تكليفات عاجلة من وزير البترول لضمان حصول عمالة المقاول علي مستحقاتهم وتطبيق الحد الأدنى للأجور | وزير الخارجية: مصر لن تسمح بتقسيم السودان تحت أي ظرف من الظروف | وزير الشباب والرياضة يهنئ بطل الجودو عمر الرملي على أول ذهبية لمصر في دورة ألعاب التضامن الإسلامي | حاتم صلاح يغيب عن العرض الخاص والمؤتمر الصحفي لفيلم "السلم والثعبان - لعب عيال" | إنجاز تاريخي لعمر الرملي بذهبية ألعاب التضامن الإسلامي بالرياض 2025 في الجودو | وزير الخارجية لـ"القاهرة الإخبارية": منتدى الاستثمار والتجارة المصري الخليجي وفر منصة مهمة للحوار والتعاون | مشهد صادم بكفر الشيخ.. ضبط سائق اعتدى على والدته المسنة وتسبب في تلفيات بشقتها | كندة علوش تساند زوجها في العرض الخاص لفيلم "السلم والثعبان – لعب عيال" | الحقيقة الكاملة.. كشف ادعاء دهس شابين بالدقهلية أثناء ملاحقة أمنية | غياب ظافر العابدين عن العرض الخاص والمؤتمر الصحفي لـ "السلم والثعبان - لعب عيال" |

مركز الترميم بالمتحف المصري الكبير.. بين العلم والتاريخ| صور

30-10-2025 | 13:24
مركز الترميم بالمتحف المصري الكبير بين العلم والتاريخ| صورالمتحف المصري الكبير
نسمة رضا

للوهلة الأولى، يبدو المبنى بسيطًا من الخارج. أما الداخل، فالجدران ناصعه البياض، والممرات تغمرها نسمات باردة من الهواء. كل شيء يوحي بالدقة والانضباط. الأبواب المعدنية الثقيلة تشيّ بدرجة أمان عالية تكاد تضاهي الأنظمة العسكرية.

موضوعات مقترحة

لا شيء يوحي بأن خلف هذه الجدران تجري واحدة من أعظم معارك العلم الحديث: معركة إنقاذ الماضي.

تأسس مركز الترميم بالمتحف المصري الكبير عام 2010 كأحد الركائز الأساسية للمتحف، ويمتد على مساحة 32 ألف متر مربع، ويضم 19 معملًا متخصصًا: 6 مخصصة للترميم العلاجي، و5 للترميم الوقائي، و8 للتحاليل والفحوص العلمية.

ومنذ إنشائه، استقبل المركز أكثر من 57 ألف قطعة أثرية متنوعة في الشكل والحجم والخامة. تُوزع الأقسام حسب طبيعة المواد — الخشب، النسيج، المعادن، البردي، الجداريات، الفخار، والأحجار الضخمة — بحيث تتوافر لكل نوع ظروف محددة من الرطوبة والحرارة.


مركز الترميم بالمتحف المصري الكبير.. بين العلم والتاريخ

مركز الترميم بالمتحف المصري الكبير.. بين العلم والتاريخ

داخل هذا المبنى الهادئ الذي يشبه صومعة علمية، تنبض طاقة مدهشة. فما إن تُفتح أبواب المختبرات، نجد العشرات من المتخصصين بثيابهم البيضاء يجتمعون حول قطع أثرية فريدة إنها خلية نحل منظمة.

يقول عيسى زيدان، المدير العام التنفيذي للترميم ونقل الآثار بالمتحف المصري الكبير: " خلف كل باب فريق متخصص نحن لا ننقذ أرواحًا بشرية، بل ذاكرة إنسانية".

رحلة طويلة

يبدأ العمل — كما يوضح زيدان — قبل وصول القطع إلى المركز. البداية تكون من المتاحف والمخازن والمواقع الأثرية المنتشرة في ربوع مصر حيث يقوم فريق متخصص من المتحف باختيار القطع المراد ترميمها، ثم تعبئتها ونقلها إلى المركز.
يوضح حسين كمال، مدير مركز الترميم ذلك قائلا: "هذه المرحلة تعتمد على شبكة لوجستية دقيقة تشمل نقلًا آمنًا، وصناديق خاصة، وأنظمة لامتصاص الاهتزازات. نتبع بروتوكولات محددة من لحظة خروج القطعة من موقعها حتى وصولها للمركز. كل خطوة — من التغليف إلى التفريغ — تُنفذ بمعايير علمية صارمة".

بعد وصول القطع، تمر بمرحلة الفحص والتوثيق. تُفحص الشقوق بالمجاهر الإلكترونية، وتُحلل الألوان بالكاميرات متعددة الأطياف، وتُكشف الطبقات الخفية عبر أجهزة التحليل الطيفي والأشعة السينية.
ويُركز المركز على الترميم الوقائي، الذي يهدف إلى منع التلف قبل وقوعه بدلًا من إصلاحه بعد حدوثه، من خلال التحكم الدقيق في الضوء والرطوبة والحرارة والكائنات الدقيقة.


مركز الترميم بالمتحف المصري الكبير.. بين العلم والتاريخ

مركز الترميم بالمتحف المصري الكبير.. بين العلم والتاريخ

فن إحياء الأثر

يعتمد عمل مركز الترميم على مبدأ بسيط: "عدم التدخل إلا عند الضرورة". يقول كمال: «مهمتنا ليست جعل القطع جديدة، بل الحفاظ على سلامتها التاريخية. نحن نمارس ما يسمى بالترميم العلاجي القائم على الأدلة — كل خطوة تستند إلى تحليل أو تجربة علمية".

ويتبع المرممون قاعدة «أقل قدر من التدخل»، فحين يرممون نسيجًا أثريًا مثلًا، لا يستبدلون الأجزاء المفقودة، بل يدعمونها بأساليب حيادية قابلة للإزالة، لحمايتها من التدهور المستقبلي.

يضيف كمال: "عندما تلمس قطعة لم يلمسها أحد منذ ثلاثة آلاف عام، تشعر بثقل الزمن ومسؤولية نقلها إلى المستقبل".

ويوضح كمال أن الترميم ليس مجرد علم أو تقنية، بل هو فلسفة إنسانية.. فكل قطعة تعتبر وثيقة حية تحمل معرفة اجتماعية ودينية وفنية. ويقول:"الحفاظ على الأثر يعني أيضًا فهم رسالته. فالألوان، والأدوات، والمواد المستخدمة جميعها تروي قصصأ  سواء للحياة اليومية والعقائد والتبادل الثقافي وغيرها. مهمتنا هي إزاحة الستار عن كل ذلك".. بفضل الأجهزة الحديثة، ظهرت اكتشافات غير متوقعة. فالبقع السوداء على سرير توت عنخ آمون الجنائزي، التي اعتُقد سابقًا أنها تلف، تبين أنها رسومات زرقاء تمثل الأبقار السماوية رمز البعث والخلود.

يقول كمال: "هذه الاكتشافات العلمية تعيد رسم فهمنا للفن المصري القديم".


مركز الترميم بالمتحف المصري الكبير.. بين العلم والتاريخ

مركز الترميم بالمتحف المصري الكبير.. بين العلم والتاريخ

تحديات الترميم

من أبرز إنجازات المركز، ترميم درع توت عنخ آمون المصنوع من الجلد والنسيج، وهو الوحيد المعروف في التاريخ المصري القديم. بقي في مخازن المتحف المصري بالتحرير مركز الترميم. نحو قرن، حتى وصل إلى  بحالة متدهورة. 

 وبعد سلسله من الفحوص الميكروسكوبية والتحاليل، تمكن الفريق من استعادة شكله الأصلي مع الحفاظ على أصالته التاريخية.

نجاح آخر تمثل في إعادة تركيب العقود الخاصة بتوت عنخ آمون، إذ أعادها المرممون إلى شكلها الأصلي بدقة تحاكي الحرفة القديمة.

كما واجه المركز تحديًا لوجستيًا ضخمًا في ترميم ونقل الصناديق الذهبية الأربع لتوت عنخ آمون، المصنوعة من الخشب المذهب.

ومن أبرز الإنجازات أيضًا نقل مركب الشمس للملك خوفو بطول 42.3 مترًا — أكبر قطعة عضوية في العالم يتم نقلها على الإطلاق. تمت العملية عام 2021 بنظام رفع ونقل خاص لتجنب أي اهتزازات. أما المركب الثاني المكتشف بالقرب من الهرم، فقد أُعيد تركيبه قطعةً قطعة — حوالي 1650 لوحًا — في إطار مشروع مصري-ياباني بالتعاون مع الوكالة اليابانية للتعاون الدولي.

يقول زيدان: "القطع العضوية هي الأصعب في الترميم، وأحيانًا نحتاج أشهرًا لفك قطعة دون إتلافها. كل قطعة وكل ثنية تحمل قصة".


مركز الترميم بالمتحف المصري الكبير.. بين العلم والتاريخ

مركز الترميم بالمتحف المصري الكبير.. بين العلم والتاريخ

تعاون دولي رائد

شكل التعاون مع الـجايكا بين عامي 2010 و2015 نقطة تحول في تاريخ المركز .. حيث نُظّمت أكثر من مائة دورة تدريبية لتأهيل جيل جديد من المرممين المصريين. يقول كمال: "الوكالة لم تقدم المعدات فقط، بل نقلت إلينا خبرة علمية كبيرة. واليوم، نحن بدورنا ندرّب مرممين من دول عربية وإفريقية أخرى".

ومن 2016 إلى 2023، أسفر برنامج التعاون الثاني عن ترميم 72 قطعة أثرية كبرى، ما عزز مكانة المركز كأحد أهم مراكز التميز العالمية في علوم الترميم.

ولا يقتصر دوره على الترميم فحسب، بل هو أيضًا مختبر بحثي ومركز تدريب، ينشر دراساته في مجلات علمية دولية، ويستقبل باحثين من أنحاء العالم. كما يقدم برامج تعليمية وورش عمل لطلاب الجامعات والشباب، لترسيخ الوعي بقيمة التراث المصري.

من مهام المركز الأساسية أيضًا المراقبة البيئية المستمرة. إذ تقيس أجهزة الاستشعار درجة الحرارة والرطوبة وجودة الهواء في جميع أنحاء المتحف، وتُحلل البيانات للحفاظ على الظروف المثالية. فالقطعة الأثرية التي تُعرض أو تُخزّن في ظروف غير مناسبة يمكن أن تتلف خلال أسابيع قليلة فقط.


مركز الترميم بالمتحف المصري الكبير.. بين العلم والتاريخ

مركز الترميم بالمتحف المصري الكبير.. بين العلم والتاريخ

ورغم الطابع العلمي الدقيق، فإن مركز الترميم بالمتحف المصري الكبير مؤسسة حية تسعى دائما إلى التطور. فهو يقدم زيارات متخصصة مدفوعة الأجر، وخدمات ترميم لمؤسسات أخرى، ويدعم مشروعات التوثيق والرقمنة لإنشاء قاعدة بيانات وطنية للتراث المصري.

يختم كمال حديثه قائلًا: مهمتنا تتجاوز ترميم القطع الأثرية. فكل قطعة نحافظ عليها هي شاهد على إبداع وحياة أجدادنا. حماية هذه الشواهد تعني منح التاريخ القدرة على الاستمرار في مخاطبة الأجيال القادمة. لقد ورثنا إحدى أغنى الحضارات على وجه الأرض، ومسؤوليتنا أن نكون حراسها.

نقلا عن الأهرام إبدو


مركز الترميم بالمتحف المصري الكبير.. بين العلم والتاريخ

مركز الترميم بالمتحف المصري الكبير.. بين العلم والتاريخ
 
مركز الترميم بالمتحف المصري الكبير.. بين العلم والتاريخ

مركز الترميم بالمتحف المصري الكبير.. بين العلم والتاريخ
 
مركز الترميم بالمتحف المصري الكبير.. بين العلم والتاريخ

مركز الترميم بالمتحف المصري الكبير.. بين العلم والتاريخ
   

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة