رحلة عم رجب مع عظماء مصر

26-10-2025 | 15:48
رحلة عم رجب مع عظماء مصرعم رجب عبد الغنى
محمد شعبان تصوير: محمد عبدالمجيد
الشباب نقلاً عن

أقدم عامل بالأهرام يروي ذكرياته:اجتماع هيكل أدق من الساعة وإبراهيم نافع زرع ما نحصده الآن.. والخولي الأكثر نزاهة

موضوعات مقترحة
يوسف السباعي كان "دنجوان في نفسه ".. ولا أتذكر من توفيق الحكيم إلا البالطو
تعاملت مع الأساتذة يوسف إدريس ونجيب محفوظ وثروت أباظة وصلاح جاهين وأحمد بهجت وبنت الشاطئ


رجل من الزمن الجميل، يعيش الحاضر بنفس طريقة الماضي، أما حكاياته رواياته مع كبار الكتاب فمليئة بالطرافة.. كلامنا عن رجب عبدالغني، البالغ من العمر 76 عاماً، والذي يصفه البعض بأقدم موظف يعمل بدوام منتظم في مصر، حيث يعمل بإدارة الخدمات بمؤسسة الأهرام بصورة منتظمة منذ عام 1968 حتى الآن.. بدأ حياته المهنية من "البوفيه" ثم نقله الأستاذ محمد حسنين هيكل إلى خدمة كبار الكتاب.. فما هي قصته مع عظماء مصر؟  


رغم مرور 57 عاما علي هذا اليوم.. هل تتذكر قيمة أول مرتب تقاضيته؟
كان راتبي 6 جنيهات ونصف الجنيه في عام 1968، وكان من رواتب الكبيرة قياسا بموظفي الحكومة، وكنا نتقاضى علاوة جنيها ونصف الجنيه كل سنة، أما الأرباح السنوية فقد كانت مبلغا كبيرا، وأول أرباح أخذتها كانت 24 جنيها في يناير 1969 وكنت محتارا ماذا أفعل بهذا المبلغ الضخم وقتها، ولم أكن أعرف أين وكيف أنفقه، فقد كان ثروة تكفي لشراء قطعة أرض، ثم قررت أن أدخر هذا الدخل حتى كونت نفسي وتزوجت عن 32 سنة، وبدأت شغلي في البوفيه بالدور الرابع.

عم رجب أثناء حديثه مع الزميل محمد شعبان


هل تعاملت مع الأستاذ هيكل شخصيا؟
مكتب الأستاذ هيكل كان في البرج وكان يتعامل مع طلباته أو مشروباته إثنان هما حسين دوش وعبدالسلام إدريس، لكنني تعايشت مع الأستاذ هيكل في صالة التحرير، وكانت صالة مقدسة، لا يدخلها إلا الصحفيون، فقد كان هناك انضباط في كل شيء، كان الأستاذ هيكل يدخل اجتماعه الساعة 2 ظهرا، ولم يكن يجرؤ أى أحد أن يدخل بعده، كنت أرى "ترابيزة" الاجتماع كاملة العدد إلا كرسي الأستاذ هيكل والذي يدخل في موعده، وكان هناك نظام لتسليم صفحات الجرنال، حيث كانت هناك لوحة بها عدد معين من اللمبات المضيئة، وكل لمبة تمثل صفحة، حيث تنطفئ اللمبة عندما يتم الانتهاء من إعداد وطباعة الصفحة، وهكذا عندما تنطفئ اللوحة بالكامل نعرف أن الجرنال تمت طباعته. 


الأستاذ هيكل نقلك من البوفيه لقسم خدمات كبار الكتاب.. كيف حدث ذلك؟ 
تم تخصيصي للعمل مع كبار كتاب الأهرام، في الدور السادس بالمبنى القديم الآن، فتركت البوفيه في الدور الرابع، وانتقلت للسادس، وكان من أبرز الكتاب الذين تعاملت معهم الأستاذ لطفي الخولي، والدكتور يوسف إدريس والأستاذ نجيب محفوظ، والدكتور غالي شكري، والدكتور ثروت أباظة، والأستاذ صلاح جاهين، والدكتور بطرس غالي، والأستاذ أحمد بهجت وبنت الشاطئ، والأستاذ توفيق الحكيم، والأستاذ يوسف السباعي، وغيرهم.

