أثناء زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ لترامب، في نوفمبر 2017، دار حديث بينهما حول قِدم الحضارات، حيث ذكر ترامب أن مصر قد تكون أقدم بحضارة تمتد لـ 8000 عام، بينما أشار شي جين بينغ إلى أن الحضارة الصينية هي الحضارة المستمرة الوحيدة التي حافظت على تواصلها.
يعجبني التنين الصيني في أنه لا يشكك في الآخرين، ولا ينتقص من قدر الحضارة المصرية، ويقر ويعترف بقدمِها، ولكنه في الوقت نفسه يُبرز نقاط قوته. وهو المطلوب. فلا أحد يُوقع بين العلاقات المصرية-الصينية. فكلاهما أصحاب حضارات قديمة ومهمة.
وفي الشهر الماضي في أحضان مدينة تشنغدو الساحرة، حيث تتدفق أنهار اليانغتسي كأنها شرايين من ضوءٍ، وقف وزير الثقافة المصري الدكتور أحمد فؤاد هنو ممثلًا لمصر في "جائزة الباندا الذهبية"، لا كضيفٍ بروتوكوليٍ، بل كجسرٍ حيٍّ بين حضارتين نهريتين، تشبهان بعضهما في الصبر والعظمة والامتداد عبر العصور. هناك، حيث تنحني الجبال للصباح وتبتسم المدن في وجه التاريخ، بدا اللقاء كأنه فصلٌ جديدٌ من «طريق الحرير» ولكن بلغة الفن والثقافة.
في كلمته، تحدث الوزير بصدق العارف أن الثقافة ليست رفاهية، بل هي شريان الشعوب، ومفتاح التفاهم في زمنٍ يزداد صخبًا. قال: "إن الفن حين يسافر من القاهرة إلى بكين لا يحتاج جواز مرور، لأنه يعبر القلوب لا الحدود."
واستكمل الوزير: "السينما، الدراما، والرسوم المتحركة. ليست مجرد أدوات ترفيه، بل رسائل مضيئة. كل مشهدٍ هو جسرٌ، وكل قصةٍ هي دعوة للسلام. ومثلما يقال في المثل الصيني: «من سار وحيدًا قطع الطريق سريعًا، ومن سار مع الآخرين وصل أبعد»،
وأتفق تمامًا مع تشبيه الوزير حين قال: "سار النيل والنهر الأصفر معًا، لا ليحتفلا بالماضي، بل ليصنعا المستقبل."
وجائزة الباندا الذهبية هذه التي شارك فيها الوزير، أُطلقت لأول مرة في سبتمبر 2023، وتُعقد كل عامين بمدينة تشنغدو، ويُنظمها اتحاد الصين للأدب والفنون بالتعاون مع حكومة مقاطعة سيتشوان. وتهدف الجائزة إلى تكريم الأعمال السينمائية والتليفزيونية التي تُعزز التبادل الثقافي بين الشعوب، وتُرسخ القيم الإنسانية عبر قوة الفن السابع والإبداع المرئي.
وفي الحقيقة، إن ما يجمع البلدين أكبر من المصالح، إنه احترام الزمن. فكما حفظت الأهرامات سر الخلود، حفظ سور الصين العظيم سر البقاء. وكأنهما يتهامسان في ليل التاريخ.
هكذا، تمتد العلاقات المصرية الصينية كقصيدةٍ طويلةٍ من الاحترام والتقدير، كل بيتٍ فيها يُضيء سطرًا في كتاب الإنسانية. فالحضارات لا تتصارع، بل تتحاور، كما تتعانق الأنهار في مصبٍّ واحدٍ.
ودليل التحاور والتعاون عندي هو ما حدث مؤخرًا في تصميم المتحف المصري الكبير، حيث كان من تصميم شركة مقرها في أيرلندا. الشريك المؤسس فيها مهندسٌ معماريٌ صينيٌ.
ألا ترى أن أصحاب الحضارات يتعاونون لإخراج الجمال إلى البشر؟