خيّم الحزن على منطقة حي الهرم، وغلّف الصمت أرجاءها كأنه إعلان حداد غير معلن، بعدما استيقظ الأهالي على واحدة من أبشع الجرائم التي لم تكن كغيرها، جريمة هزّت القلوب قبل أن تهز الجدران، حين عُثر على طفلين صغيرين لم يتجاوزا عمر الزهور، جثتين هامدتين في مدخل أحد العقارات.
موضوعات مقترحة
الواقعة المأساوية لم تترك لأحد سبيلاً للفهم أو التصديق، فالمشهد كان أكبر من أن يُحتمل، والدهشة خيّمت على كل من سمع أو رأى، حيث تحوّل الحي إلى ساحة من التساؤلات، والقلق يملأ العيون، خاصة بعد اختفاء والدة الطفلين في ظروف غامضة زادت الغموض غموضًا، لتتحول المأساة إلى لغزٍ كبير يبحث الجميع عن حلّه، بينما لا تزال رائحة الحزن تملأ المكان، كأنها ترفض المغادرة.
وسط كل ذلك يقول أحد شهود العيان "سيد" الذي يبلغ من العمر 40 عاما، وصاحب مقلة شهيرة بمنطقة عمارات الوطنية بالهرم، إنه شاهد المتهم في الساعات الأولى من فجر السبت، تحديدًا في تمام الرابعة صباحًا، يسير بصحبة الطفلين جنى وسيف في حالة إعياء شديد.
ويضيف: "لاحظت أن الولد الصغير وقع على الأرض قدّام المحل، جريت عليهم وسألته عنهم، قال لي دول أولادي وتعبانين من الصبح، وهودّيهم للدكتور".
وكما يروي الشاهد لكن نظرات الرجل وسلوكه لم تكن طبيعية، فقد بدا متماسكًا أكثر مما يجب وكأن شيئًا لم يحدث، يقول سيد: "كان عنده ثبات غريب، لا ارتباك ولا خوف، رغم حالة الطفلين، وده خلاني أشك فيه".
وتابع: "قلت له تروح بيهم فورًا لأي طبيب، لكنه رد بثقة وقال إنه طبيب بيطري وهيتصل بصاحبه الدكتور يكشف عليهم"، عندها بدأ الشك يتعمّق في قلب الشاهد، خصوصًا بعدما لاحظ أن أحدًا في المنطقة لا يعرفه، رغم أنه ادّعى أنه طبيب معروف وأصحاب المحلات يعرفونه جيدًا.
وبحسب تحريات المباحث، فإن أقوال الشاهد كانت نقطة البداية لكشف خيوط الجريمة، بعدما تبيّن أن المتهم لم يكن أبًا للطفلين، بل هو الشخص الذي ارتكب جريمته انتقامًا بدم بارد، إثر خلافات مع والدتهما التي كانت تجمعها به علاقة مشبوهة وانتهت بفضحه ورفضه الزواج منها.
من هو الرجل الغامض الذي دخل حياتها؟
أوضحت التحقيقات أن الزوجة تعرّفت على شخص غريب بمساعدة أحد السماسرة في المنطقة، استأجر لها شقة سرًّا بعد أن توطدت علاقتهما، وأقنعت أبناءها أنه “في مقام والدهم”، مطالبةً إياهم بمناداته بـ«بابا»، لتزرع الثقة في قلوبهم تجاهه.
لكن سرعان ما تحوّلت العلاقة إلى ابتزاز وتهديد، بعدما طلبت من ذلك الرجل أن يتربص بزوجها ويضغط عليه لتطليقها رسميًا، وهو ما نفّذه بالفعل بتهديدات متكررة عبر الهاتف.
ماذا حدث في الليلة التي قُدم فيها «عصير الموت»؟
بحسب التحريات، وبعد فترة من المعيشة المشتركة، اكتشف المتهم خيانة الزوجة له، فاشتعلت الخلافات بينهما.
في لحظة شيطانية، قرر الانتقام منها بوضع السم في العصير، ونُقلت الزوجة إلى المستشفى بعد شعورها بآلام شديدة، وهناك قدم المتهم بيانات مزورة لإخفاء هويته، ثم غادر المكان تاركًا خلفه ضحيته تصارع الموت.
كيف تحوّل الأطفال إلى ضحايا مخطط الثأر؟
بعد مغادرته المستشفى، توجه المتهم إلى أبنائها الثلاثة، واصطحبهم إلى إحدى الحدائق بمنطقة المريوطية، مقدّمًا لهم عصيرًا ممزوجًا بالسم ذاته.
رفض الطفل الأصغر الشراب فقام المتهم بإلقائه في ترعة المريوطية، قبل أن يصطحب سيف وجنى في حالة إعياء تام إلى منطقة فيصل، حيث تُركا داخل مدخل عقار بعد أن تظاهر بأنهما مريضان وطلب من سائق «توك توك» مساعدته في إيصالهما، ثم فر هاربًا.
أين اختفت الأم؟ وما مصير الطفل الثالث؟
ما زال مصير الأم الغامضة مجهولًا بعد هروب المتهم من المستشفى، في حين لم يُعثر بعد على نجلها الأصغر «مصطفى» الذي أُلقي في الترعة، وتواصل أجهزة الأمن عمليات التمشيط والبحث.
أما الجاني، فبدأت خيوط تحديد هويته تتضح من خلال كاميرات المراقبة وتحليل الاتصالات والبيانات المزورة التي استخدمها في المستشفى.
ماذا تقول التحقيقات الأولية؟
تلقى قسم شرطة الهرم بلاغًا من الأهالي بالعثور على الطفلين في حالة خطيرة داخل مدخل عقار سكني، وانتقل المقدم مصطفى الدكر رئيس المباحث إلى موقع الحادث، وتمكّن من فرض طوق أمني وإجراء الفحص الميداني الدقيق.
تبيّن أن الطفل «سيف» فارق الحياة في الحال، بينما لحقت به شقيقته «جنى» بعد نقلها إلى المستشفى، لتتحوّل المأساة إلى جريمة مزدوجة تجمع بين الغدر والخيانة والانتقام.