عم رجب أثناء حديثه مع الزميل محمد شعبان


من هو أكثر كاتب تعاملت معه واقتربت من عالمه الخاص؟ 
الأستاذ لطفي الخولي، خاصة أنني ختمت حياتي معه قبل بلوغي سن المعاش، فقد كان يشرب القهوة سادة، ومعها الكرواسون والباتيه. كان نزيها وشريفا لأقصى درجة، وأذكر أنه كان يترأس اتحاد كتاب آسيا وأفريقيا، فقامت دولة خليجية بإهدائه سيارة جيب أحدث موديل، فرفضها، وقام بكتابة خطاب وطلب مني أن أرسله بالفاكس للجهة التي حاولت أن تقدم له هذه الهدية معبرا عن اعتذاره لقبولها، أيضا الأستاذ لطفي الخولى قدم الدعم للدكتور نصر حامد أبو زيد، وكنت شاهدا على زيارته هو وزوجته لمكتب الأستاذ لطفي في الأهرام وكانت هناك دعوى للتفريق بينه وبين زوجته، فدافع لطفي الخولي عن الدكتور نصر وعن زوجته التي ظلت متمسكة به ومؤمنة بأفكاره. كان لطفي الخولي طيبا جدا، ولم يكن يقبل أي شيء أكثر من حقه حتى بدلات السفر.

عم رجب أثناء حديثه مع الزميل محمد شعبان


مكاتب الأساتذة الكبار.. ما الذي تبقى منها؟ ومن يجلس بها الآن؟ 
كل ديكورات وأثاثات المكاتب تغيرت ولم يبق منها إلا الجدران، اليوم مكتب يوسف إدريس يجلس به 8 من المحاسبين الخاصين بالجامعة الكندية، كما كان مقرا لدرسات الثورة المصرية أيام الدكتورة هدى عبدالناصر، ومكتب الأستاذ لطفي الخولي يجلس به الآن الأستاذ محمد عبدالهادي علام رئيس تحرير الأهرام الأسبق، أما توفيق الحكيم فكان يجلس بجوار الأستاذ نجيب محفوظ، في غرفة كبيرة تضم الآن مكاتب الأستاذ بهاء جاهين والأستاذ محمد أبوالفضل والدكتور صلاح سالم، وبجوارها كانت تقع غرفة الدكتور زكي نجيب محمود، ويجلس بها الآن الأستاذ أسامة سرايا، أما الأستاذ علاء ثابت فيجلس مكان الدكتور غالي شكري، وهي نفس الغرفة التي جلس بها الأستاذ إبراهيم نافع فترة من الزمن بعدما ترك الأهرام. أما الأستاذ أنيس منصور فكان مكتبه في الدور الخامس بالأهرام، والغرفة المقابلة له كانت تضم الأستاذ سعيد عبدالغني ويوسف فرنسيس، وكان معهم أيضا الأستاذ صلاح جلال وكان رجلا خدوما للغاية. وفي هذا الوقت كانت الأهرام مزارا للرؤساء والملوك والزعماء، حتى أن رحلات من المدارس كانت تأتي لزيارة مبنى الأهرام وأخذ جولة في صالة التحرير والمطابع، وكانت قاعة البانوراما في الدور الأخير مخصصة لكبار الزوار.

عم رجب أثناء حديثه مع الزميل محمد شعبان


تعاملت عن قرب مع هذه الشخصيات الكبيرة.. ما الذي مازلت تتذكره عنهم؟ 
يوسف السباعي كان دنجوان في نفسه. وإبراهيم نافع كان اقتصادي عبقري أشبه برجل زرع شجرة مثمرة نجني خيراتها الآن وكان يعطي عيدية خاصة للسعاة والعمال والعيدية كانت ثابتة كل سنة عبارة عن ورقتين كل ورقة بـ20 جنيها. بطرس غالي كان يحمل حقيبة سوداء صغيرة دائما وكان يدخل إلى الأهرام كشخص عادي بسيط في ملابسه من غير أي "هيلمان" حتى في تعامله معنا كان بسيطا جدا رغم كل المناصب التي شغلها في الأمم المتحدة، أما بنت الشاطئ فقد كانت تتألق في شهر رمضان وكانت تكتب كثيرا في هذا الشهر، وكان أسلوبها حلو مع كل الناس.

