ألسنة الخلق أقلام الحق!

28-10-2025 | 16:55

هذه عبارةٌ تحمل في ثناياها خوفًا وطمأنينةً؛ فأما الخوف فمما قد يقوله الصادقون عن الإنسان مما يعرفون من حاله، فمن تلطخ بشيءٍ من قاذورات المعاصي فحقه أن يخاف من ذكره بين الخلق بالسوء. وأما الطمأنينة فلأنها بشرى عاجلةٌ لأهل الصلاح ولأهل القلوب الزكية مما يقول الناس عنهم بلا مجاملةٍ. ومما يؤكد هذه العبارة أن الله جل جلاله يقول: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾ [يونس: 62-64]، فأهل الإيمان لهم البشرى في الحياة الدنيا، وعند مفارقتها، ولهم البشرى في الآخرة. ومن بشرى الدنيا أن يعمل المسلم العمل، لا يعمله إلا لله عز وجل، فيورثه الله ثناء الخلق عليه ومدح الخلق له، فحقه أن يفرح بهذا الثناء.

وقد قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه؟ قال: تلك عاجل بشرى المؤمن. فتعجيل البشارة لأهل الإيمان لأنهم يعملون لله لا لغيره، ولما رأى الله الكريم إخلاصهم كافأهم بأن أطلع خلقه على أعمالهم فحمدوهم لذلك. وهذا على خلاف مَن يعمل العمل من أجل أن يراه الناس ويحمدوه عليه، فهذا قد توعده الله جل وعلا بأليم العذاب، قال تعالى: ﴿لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [آل عمران: 188].

ومن الأحاديث النبوية التي تؤكد أن "ألسنة الخلق أقلام الحق" ما رواه عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أهل الجنة من ملأ الله أذنيه من ثناء الناس خيرًا وهو يسمع، وأهل النار من ملأ أذنيه من ثناء الناس شرًّا وهو يسمع". وخاصةً إذا كان هذا الكلام من أقاربه وجيرانه ممن يطلعون على حال الإنسان ويعرفون من أمره ما لا يعرفه غيرهم. فقد قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، متى أكون محسنًا؟ قال: "إذا قال جيرانك: أنت محسنٌ فأنت محسنٌ، وإذا قالوا: إنك مسيءٌ فأنت مسيءٌ".

وبالضرورة لا يُقبل الثناء بالخير أو بغيره إلا من الصادقين؛ وإلا فقد جرت العادة أن يذم الصالحين الكافرون! فلو أن الإنسان كان على شرٍّ وباطلٍ فلن ينفعه كلام من أراد المجاملة، ولو كان الرجل من الصالحين فلن يضيره كلام الكافرين فيه.

والخلاصة:

أن الإنسان له من دنياه أماراتٌ وعلاماتٌ وشواهد وأدلةٌ على حاله من صوابٍ أو خطأ، وصلاحٍ أو فسادٍ، بما يجري على ألسنة الناس؛ فإطلاق ألسنة الخلق التي هي أقلام الحق بشيءٍ في العاجل عنوان ما يصير إليه في الآجل، والثناء بالخير دليلٌ على محبة الله تعالى لعبده حيث حببه لخلقه فأطلق الألسنة بالثناء عليه وعكسه عكسه.

مع تأكيدنا على ألا يغتر الإنسان بمثل هذا الثناء، وألا يركن إليه مهما عَظُمَ. وفي هذا بشارةٌ وتخويفٌ، ونسأل الله السلامة من كل بليةٍ وعطبٍ.

* الأمين المساعد لمجمع البحوث الإسلامية

كلمات البحث
د. محمود الهواري يكتب: «ذوو الهمم» .. تاريخٌ وواقعٌ وواجباتٌ

في الثَّالث من ديسمبر من كلِّ عامٍ يتجدَّد الاحتفال باليوم العالميِّ لذوي الاحتياجات الخاصَّة، وهو اليوم الَّذي خصَّصته الأمم المتَّحدة عام 1992م،