لطالما ارتبط التدخين في الأذهان باعتباره الخطر الأكبر على الصحة العامة، والسبب الرئيسي للعديد من الأمراض الفتاكة، لكن في ظل التحولات الكبيرة في أنماط الحياة والتغذية، برزت السمنة كالوباء العالمي الذي يهدد حياة الملايين، بل وتفوق خطره في بعض الجوانب التهديد الذي يشكله التبغ، فهل أصبحت السمنة اليوم هي العدو الأول لصحة الإنسان، متجاوزةً التدخين في تسببها ببعض الأمراض الخطيرة؟.. هذا ما تسلط عليه الأضواء الدراسات العلمية الحديثة، التي تدق ناقوس الخطر بخصوص تزايد أعباء الأمراض المرتبطة بالوزن الزائد والسمنة المفرطة.
موضوعات مقترحة
تزايد حالات السرطان المرتبطة بالسمنة يثير القلق الطبي
أشارت الأرقام الصادرة عن مؤسسات بحثية عالمية إلى تحول مقلق في مسببات الأمراض، خاصة السرطان، قال تقرير صادر عن منظمة أبحاث السرطان البريطانية إن الوزن الزائد والسمنة أصبحا الآن سبباً للعديد من أنواع السرطان يفوق التدخين في بعض الحالات.
وأكدت الدراسة أن السمنة تتسبب في آلاف الحالات من سرطان الأمعاء والكلى والكبد والمبيض سنوياً، متجاوزةً الأعداد التي تسببها السجائر في بعض هذه الأنواع، وعلى الرغم من أن التدخين لا يزال هو السبب الأكثر شيوعاً للسرطان الذي يمكن الوقاية منه، إلا أن تراجع معدلات المدخنين في مقابل الارتفاع الهائل في معدلات البدانة جعل العبء الكلي للأمراض المرتبطة بالوزن الزائد يتضخم بشكل كبير.
وأضافت الدراسة أن عدد الأشخاص الذين يعانون من السمنة المفرطة ولا يدخنون يفوق بكثير عدد المدخنين ذوي الوزن الصحي، مما يوضح اتساع نطاق التهديد الصحي الذي تشكله السمنة.
السمنة والتدخين مقارنة في أمد الحياة وتأثيرهما
في سياق متصل، سلطت دراسات أخرى الضوء على تأثير كل من السمنة والتدخين على متوسط العمر المتوقع للإنسان، حيث أشار الدكتور ستيفن غروفر، أستاذ الطب في جامعة ماكغيل بكندا، إلى أن زيادة الوزن المضرة بالصحة تشعر الباحثين بأنها توازي خطورة التدخين فيما يتعلق بعمر الإنسان المتوقع.
وأوضحت أبحاثه، أن الأشخاص الذين يعانون من السمنة المفرطة (مؤشر كتلة الجسم 35 أو أعلى) قد يخسرون ما يصل إلى ثمانية أعوام من متوسط عمرهم المتوقع بسبب الوزن الزائد فقط، وعلى الجانب الآخر، قال تقرير صادر عن مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها أن التدخين المزمن قد يقصر طول الحياة المتوقع بمعدل 10 أعوام، هذه الأرقام وإن كانت تضع التدخين في مرتبة أخطر قليلاً من حيث تقصير العمر الإجمالي، إلا أنها تؤكد أن السمنة لم تعد مجرد مشكلة جمالية أو اجتماعية، بل هي مرض مزمن يهدد بشكل مباشر أمد الحياة وجودتها.
السمنة تهديد متعدد الأوجه
للحصول على رؤية طبية متعمقة، أكد الدكتور محمد فتح الله، استشاري أمراض الباطنة والغدد الصماء، على خطورة السمنة التي وصفها بـ "المتسلل إلى كل أجهزة الجسم"، مضيفا أنه بينما يركز التدخين بشكل أساسي على الجهاز التنفسي والقلب والأوعية الدموية وبعض أنواع السرطان، فإن السمنة تهاجم الجسم من عدة جبهات في وقت واحد".
وأضاف أن الدهون الزائدة ليست مجرد مخزن للطاقة، بل هي نسيج فعال يفرز هرمونات ومواد التهابية، وهذا يؤدي إلى سلسلة من المشاكل الصحية المعقدة التي تشمل ارتفاع ضغط الدم، ومقاومة الأنسولين (التي تؤدي للسكري من النوع الثاني)، وارتفاع الكوليسترول، وتصلب الشرايين، وأمراض القلب والسكتات الدماغية، وصولاً إلى مشاكل المفاصل والكبد الدهني واضطرابات النوم.
وأشار الدكتور محمد فتح الله، إلى نقطة جوهرية أن التحدي الأكبر في السمنة هو ارتباطها المباشر بمضاعفات أخرى. فمثلاً، شخص مدخن قد لا يعاني بالضرورة من مرض السكري، بينما السمنة هي الرافد الأقوى لداء السكري، إنها أشبه بمحرك للأمراض المزمنة.
البدانة عبء صحي مستمر وتهديد للأجيال القادمة
وأضاف أن انخفاض معدلات التدخين في الدول المتقدمة يمثل نجاحاً لجهود التوعية الصحية، بينما لا تزال معدلات السمنة في تزايد مستمر عالمياً، مما يجعلها قضية صحية أكثر إلحاحاً للمستقبل.
أفاد الخبراء أن هذا الارتفاع المستمر في أعداد المصابين بالسمنة يعني أن العبء الصحي والاقتصادي الناتج عنها سيتضخم بشكل هائل على مر السنين.
واختتم حديثه بالتأكيد على أن الرسالة الواجب إيصالها هي أن الوقاية هي خير علاج، وأن إمكانية عكس الضرر الناتج عن السمنة أو الحد منه، من خلال فقدان الوزن واعتماد نمط حياة صحي، هي بصيص الأمل، لا يمكننا التغاضي عن مخاطر التدخين، لكن يجب أن نعامل السمنة بنفس القدر من الخطورة واليقظة، وأن ندعو إلى حملات صحية تركز على مخاطر الوزن الزائد بنفس الكفاءة التي ركزت بها على التبغ.
وأكد أن المقارنة بين خطورة السمنة والتدخين لا تهدف إلى التقليل من شأن الأخير، بل تهدف إلى وضع السمنة في مكانها الصحيح كـتهديد صحي عالمي ضخم يتطلب استجابة فورية ومستمرة، وأصبح التحدي الآن يكمن في دمج الوعي بمخاطر السمنة ضمن الثقافة الصحية العامة، وتحويلها من مجرد "قضية مظهر" إلى "قضية حياة أو موت".