عم رجب أثناء حديثه مع الزميل محمد شعبان


وماذا عن الأستاذ توفيق الحكيم؟
لا أتذكره إلا بملابس الشتاء، كان يرتدي نفس المعطف والبيريه أو الطاقية السوداء، ويضع المنديل على فمه كأنه لا يريد أن يشم رائحة لا يشعر بها إلا هو، وكان قصيرا وصاحب شنب كبيرا، أما في الصيف فكان يرتدي البدلة الصيفي.


عندما خرجت على المعاش هل قاموا بعمل حفلة تكريم لك؟ 
أنا لا أحب هذه الحفلات، ولا أحد يعرف أنني خرجت على المعاش حتى الآن، ولم يشعر أحد بذلك، والزملاء يتعاملون معي وكأنني في الخدمة.


ما أصعب الأيام التي مرت عليك خلال سنوات خدمتك الطويلة في الأهرام؟
هناك 3 أحداث هي الأخطر في حياتي، جنازة عبدالناصر واغتيال السادات وأحداث الأمن المركزي 1986، لم يكن مسموحا أن نذهب إلى بيوتنا، قضينا هذه الأيام في الأهرام لمتابعة التطورات أولا بأول، وكانت الجريدة تصدر في 3 طبعات، وكان المطعم والكافتيريا يعملان بالمجان، وقد تعرضت البلد للشلل، ولم تكن هناك مواصلات عامة، فكنا ننام ونقوم في مكان عملنا.


من هم أصحاب الزمن الجميل الذين تشعر معهم برائحة الزمن الجميل؟ 
أغلب اصدقاء الزمن الجميل توفاهم الله، لكن مازلت أشعر بالراحة والسعادة اليوم عندما ألتقي  الأستاذة آمال بكير، والأستاذة عايدة زرق، والأستاذ فاروق جويدة. 


أكثر شيء تفتقده الآن؟
 البرستيج والنظام والدقة، أتذكر زمان كان في كل دور بالأهرام عربتان للباتيه والكرواسون وجرسونان لخدمة الكتاب والصحفيين، وكان البوفيه يعمل من الساعة 8.30 صباحا حتى 9.30 ومن 11.30 إلى 12.30 ظهرا، وبعدما يتم غلق البوفيه، وخلال هذه الأثناء كان عامل البوفيه يرتدي الجاكيت الأبيض، ولكن بعد انتهاء الوردية الأخيرة يرتدي جاكيت كحلي، حيث يأخذ البوسطة من الساعة ويقوم ببقية الأدوار. والبوفيهات زمان لم تكن تتعامل بالنقدية، وإنما كانت بنظام البونات، والبون بـ25 قرشا، ويكفي للعديد من المشروبات، وكان الصحفي يشتري دفتر البونات ويتعامل به، الشاي بقرش صاغ، والقهوة بـ3 تعريفة، والكابتشينو بـ5 تعريفة، والإسبريسو بـ3 تعريفة.


ما نوع الهدايا التي كنت تتلقاها من الكتاب والصحفيين في الماضي؟
الكرفتات والقمصان السادة والبرفان.


هل مازلت تأتي مبكرا كأول شخص يدخل صالة التحرير صباحا؟ 
نعم، فأنا يومي يبدأ من الرابعة صباحاً، حيث أستيقظ من النوم وأصلي الفجر، وأركب الأتوبيس رقم (1024 نقل عام) من التجمع حيث أسكن، وأصل الأهرام الساعة 6 صباحا يوميا، حيث أقوم بإنارة صالة التحرير، وبعض الزملاء لا يزالون يحافظون على المجيء مبكرا أيضا، وأنا عمري ما اعتمدت على منبه، فموعد الاستيقاظ ثابت بالنسبة لي. وطبعا ليس عندي أصدقاء ولا أجلس على المقاهي حتى أحافظ على شغلي.


ما الذي تتمناه من الحياة بعد هذا العمر؟
أطلب من ربنا سبحانه وتعالى أن يمنحني الصحة حتى أظل أواصل عملي الذي أحبه، وأن يسترها معي للنهاية.   


ما سر السعادة والابتسامة الدائمة على وجهك؟
الرضا بالمقسوم سر البشاشة.. فأنا عشت وتربيت واشتغلت في أيام العز، ولذلك أشعر بالفخر والبهجة والحنين إلي باقات الورد التي كانت تزين طرقات الأهرام.  

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة