‎ المتحف المصري الكبير: ملاذ كنوز مصر القديمة| صور

30-10-2025 | 14:55
‎ المتحف المصري الكبير ملاذ كنوز مصر القديمة| صور المتحف المصري الكبير
أميرة دوس

إن العمارة الخاصة بالمتحف المصرى الكبير ترفض عزل المبنى عن محتواه، وتختار بدلاً من ذلك ترسيخه في أرضه الأصلية.. لقد تم تصميم المتحف ليكون جزءا من محيطه الطبيعي؛ فالصلة بهضبة الجيزة هنا أعمق وأكثر دقة من مجرد القرب المكاني .. كبير او، عظيم كما يدل اسمه، فقد تم تصميمه لاستضافة مقتنيات حضارة عظيمة واستثنائية بحد ذاتها.

موضوعات مقترحة

بمرور السنين، فرضت ضرورة إنشاء متحف بهذا الحجم نفسها فالاكتشافات الأثرية المتزايدة جعلت المتحف المصري في التحرير غير كافٍ لاستقبال هذا الإرث.


المتحف المصري الكبير

المتحف المصري الكبير

المتحف المصري الكبير

المتحف المصري الكبير

يضم المتحف المصري الكبير أكثر من 50,000 قطعة أثرية، وبقدرة استيعابية تتجاوز 5 ملايين زائر سنويًا، هو بلا منازع أكبر متحف في العالم مخصص لحضارة واحدة.

‎يقع الموقع المختار على بُعد كيلومترين من هضبة الجيزة، عند نقطة التقاء الصحراء بوادي النيل.. ويشكل هذا التباين في المنسوب جزءًا رئيسيًا في التصميم.. المبنى لا يرتفع فوق الهضبة، وذلك لتجنب التداخل مع مشهد وصورة الأهرامات، لكنه يحقق حضوره المهيب الخاص به.. لا يسعى المتحف المصري الكبير إلى منافسة الأهرامات: بل هو امتداد لها، يعظّم هذا التراث ويذكّر بعظمة البناة.


المتحف المصري الكبير

‎ تحفة معمارية ولدت من مسابقة عالمية

‎المتحف المصري الكبير هو أكثر من مجرد مشروع بناء: إنه ثمرة طموح دولي. نتج تصميمه عن مسابقة معمارية عالمية أطلقها وزير الثقافة المصري آنذاك فاروق حسني عام 2002، تحت رعاية اليونسكو وإشراف الاتحاد الدولي للمهندسين المعماريين (UIA).

‎مع 1557 متنافسًا، كان التحدي هو تصميم متحف قادر على تمثيل تعقيدات القاهرة الحديثة وثراء الحضارة المصرية القديمة في آن واحد. فاز بهذا التحدي الضخم مكتب "هينيغان بينغ للمعماريين" (Heneghan Peng Architects) الأيرلندي-الصيني ومقره دبلن.

كانت كراسة الشروط معقدة وصارمة: تمثلت في بناء متحف ذي نطاق ضخم وطموح، ليس فقط لوضع معايير جديدة لمجمع تراثي يتطلع للمستقبل، بل وأيضًا للتناغم مع الروعة القديمة لهضبة الأهرامات.

‎لم يقتصر الأمر على ذلك: كان على التصميم أيضًا أن يدمج إدارة مجموعة واسعة من الأنشطة، تلبي احتياجات جمهور متنوع يضم السياح والباحثين والأكاديميين. يمثل تصميم المشروع بالتالي استجابة لهذا الطموح التاريخي، مبرهنًا على أن عظمة الحضارة يمكن أن تتجسد في تصميم معاصر. يؤكد فريق "هينيغان بينغ": "لقد نظرنا دائمًا إلى الموقع بأكمله، وليس مجرد مبنى منفصل".

‎لا يقتصر التصميم على إنشاء صرح بصري مبهر: بل يستند إلى دقة رياضية، مرتكزة على مجموعة من المحاور والخطوط التي تحدد إطار المتحف. تشرح إحدى مهندسات المكتب: "إنه هيكل ثلاثي الأبعاد مرسوم ضمن مجموعة من المحاور البصرية تربط الموقع بالأهرامات الثلاثة، وتحدد الإطار الذي يندمج فيه المتحف، من النطاق الكلي للموقع إلى أدق التفاصيل".

رفع مكتب "هينيغان بينغ" هذا التحدي بالاعتماد على المبادئ الهندسية الأساسية لمصر القديمة يكرر مفهومهم الفكري نطاق الرؤية والدقة الرياضية لمحاور الأهرامات نفسها، ونقل هذه الحسابات إلى مبنى حديث.

‎ متحف يربط الماضي بالحاضر

‎تختم عمارة المتحف المصري الكبير على اتحاد الهضبة والوادي .. وتتمثل فلسفتها الأساسية في خلق استمرارية بصرية ومادية بين عظمة الأهرامات القديمة وحداثة القاهرة.

يوضح المهندس المعماري ياسر محسن، مدير مكتب الاستشارات "آر إم سي" (RMC)، الشريك المحلي لمكتب "هينيغان بينغ" في مراحل المشروع المختلفة، أن "التصميم يستغل التدرج الطبيعي للمنسوب في الموقع ليقيم واجهة المتحف كحافة جديدة للهضبة. مكسوة بحجر شبه شفاف، تسمح بتصفية الضوء، وتلمح بلطف إلى ما ينتظر الزائر عند المدخل الرئيسي، دون الكشف عن الكثير.

ويؤكد هذا الاختيار مرة أخرى اندماج المبنى في التضاريس الطبيعية للموقع". تزين الواجهة الضخمة، التي يبلغ ارتفاعها 60 مترًا، أشكال هرمية نُقشت عليها أسماء 140 فرعونًا.

‎وفقًا لفلسفة "هينيغان بينغ"، فإن السياق الجغرافي والاجتماعي، والتاريخي بشكل خاص، يملي كل خط ومادة، محولاً المتحف المصري الكبير إلى صرح لا ينفصل عن محيطه.

يوضح المهندسون: "الفكرة الرئيسية هي خلق صلة لا تنفصم بين المجموعة الأثرية والأرض التي ولدتها. الهدف ليس مجرد عرض قطع فنية، بل إعادة وضع كل قطعة في سياقها المادي الأصلي، لتمكين الزائر من فهم الظروف التي شكلت هذه الحضارة".

‎تم تصميم المتحف ليقدم للزائر سلسلة من المساحات تنقله تدريجيًا من العالم المعاصر إلى عالم مصر القديمة. تعتمد هذه الفلسفة على محورين رئيسيين: الصلة البصرية بالأهرامات، والصلة بالقاهرة اليوم، التي تم خلقها من خلال تشابك المساحات الخارجية والداخلية، لدمج المتحف ليس فقط في التاريخ، ولكن أيضًا في الحياة الحضرية المعاصرة.

‎تعمل عدة عناصر في المبنى كـ "عتبات"، أو مناطق عازلة تتوسط هذا الانتقال. تعمل الواجهة الحجرية الشفافة كستارة حائطية ضخمة ترشح ضوء الصحراء: إنها بمثابة حجاب يسمح بمرور تدريجي بين العالم الخارجي والعالم الداخلي، مع ضمان اتصال بصري متحكم به. تشكل الساحة الأمامية وقاعة المدخل بدورهما مناطق وصل. وتعزز الساحة الكبرى، وهي مساحة مفتوحة، هذا الوساطة والتفاعل بين العالمين.

‎في بحثه المعنون "العمارة والمتاحف"، يوضح ياسر منصور، أستاذ التصميم المعماري، أن "المتحف يسد فراغًا في الإطار ثلاثي الأبعاد المتكون من سلسلة من المحاور البصرية تربط الموقع بالأهرامات الثلاثة. فالخطوط التي تشكل المحيط الخارجي للمتحف تستلهم تلك المحاور ونسبها ذاتها. يتألف التصميم من رسم ثلاثة خطوط تنبع من قمة كل هرم، وثلاثة أخرى تنطلق من مركزها. تخلق هذه الخطوط الإحداثيات التي ترسم المحيط الخارجي للمتحف. وتشكل هذه المحاور البصرية مخروطًا افتراضيًا، هو المخروط الذهبي. ويُعاد استخدام نفس القياسات الهندسية داخل المبنى، مشكلة شبكة هندسية تنحت شكله وتوجيهه".

