رِفْقًا بالقَوَارِيرِ

30-10-2025 | 14:47

خاصم رجل زوجته، فغضِبت وكتمت، وجعلت تضع ملابسها في الحقيبة عازمة الذهاب إلى بيت أهلها. وأحس زوجها بالأمر، فبادرها بكلمة ناعمة وابتسامة رقيقة، ثم سألها: ماذا تفعلين؟ فقالت: أُدخِلُ ملابس الشتاء، وأُخرجُ ملابس الصيف.

كم كانت هذه المرأة حكيمة!

هي المرأة في كل زمان ومكان، تُرضيها الكلمة الطيبة، وتكفيها النظرة الحانية.

(خيرُكُم خيرُكم لِأهْلِهِ ، وَأَنَا خيرُكم لِأَهْلِي) هكذا قال الرسول الأعظم (صلى الله عليه وسلم).

كما قال لأنجشة، حين كانت النساء على الهودج (صندوق من القماش) وكان أنجشة يُحسن الحُداء أي الشعر الجميل، مما يجعل الجمل يمشي مسرعًا لأنه ينشط، فيُقلقل من فوقه، قال له (صلى الله عليه وسلم): "رُوَيْدَكَ يا أنْجَشَةُ، لا تَكْسِرِ القَوَارِيرَ. قالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي ضَعَفَةَ النِّسَاءِ.".

القاسم المشترك بين القارورة والمرأة هو سهولة كسرها. وما يكسر المرأة إلا الكلمة الجارحة والموقف المؤلم.

في زماننا، كُسِرت المرأة، وغابت الرحمة عن بيوتنا، فضاعت السعادة، فيما هذه الرحمة أساس كل شيء في هذه الحياة: {فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ۖ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ}.

لما خلق الله تعالى آدم عليه السلام، لم يخلق له أخًا يُؤنِسه ويُعينه، وإنما زوجة، وخرجت من الضلع الأقرب للقلب، في إشارة واضحة للحب والود والاحتياج المتبادل. وهكذا صارت الخلائق جميعًا: {إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى}.

لماذا قل صبرنا، وضاقت صدورنا، وأصبح حلنا الأقرب لمشكلات حياتنا هو الطلاق، وتفكيك شمل الأسرة، وتقويض تماسكها؟ والإحصاءات مُحبِطة، والأرقام مُزلزِلة، ومحاكم الأسرة لو كانت تتكلم لقصت عن مآسٍ وحكايات لآمال خابت وأحلام ضاعت، فيما الأصل: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}.

إن كره منها خُلقًا، رضي منها آخَر.

كان هذا منهاج النبي (صلى الله عليه وسلم) الذي كان الأعظم في الصبر وفي قراءة المشاعر.

قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لعائشة، رضي الله عنها وأرضاها: " إنِّي لَأَعْلَمُ إذا كُنْتِ عَنِّي راضِيَةً، وإذا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى، قالَتْ: فَقُلتُ: مِن أيْنَ تَعْرِفُ ذلكَ؟ فقالَ: أمَّا إذا كُنْتِ عَنِّي راضِيَةً، فإنَّكِ تَقُولِينَ: لا ورَبِّ مُحَمَّدٍ، وإذا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى، قُلْتِ: لا ورَبِّ إبْراهِيمَ، قالَتْ: قُلتُ: أجَلْ، واللَّهِ -يا رَسولَ اللَّهِ- ما أهْجُرُ إلَّا اسْمَكَ"..

كان (صلى الله عليه وسلم) ورغم مشاغله الجسام، يترفَّق بها ويُدلِّلها، يقول لها: يا عائش، هذا جبريل يُقرئك السلام.

وكان (صلى الله عليه وسلم) إذا شربت زوجته، تتبَّع مكان فمها فشرب منه. قمة الرومانسية، وأعلى مستويات جبر الخاطر.

ومع أم المؤمنين خديجة، رضي الله عنها وأرضاها، عاش (صلى الله عليه وسلم) خمسًا وعشرين سنة، ولم يتزوج عليها، ولا أحب أحدًا مثل حبه لها، وظل طوال عمره يذكرها، ويُكرم صديقاتها وصواحِبها، ويقول في سبب الإكرام: إنها كانت تزور خديجة!

غضب (صلى الله عليه وسلم) يومًا من عائشة (رضي الله عنها وأرضاها) لما تحدثت عنها، بغيرة المرأة المُحبة، وقال: "ما أبدَلَني اللهُ عزَّ وجلَّ خَيرًا منها، قد آمَنَتْ بي إذ كفَرَ بي الناسُ، وصدَّقَتْني إذ كذَّبَني الناسُ، وواسَتْني بمالِها إذ حرَمَني الناسُ، ورزَقَني اللهُ عزَّ وجلَّ ولَدَها إذ حرَمَني أولادَ النِّساءِ".

 قالت: فقلتُ في نفسي: لا أذكرها بعدها بسيئة أبدًا.

الزواج هو العهد المتين، هو المودة والرحمة. وقد تسبق إرادة الله وتستحيل العِشرة، فيقع الطلاق. وعندها تبدأ الحرب، رغم أنه من المفترض (تم الخلاص) ولا حاجة للمزيد من العداوة والشقاق. وتكون هذه الحرب أسوأ مُخلَّفات هذا الطلاق. وهنا تتصارع في الأذهان أسئلة مُتعددة، كلها تبدأ بـ "لماذا"؟

لماذا بعد أن أصبح كل طرف حُرًا في حياته، يتحول الرجل ليكون المخلوق الأسوأ على سطح الكرة الأرضية؟ لماذا يُصبح الشيطان رفيقًا له؟ لماذا لا يُقيم وزنًا للعِشرة؟ لماذا يُفشي أسرارًا حُرِم الحديث عنها أثناء الزواج، فما البال بعد الطلاق؟ واسألوا المحامين!

كان لزامًا عليه أن يكون رجلًا حقًا. فالذكورة نوع، أما الرجولة موقف.

رجلًا يتذكر شربة ماء قدمتها، وطعامًا طهته، كلمة طيبة قالتها، هدية في مناسبة أحضرتها: {وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ}.

دائمًا يُردِّد كثير من الرجال ويقولون: إنه من السُّنة الزواج بأخرى أو أخريات، ورغم وجود ضوابط كثيرة لهذا الأمر قد تصل لحد المنع، إلا أنهم كثيرًا لا يعلمون من السُّنة إلا هذه الرخصة! أولم يعلموا أيضًا أنه من السُّنة الزواج من النساء الأكبر سنًا؟ من السُّنة الزواج من مطلقة؟ من السُّنة الزواج من أرملة؟ من السُّنة مساعدة الزوجة في الأعمال المنزلية؟ من السُّنة وضع الطعام في فمها تعبيرًا عن الحب؟ من السُّنة كلمات الود والثناء؟ من السُّنة أن تغفر أخطاءها؟ من السُّنة أن تتجمل لها وتلعب معها، ولا تهجر فراشها، بل من السُّنة أن تسترخي في حضنها وتناديها بأجمل الأسماء؟ من السُّنة ألا تُفصِح عن أمورها الخاصة لمخلوق؟ من السُّنة ألا تخرج أسرار البيوت للعلن؟ من السُّنة أن تُكرِم والديها وذويها؟ من السُّنة أن تكون لها ذمتها المالية المستقلة، وألا يُفرَض عليها شيء؟ من السُّنة أن تبقى أميرة في بيتها، لا جارية في البيت وأجيرة في العمل خارجه؟ من السُّنة القوامة عليها: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ}.

قَوَّام (صيغة مبالغة) وليس قائم (اسم فاعل). والمعنى دائم القيام على شئونها، وليس قَوَّام بِمَنع باطش أو مُستبِد.

من السُّنة كف أذاك عنها، واحترام آدميتها، وبخاصة وقت الخلاف. فكلمة: {وَاضْرِبُوهُنَّ}.. ليس معناها الإيذاء البدني، ليس معناها وَكَزَ أو صَفَعَ أو رَكَلَ، فذلك يتنافى تمامًا مع قداسة الميثاق الغليظ، إنما معناها الحقيقي الهجر قليلًا في حال الغضب منها. يُقال: ضَرَبَ عُنُقَهُ، ضَرَبَ به عُرض الحائط، {فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ}.. وكلها تحمل معنى واحدًا فقط وهو الابتعاد وبلا إيذاء.

الغريب والعجيب فيما تقدم، أن رجالًا كثيرين لا يُنكرون هذه التجاوزات على أنفسهم، ويُبررون حدوثها منهم، بينما ينتفضون ضدها لو تعلق الأمر بأمهم أو أختهم أو ابنتهم! ازدواجية في المعايير، وشيزوفرينيا في التعامل، وكأن الزوجة هذه ليس لها إخوة أو آباء يغضبون لغضبها، ويحزنون لحزنها، ويألمون لألمها.

إن المرأة شريك الرجل في كل شيء، حتى في الطاعة: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى}.

هي الأم والأخت والابنة والزوجة، هي زينة البيوت، وصانعة الأمل، ومصباح السعادة، فاستوصوا بالنساء خيرًا، كما علمكم نبيكم، (صلى الله عليه وسلم).

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة