بعد 100 سنة فراق.. المتحف المصري الكبير يجمع بين توت عنخ آمون وبناته في قاعة واحدة| خاص

28-10-2025 | 09:51
بعد  سنة فراق المتحف المصري الكبير يجمع بين توت عنخ آمون وبناته في قاعة واحدة| خاص أجنة توت عنخ آمون
محمود الدسوقي

بمناسبة افتتاح المتحف المصري الكبير، كشفت الدكتورة سحر سليم، أستاذة الأشعة التشخيصية بجامعة القاهرة ،فى تصريحات لـ"بوابة الأهرام"، النقاب عن قصة إنسانية مؤثرة حفظتها ثنايا تابوتين صغيرين في مقبرة الملك توت عنخ آمون، تضمّان الأميرتين الصغيرتين ابنتي الملك. 

موضوعات مقترحة

تروي هذه القصة الدكتورة سحر سليم، أستاذة الأشعة بكلية الطب في جامعة القاهرة والمتخصصة في أشعة الآثار، والعضوة الرئيسية في المشروع المصري للمومياوات، وعضوة لجنة سيناريو العرض المتحفي بوزارة السياحة والآثار المصرية.

منذ أكثر من 100 عام، وتحديداً في الرابع من نوفمبر ١٩٢٢م، اكتشف هوارد كارتر مقبرة توت عنخ آمون رقم ٦٢ في وادي الملوك بالأقصر، ليكشف النقاب عن واحدة من أعظم الاكتشافات الأثرية في التاريخ.

وبينما كان العالم منبهراً بكنوز المقبرة التي احتوت على أكثر من خمسة آلاف قطعة أثرية ذهبية، كانت الكنوز الأثمن تختبئ في صندوق خشبي بسيط بدون نقوش أو ألوان، وُجد بداخل غرفة الكنوز بالمقبرة. هذا الصندوق الذي أُعطي الرقم ٣١٧ من قبل كارتر، كان يضم تابوتين صغيرين على هيئة آدمية، وُضعا متقابلين في تناسق بديع. كان كل تابوت خارجي مغطى بطبقة من الراتنج، ليحوي في داخله تابوتاً أصغر حجماً مكسواً بالذهب، بينما زُينت الأكفان بشرائط ذهبية، وقناع جنائزي مذهب في تصميم ينسخ ببراعة تصاميم توابيت الملك توت عنخ آمون صاحب المقبرة الملكية". 

تضيف دكتورة سحر سليم، أن هذه التوابيت الصغيرة كانت تحوي جثمانين محنطة لطفلتين صغيرتين، أثبتت الأبحاث العلمية الحديثة، بما في ذلك الدراسات الوراثية ضمن "المشروع المصري للمومياوات"، أنهما بالفعل ابنتا الملك توت عنخ آمون، وقد توفيتا وهما لا تزالان في طور الجنين".

وفي قسم الأشعة التشخيصية بكلية الطب قصر العيني بجامعة القاهرة، كتبت الدكتورة سحر سليم فصلاً جديداً من فصول هذه القصة، ففي يوم ٢٧ يوليو عام ٢٠٠٨م، أجرت فحصاً تاريخياً للمومياوتين باستخدام الأشعة المقطعية، في أول تطبيق في العالم لهذه التكنولوجيا المتطورة على مومياوات جنينية مصرية قديمة.

وقامت الدكتورة سحر سليم، وهي المتخصصة في طب الأجنة وتصوير الحمل بالرنين المغناطيسي، بتطوير منهجية علمية فريدة وبروتوكول خاص لفحص المومياوات الجنينية، مستندة إلى التقنيات الحديثة المستخدمة في التحقيقات الجنائية. وأصبح هذا البروتوكول أول إطار علمي منظم في هذا المجال لفحص مومياوات أجنة مصرية قديمة، وسار على نهجها بعده العديد من العلماء حول العالم.

كشفت دراسة دكتورة سحر سليم أن الجنينين تلقتا عناية فائقة في التحنيط، حيث أظهرت صور الأشعة المقطعية الحديثة وجود حزم وحشوات ومواد تحنيط داخل تجاويف أجساد الجنينين، مما يؤكد أنهما خضعا لعمليات تحنيط ملكية متقنة، على غرار ما تم مع والدهما الملك.