‎ العمارة كأداة تحولت إلى رسالة

‎هذه الفكرة تمثل، بالنسبة لفريق "هينيغان بينغ"، جوهر المشروع. يوضح مهندسو "هينيغان بينغ" أن "هذا الاندماج بين المتحف ومحيطه، المعروف باسم فن الأرض (land art)، يعكس مقاربة تصبح فيها المواد وتضاريس المشهد المحيط دائمًا دعمًا ومكونًا للعمل الفني. فبدلاً من إنشاء عمل فني في مكان ما، يخلق المهندس المعماري العمل الفني مع المكان — إنه تكامل تام. يسعى التصميم إلى إعادة وضع المجموعة الأثرية في الموقع الذي نشأت فيه، لفهم سياقها وأصولها بشكل أفضل*". باختصار، تم تصميم مبنى المتحف ليندمج في موقعه، ويذوب فيه، ويتفاعل بنشاط مع جيولوجيته، بدلاً من مجرد وضعه إلى جانبه.

‎إن عمارة المتحف المصري الكبير ليست مجرد حل يهدف إلى إنشاء مكان لاستقبال بعض القطع أو التحف. إنه فن تصميم مساحة تتناسب مع مجموعة معينة، خاصة بعصر ما، ومتناغمة مع المكان الذي ستُعرض فيه. العمارة، في هذا السياق، يجب أن تكون "*مفصلة حسب الطلب*". فاستغلال المساحات، والتحولات، والمواد، ولعبة الضوء والظل، تخلق لغة صامتة تعزز اللقاء بين العمل والزائر، وتضمن تجربة فريدة، ذات صلة، ولا تُنسى.

‎يعتبر صلاح ذكري، المهندس المعماري ومؤلف البحث "فك شفرة الطبقات والمعاني المختلفة للعمارة"، أن التصميم هو لغة تنقل رسائل وتخلق علاقة مع الزائر. ويوضح: "يُدعى كل زائر لفك شفرة هذه الرسائل واستنتاج ما أراد المهندس المعماري التعبير عنه".

‎وبالتالي، تصبح العمارة أكثر من مجرد أداة: إنها تصبح رسالة في حد ذاتها. بالنسبة لذكري، الهدف الأساسي من هذه العمارة هو إثارة التفكير: "كيف تؤثر المواد والمساحات على إدراكنا للمكان؟ كيف يخاطب المبنى أرواحنا؟ ما الذي يوقظه فينا؟ العمارة هي ما يسمح بفهم كيف يتحدث إلينا المبنى".

‎في المتحف المصري الكبير، تخلق العمارة حوارًا بين الزمان والمكان والأعمال، متحدثة بلغة الحضارة المصرية. من خلال الأشكال والمواد والخطوط ولعبة الضوء والظل، وحتى من خلال ترتيب كل عمل فني، يصبح كل شيء لغة. من اختيار الموقع إلى استغلال فرق المنسوب البالغ 50 مترًا الذي يفصل المتحف عن هضبة الجيزة، يساهم كل شيء في إعلان معماري قوي يؤكد أن المتحف هو امتداد جيولوجي، وتاريخي بالدرجة الأولى، للموقع. ويصبح الضوء أيضًا استعارة. فبكونه خافتًا وديناميكيًا، ومُرشَّحًا عبر السقف والرخام الشفاف، فهو ليس مجرد تقنية إضاءة: بل يرمز إلى الدورات الشمسية لمصر القديمة بينما يوفر خلفية تثري العمل الفني.

‎يسمح المسار الصاعد عبر المبنى بالعبور الرمزي للسلالات لينتهي بمواجهة بصرية مع الأهرامات. يؤكد ذكري: "يستخدم المهندس المعماري كل هذه الأصول لإثارة عاطفة قوية لا تُنسى لدى الزائر من الإعجاب إلى الدهشة، مرورًا بالغموض والأسئلة التي تبقى بلا إجابة. يعيش كل شخص الزيارة بطريقته الخاصة ويستنتج الرسائل التي تناسبه".

‎ حوار "المحتوي" و"المُحتوى" أو نقيض "المكعب الأبيض"

‎احتضانًا لمجموعة دائمة مخصصة لحضارة واحدة، تطلب المتحف المصري الكبير عمارة "مفصلة حسب الطلب". فقد صُمم ليحكي قصة هذه التحف في المكان الذي أتت منه.

‎وهكذا، يصبح المتحف المصري الكبير حاويًا جاذبًا بصريًا، حيث تتحاور العمارة والأشياء باستمرار. ويشكل هذا التفاعل بين الصرح والأعمال التي يستضيفها خاصية رئيسية لعمارة المتحف.

‎هنا، يهدف التصميم إلى أن يكون ثورة، ونقيضًا حقيقيًا لنظرية "*المكعب الأبيض" (White Cube)، وهي إيديولوجية هيمنت على عمارة المتاحف لعقود. مبدأها: خلق مساحة معقمة، معزولة عن العالم الخارجي، من خلال جماليات الجدران البيضاء، والإضاءة الموحدة، والأرضيات الخشبية الفاتحة أو الخرسانية، وجو صامت، لتقليل أي تشتيت وتركيز انتباه الزائر فقط على العمل الفني، الذي يُعرض ككيان مستقل، بلا سياق تاريخي.

‎في المتحف المصري الكبير، الأمر هو العكس تمامًا: فالشيء ليس مجرد قطعة، بل هو عالم. لا يقتصر تحدي العمارة المتحفية على سرد القصة، بل على خلق *زمنية* ينشط فيها الماضي لتحفيز الزائر والدخول في حوار معه. يطرح المتحف سؤالاً جوهريًا: "*ما الدور الذي يجب أن يلعبه المبنى — المحتوي — أمام التحف التي يضمها — المُحتوى؟*".

‎هنا، تقدم العمارة إجابة تحول المحتوي إلى شريك أساسي للمُحتوى. يتبنى المتحف مقاربة يدعم فيها المحتوي المُحتوى ويعظمه دون أن يسيطر عليه. لا يتصادم المبنى والتحفة: يلتقي المتحف، بعمارته المعاصرة، بالعوالم الماضية في توازن دقيق.

ينجح المتحف المصري الكبير في هذا الرهان الحساس: فالمحتوي، القوي والمحدد بما يكفي لتحديد الموقع وإثارة المشاعر، يبقى متواضعًا بما يكفي ليسمح للمُحتوى بالتعبير الكامل عن نفسه وضمان استمراريته. يوضح ياسر منصور: "في المتحف المصري الكبير، يكمل المحتوي المُحتوى. لا يكتفي المبنى بجذب الأنظار: بل يكمل، ويعكس، ويسلط الضوء على المعروضات. يتحد العنصران ليشكلان كلاً متكاملاً، علاقة متناغمة تميز المتحف عن المؤسسات الأخرى".

‎يرفض تصميم المتحف المصري الكبير عن عمد حيادية وعزلة نظرية "المكعب الأبيض" لصالح تكامل سياقي نشط بين العمل الفني ومحيطه. عمارة المتحف موجهة مباشرة نحو الأهرامات، مما يخلق حوارًا بصريًا دائمًا مع المشهد والتاريخ. وتسعى إلى خلق زمنية حية، راسخة، يتم فيها تعظيم الكنوز من خلال صلتها التي لا تنفصم بالأرض. حتى وضع كل قطعة يحمل معنى: تُطبق نفس الحسابات الهندسية والنسب داخل المتحف.

‎تصبح عمارة المتحف المصري الكبير، الخالقة للمعنى، بحد ذاتها سردًا — تعبيرًا عن فكرة، هي عظمة هذا التاريخ. يتم اختيار كل عنصر للتأكيد على هذا الشعور بالجلال ورغبة مصر في البناء من أجل الخلود.

‎بفضل عمارته، يديم المتحف هذا السعي إلى الكمال الذي يميز العمارة الفرعونية في المعابد والآثار. وتصبح زيارته تبادلاً، يسمح للزائر بفك شفرة العوالم المعقدة التي ورثتها.

نقلا عن الأهرام إبدو

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة