أقدام ترامب تغوص في البحر الكاريبي

26-10-2025 | 18:21

تحت شعار القضاء على مافيا المخدرات، صعدت الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس دونالد ترامب من المواجهة مع دول جوار الولايات المتحدة في البحر الكاريبي، لتمتد من كوبا إلى فنزويلا ونيكاراجوا وكولومبيا، في سياق يرى فيه المراقبون أن الهدف من وراء هذه التحركات هو تغيير الأنظمة.

الثابت أن المواقف المعلنة لعواصم هذه الدول الكاريبية واللاتينية – هافانا وكاراكاس وبوجوتا وماناجوا – ظلت داعمة للقضايا العربية، وتحديدًا قضية فلسطين، وحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة عاصمتها القدس الشريف.

أيضًا، لم تتوقف مناصرة هذه العواصم للحقوق العربية – ومعها العديد من دول أمريكا اللاتينية – عند حد الإدانة الشفهية لما يتعرض له الشعب الفلسطيني، بل أقدمت بعضها بقطع العلاقات فورًا مع الكيان العنصري.

هذه المواقف الداعمة للحق العربي، والمنطلقة من رؤية مستقلة عن الهيمنة الأمريكية، هي ما أثارت استياء واشنطن، وجعلتها تسعى لفرض أقصى درجات الحصار على هذه العواصم والضغط على حكوماتها.

ضمن مظاهر هذا التصعيد الأمريكي، جرى استبعاد حكومات كوبا وفنزويلا ونيكاراجوا من المشاركة في القمة العاشرة المرتقبة لمنظمة الدول الأمريكية، التي يجري الترتيب لعقدها بالدومينيكان لمناقشة قضايا الأمن والتجارة والهجرة والديمقراطية.

أحدث مسارح المواجهة العسكرية الأمريكية بالقرب من الكاريبي، تُنصب مشاهدها ضد فنزويلا، وتحديدًا تجاه شخص الرئيس نيكولاس مادورو، الذي تتهمه واشنطن بالزعامة لعصابات المخدرات (!) وبالتالي قررت الإدارة الأمريكية العمل على إسقاطه، مع العمل على تنصيب زعيمة المعارضة، الفائزة بجائزة نوبل – صديقة إسرائيل، ماريا ماتشادو.

الرئيس ترامب أعطى الضوء الأخضر لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي أي إيه) للقيام بعمليات سرية داخل الأراضي الفنزويلية، وحرك أسطولًا من القطع البحرية، وأرسل 10 مقاتلات إف 35، ووجه إنذارًا بإسقاط أية طائرات معادية، تمهيدًا – فيما يبدو – لتوجيه ضربات عسكرية ضد كاراكاس، والإطاحة بنظام مادورو.

الرئيس مادورو وصف الحشود الأمريكية بأنها أكبر تهديد تشهده المنطقة منذ أزمة الصواريخ الكوبية في عام 1962، وأعلن أن بلاده تمتلك 5 آلاف صاروخ للتصدي للتهديدات الأمريكية، وقال: "هم يأتون من أجل النفط الفنزويلي.. يريدونه مجانًا"!

في الوقت نفسه، أكدت كاراكاس أن واشنطن تعمل على تلفيق الحجج الواهية لتمهيد الطريق أمام انقلاب سياسي بالتنسيق مع المعارضة اليمينية، بقيادة ماريا كورينا ماتشادو.

وفقًا للمحلل السياسي دانيال شانج من جامعة جنوب فلوريدا فإن "كل شيء يعتمد الآن على قرار ترامب، الذي يبدو وكأنه يحضر لمزيد من العمليات البرية." ويقول: "أجد صعوبة في تخيل أن واشنطن – في ظل قيادة ترامب – ستنشر 5 آلاف جندي، و3 مدمرات وحاملة طائرات وغواصة نووية، ومقاتلات إف-35، في منطقة الكاريبي لمجرد إغراق زورقين أو ثلاثة، ما يوحي بأن هناك خطوات إضافية قيد الإعداد."

يضيف دانيال شانج قائلًا: "المجهول الأكبر هو كيف سترد حكومة مادورو، والأهم كيف ستتصرف المعارضة الداخلية بقيادة ماريا كورينا ماتشادو، التي لا تزال داخل البلاد في أماكن سرية، ورد هذه القوى سيكون حاسمًا في رسم ملامح المستقبل."

تتبنى الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس ترامب في سياستها الخارجية منهجًا يعتمد على القوة والضغط المباشر، متجاهلًا بعض العهود والقوانين الدولية، وهو ما يراه البعض نموذجًا "للدبلوماسية الخشنة المسلحة"، خاصة بالنظر إلى دعم ترامب المعلن للكيان العنصري، الذي ارتكب ما وُصف بأبشع الجرائم في فلسطين.

هذا المنهج في إدارة السياسة الخارجية، والذي يتسم بالتشدد، يُمارس الآن على الشاطئ الآخر من البحر الكاريبي، بتشديد الحصار الاقتصادي والمالي، بنية الإطاحة بالنظام في كوبا.

نتيجة لسياسة التشدد هذه، التي تتبعها إدارة ترامب، بدأت تلوح في الأفق أزمة صواريخ جديدة في كوبا، مماثلة لما حدث في عهد كيندي عام 1962، تحديدًا في أثناء الحرب الباردة، حينما وقع توتر بين واشنطن وموسكو، كاد أن يشعل حربًا نووية، قبل أن يتوصل الطرفان لاتفاق بشأن تفكيك الصواريخ بكوبا وتركيا.

للمقاربة بين ما حدث عام 1962 وما يحدث الآن، يقول الخبير العسكري الروسي، ألكسندر ستيبانوف: "إن تصديق الدوما على اتفاقية التعاون العسكري مع كوبا، تأتي ردًا مناسبًا على تهديد واشنطن، بتزويد كييف بصواريخ توماهوك المجنحة."

يضيف ستيبانوف قائلًا: "هذا رد متكافئ على تسليم أوكرانيا صواريخ توماهوك، والاتفاقية مع كوبا توسع التعاون العسكري إلى أقصى حد، وتسمح بنشر أية أسلحة هجومية في الجزيرة الكاريبية، وتوريد أسلحة حديثة لكوبا، كمنظومة الصواريخ التكتيكية "إسكندر" والصواريخ الباليستية متوسطة المدى "أوريشنيك"، للحفاظ على توازن القوى، هذا سيكون أمرًا مسوغًا، ومن شأنه توفير الردع والمحافظة على تكافؤ القدرات الهجومية، بين روسيا الاتحادية ودول حلف شمال الأطلسي."

على مدار ستة عقود، عانت – وتُعاني – جزيرة كوبا الكاريبية من الحصار الاقتصادي والتجاري والمالي الأمريكي. يرى الخبير الفرنسي في العلاقات الكوبية الأمريكية، سليم لمراني، أن العقوبات تكلف كوبا 15 ألف دولار في الدقيقة، مؤكدًا أن طريق الخلاص لهافانا يمر عبر تعزيز علاقاتها مع القوى الكبرى مثل روسيا والصين.

في أكتوبر 1960، فرضت الولايات المتحدة حظرًا تجاريًا على كوبا، ثم قطعت العلاقات الدبلوماسية معها في يناير 1961. وفي عام 1962، شددت العقوبات، وحظرت جميع أشكال التجارة مع الجزيرة، مما أثر بشكل كبير على نمو الاقتصاد الكوبي، وتزايدت الضغوط على جميع شرائح الشعب، وخاصة الفئات الأكثر ضعفًا.

أوضح الخبير الفرنسي لمراني أن التكلفة السنوية للحصار – الذي يدينه المجتمع الدولي بالإجماع منذ عام 1992 – تبلغ 7.5 مليار دولار، ما يعادل 20 مليونًا يوميًا.

على الرغم من هذه العقوبات، تمكنت كوبا من بناء مجتمع ناهض، يتيح لجميع أفراده الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية والثقافة والرياضة، ويضاهي مؤشر التنمية البشرية بكوبا مؤشر أكثر الدول تقدمًا، ومتوسط العمر المتوقع فيها أعلى منه في الولايات المتحدة نفسها، ومعدل وفيات الرضع هو الأدنى في الأمريكتين، وتقدم كوبا المساعدة لدول العالم الثالث المحتاجة، لا سيما من خلال التعاون الطبي.

[email protected]

كلمات البحث
الأكثر قراءة