غداً أبواب المتحف المصري الكبير أمام الإنسانية جمعاء، في احتفالية عالمية يحضرها فخامة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي وعدد من ملوك ورؤساء وزعماء العالم، إيذانًا ببدء فصل جديد في مسيرة الحضارة المصرية. يقف هذا الصرح الفريد، المطل على أهرامات الجيزة، شاهدًا على عبقرية المصري القديم وإبداع المصري الحديث، حيث يمتزج الماضي بالحاضر في لوحة حضارية تُعيد رسم ملامح التاريخ الإنساني من جديد. ويُعد افتتاح المتحف المصري الكبير أكبر حدث ثقافي في القرن الحادي والعشرين، إذ يحتضن بين جدرانه كنوز الفراعنة ومقتنيات توت عنخ آمون الكاملة، ليُقدم للعالم تجربة متحفية غير مسبوقة تعكس مكانة مصر كقلبٍ نابضٍ للحضارة والتراث الإنساني. صرح حضاري بمقاييس عالمية يُعد المتحف المصري الكبير أكبر متحف في العالم مخصص لحضارة واحدة، إذ يمتد على مساحة 500 ألف متر مربع تطل مباشرة على أهرامات الجيزة، ويضم أكثر من 100 ألف قطعة أثرية تمثل ثلاثين سلالة فرعونية تمتد لأكثر من خمسة آلاف عام من التاريخ المصري القديم، حيث تبلغ تكلفة إنشاء المتحف أكثر من مليار دولار، منها نحو مليار دولار تمويلًا من الحكومة اليابانية، ليكون واحدًا من أضخم المشاريع الثقافية في القرن الحادي والعشرين. المجموعة الكاملة للملك توت عنخ آمون من أبرز معروضات المتحف القاعة المخصصة لعرض مجموعة الملك توت عنخ آمون الكاملة التي تضم أكثر من خمسة آلاف قطعة أثرية تُعرض لأول مرة مجتمعة على مساحة 7500 متر مربع، في تجربة عرض متحفي هي الأضخم من نوعها في العالم، وقد تم تصميم سيناريو العرض بأسلوب تفاعلي يوظف أحدث تقنيات الإضاءة والواقع الافتراضي ليحاكي رحلة الفرعون الذهبي من الحياة إلى الخلود. تحفة معمارية على أعتاب الأهرامات جاء تصميم المتحف ليُجسد رؤية معمارية مبهرة تمزج بين روح الحضارة القديمة والتكنولوجيا الحديثة. تُعد واجهته الزجاجية والحجرية المائلة بمثابة “الهرم الرابع” لهضبة الجيزة، بينما يتوسط المدخل تمثال الملك رمسيس الثاني الذي يبلغ ارتفاعه 11 مترًا ويزن أكثر من 80 طنًا، ويضم المتحف أيضًا المركب الشمسي للملك خوفو، الذي يُعد أقدم وأكبر قطعة أثرية خشبية في العالم، بطول 43.5 متر. نقلة نوعية في السياحة والثقافة يمثل افتتاح المتحف المصري الكبير نقطة تحول في مستقبل السياحة المصرية، حيث تُشير التقديرات إلى أنه سيستقبل أكثر من خمسة ملايين زائر سنويًا، وأنه سيسهم في جذب ما يصل إلى سبعة ملايين زائر إضافي سنويًا، لترتفع أعداد السياح إلى نحو 30 مليون سائح بحلول عام 2030، حيث يرى الخبراء أن هذا الافتتاح سيمنح دفعة قوية للاقتصاد الوطني، باعتباره مركزًا عالميًا للسياحة الثقافية. تكنولوجيا متحفية من القرن الحادي والعشرين يتميز المتحف بتطبيق أحدث مفاهيم العرض المتحفي من خلال عروض غامرة ووسائط متعددة، بالإضافة إلى تجارب الواقع الافتراضي والمختلط، التي تمنح الزائر رحلة تفاعلية تجمع بين المتعة والمعرفة، كما يضم المتحف مركزًا للترميم والحفظ يُعد من الأكبر في العالم، إلى جانب متحف للأطفال، ومنطقة تعليمية وثقافية ومركز للمؤتمرات الدولية. منارة حضارية للعالم يصف الخبراء المتحف المصري الكبير بأنه ليس مجرد مبنى أثري، بل منارة حضارية عالمية تعكس رؤية مصر في الحفاظ على تراثها وتقديمه للأجيال القادمة بأسلوب عصري متطور، حيث يقول الدكتور أيمن هيكل، إن المشروع يمثل منظومة معمارية وثقافية متكاملة تهدف إلى تقديم تجربة فريدة تربط الزائر بروح المكان وجلال التاريخ، مضيفًا أن كل زاوية في المتحف تحكي قصة وكل قطعة أثرية تروي فصلًا من تاريخ مصر الممتد عبر العصور. رسالة مصر إلى العالم يمثل افتتاح المتحف المصري الكبير رسالة قوية إلى العالم مفادها أن مصر تصون تراثها وتنهض بحضارتها، وأنها قادرة على الجمع بين الأصالة والتجديد، والتاريخ والمستقبل، ومع هذا الافتتاح التاريخي، تكتب مصر فصلًا جديدًا من فصول مجدها الممتد منذ آلاف السنين، لتؤكد مجددًا أنها قلب الحضارة ووجهة العالم نحو التاريخ والخلود.