 كما قدرت الدكتورة سحر سليم العمر الجنيني للأميرة الأكبر بتسعة أشهر، والأميرة الأصغر بستة أشهر حمل، وبنَت تقديرها بناءً على رؤية مراكز التعظم وظهور براعم الأسنان وكذلك بقياساتها ودراستها لشكل العظام للأميرتين.

وهنا تبرز الصورة الإنسانية المؤثرة:"توت عنخ آمون الأب، ليس الملك، ففي حضارة كانت تدرك قيمة الحياة منذ لحظاتها الأولى، حيث كان الأطفال يُعتبرون "عماد الشيخوخة"، لم يكن فقدان هاتين الطفلتين مجرد حدث عابر، لقد كان مأساة شخصية دفعت الملك إلى منح بناته قبراً ملكياً وتوابيت ذهبية وطقوساً جنائزية تليق بأميرات لتكونا معه في مقبرته الملكية ليصحبهما معه للعالم الآخر".

وتؤكد الدكتورة سحر أن "المصريين القدماء قدّسوا الحياة منذ بدايتها، فالجنين في فكرهم كان إنساناً كاملاً له كيانه وحقوقه، لقد سبقوا العالم بآلاف السنين في فهمهم لقيمة الحياة الإنسانية، متفوقين على القوانين الحديثة".

ونشرت الدكتورة سحر سليم نتائج فحص الأشعة المقطعية للأميرتين ابنتي توت عنخ آمون في المجلة الأمريكية للأشعة عام ٢٠١١م، ليصبح هذا البحث والبروتوكول الذي ابتكرته مرجعاً أساسياً في دراسة المومياوات وخاصة الجنينية منها عالمياً.

وشاركها البحث الدكتور زاهي حواس رئيس مشروع المومياوات المصرية، وقد مثلت هذه الأبحاث نقلة نوعية في مجال الآثار، حيث وفرت منهجية دراسة آمنة لفحص الآثار، ودقة غير مسبوقة في تشخيص حالات المومياوات، وحفظاً رقمياً للتراث الإنساني للأجيال القادمة، وبذلك، فتحت دراسات الدكتورة سحر سليم آفاقاً جديدة للبحث العلمي في مجال المومياوات والآثار، لتمثل هذه الأبحاث إضافة نوعية للعلم العالمي وتؤكد ريادة العلم المصري في الحفاظ على التراث الإنساني.

وحرصاً على دقة المعلومات وأصالتها، استعان المتحف المصري الكبير بخبرة الدكتورة سحر سليم ومعلوماتها القيمة عن ابنتي توت عنخ آمون أثناء المراحل التحضيرية للمتحف، مما ساهم في تقديم قصة متكاملة ومؤثرة للزوار.

والآن، تحتضن قاعات المتحف المصري الكبير هذه القصة الإنسانية الخالدة، حيث نُقلت المومياوتان الصغيرتان في ٣ أبريل عام ٢٠١٤م من كلية الطب بقصر العيني إلى المتحف، لتحظيا بمكانة تليق بهما كأفراد من العائلة المالكة، وفي أكتوبر عام ٢٠١٦م، انضم إليهما تابوتاهما الذهبيان، ليُعرضا معاً في مشهد مهيب.

يضم المتحف المصري الكبير اليوم بين جنباته كل ما يتعلق بالملك توت عنخ آمون: كنوزه الذهبية، وتحفه الفنية، وتوابيته الملكية، وأخيراً وليس آخراً، ابنتيه الأميرتين اللتين حظيتا برعاية أبوية ودفن ملكي يليق بمكانتهما كأميرتين من الأسرة المالكة، لتحكي هذه المجموعة الفريدة قصة ملك وأب، وحضارة قدّست الحياة منذ بدايتها، في إطار جهود وزارة السياحة والآثار المستمرة للحفاظ على الإرث الحضاري المصري وإبرازه للعالم أجمع.


تابوت أجنة توت عنخ آمون لحظة اكتشافه على يد هوارد كارتر تابوت أجنة توت عنخ آمون لحظة اكتشافه على يد هوارد كارتر

أجنة توت عنخ آمون أجنة توت عنخ آمون

الدكتور سحر سليم أمام أجنة توت عنخ آمون الدكتور سحر سليم أمام أجنة توت عنخ آمون
كلمات البحث
اقرأ أيضًا: