"ذهب أسوان" قصة مشروع فني يرسخ الهوية ويحفظ الذاكرة البصرية
موضوعات مقترحة
كل لوحة تروي تاريخ المدينة من خلال ملامح أهلها الذين شعروا بأن الجدران تتحدث معهم
في شوارع أسوان المشرقة لم تعد الجدران صامتة.. بل تحولت إلي لوحات تنبض بالحياة وتحكي قصص المكان وأهله بألوان مستوحاة من التراث وأفكار تحمل رسائل إنسانية وجمالية، والسر عند الشابين علي عبد الفتاح ومها جميل، وهما فنانان تشكيليان من أبناء اسوان جمعهما الشغف بالفن ودوره كوسيلة لبناء الهوية البصرية ونقل قصص وحكايات عصرهم إلي الاجيال القادمة عبر الجداريات، ونجح هذا الثنائي في تحويل الشوارع إلي معرض فني مفتوح، عن بدايات رحلتهما الفنية وفرحة حصولهما علي جائزة الدولة التشجعية في الفنون العام الماضي .. كان هذا الحوار.
متي بدأت شراكتكما الفنية؟
مها: البداية كانت ونحن مازلنا طلابا في كلية الفنون الجميلة، حيث اعتدنا المشاركة معا فى مشروعات الكلية وكانت بيننا دائما نقاشات حول الفن، وبالتالي بدأت الشراكة الفنية قبل أن نصبح شركاء في الحياة واستمررنا فى العمل معا حتى بعد التخرج، وكان يجمعنا الشغف ذاته وهو أن نخرج بالفن إلي الشارع لا أن نقتصرعلى عرضه في قاعات مغلقة.
بعض من اعمال الفنانين مها وعلى
بعض من اعمال الفنانين مها وعلى
كيف جاءت فكرة مشروع "ذهب أسوان" ولماذا اخترتما فن الجداريات؟
علي:"ذهب أسوان "هو الاسم الذي اخترناه .. وهو احتفاء بصري بأسوان وتاريخها العريق وناسها الطيبين وحكاياتها الممتدة في جذور المجتمع، واخترنا فن الجدرايات لأنه فن في متناول الجميع يخاطب المارة مباشرة ويخلق حالة من التواصل المستمر بين العمل الفني والناس فى الشارع.
بعض من اعمال الفنانين مها وعلى
بعض من اعمال الفنانين مها وعلى
من أين استلهمتم فكرة تحويل الشارع إلى لوحة نابضة بالهوية؟
مها:الإلهام جاء من أسوان ذاتها من البيوت والحكايات وملامح الناس التي تحوي كل منها قصة جديدة ومختلفة ومميزة، شعرت أن الشوارع تحتاج إلي أن تعكس روح أهلها فتكون أكثر من مجرد طرق وجدران وإنما تاريخ حي ملون بحكاياتنا، وأول مرة رسمت فيها على جدار كنت أشعر بالقلق من ردود الأفعال، لكنني في الوقت نفسه شعرت بأنها اللحظة التي أعبر فيها عن نفسي كفنانة، وكانت سعادتي كبيرة حينما قال البعض: إنهم يشعرون بأن الجدار يتحدث، وبالتأكيد واجهت تعليقات تحمل علامات الاستغراب لكنني كنت أري أن وجودى فى الشارع رد عملي علي تلك النظرة، وفي البدايات اخترت الرسم ليلا وباسم مستعار بسبب الخوف من رد فعل المجتمع .. لكنني كنت أيضا أرغب في إيجاد مساحة للتعبير بصوت بلا اسم .. صوت يقول ما في داخل الناس.
بعض من اعمال الفنانين مها وعلى
بعض من اعمال الفنانين مها وعلى
كيف تختارون الأماكن التي تنفذون فيها الجداريات؟
علي : ليست أي جدران تصلح .. نحن نختار الأماكن التي تحمل دلالة والتي نشعر أن لها روحا وتحتاج لأن تري بشكل مختلف كل مكان نرسم فيه لا بد ان تكون له قصة تربطنا به
بعض من اعمال الفنانين مها وعلى
كيف استقبل أهل أسوان تلك الأعمال في البداية؟
مها : في البداية كان هناك اندهاش لكن سرعان ما تفاعل الناس معها بحب وفخر وبدأنا نسمع تعليقات مثل :"ده إحنا.. دي وشوشنا " واحتضن الأهالي الجداريات كأنها جزء منهم شعور مبهر، وفي مرة كان هناك طفل صغير يراقبنا في أثناء العمل ثم قال لي :"أريد أرسم مثلك" وهذه الجملة مازالت حاضرة في قلبي لانها كانت لحظة إدراك أننا قادرون علي إلهام الأجيال القادمة.
بعد حصولكم علي جائزة الدولة التشجعية في الفنون 2024 .. ماذا مثل لكم هذا التكريم علي الصعيدين الشخصي والمهني؟
علي : حقيقي كانت لحظة مميزة جدا علي المستوي الشخصي، شعرنا بأن السهر والتعب والمجهود الذي بذلناه خلال سنين لم يضع وتم تقديرة، اما علي المستوي المهني فشعرنا بأن صوتنا كفنانين يعملون في الشارع أصبح مسموعاً، وأن فن الجداريات الذي نعمل عليه أخذ مكانته وتقديره.
البعض يرى أن العمل بين الزوجين تحد في حد ذاته... فكيف حافظتما على الانسجام بين الفن والحياة؟
مها : هو بالفعل تحد، لكن الاحترام الكبيرالمتبادل بيننا لفكر كل طرف وامتلاكنا الهدف والرؤية ساعدنا على خلق توازن بين الحياة والفن نتعامل مع العمل كمساحة للحوار لا للصراع، وكل منا يكمل الاخر، ومن الطبيعي أن نختلف.. فالاختلاف جزء من الإبداع ، لكننا لا نسمح له بأن يتحول إلي خلاف بل نناقش الفكرة حتي نصل إلي حل وسط أو ندمج الرؤيتين لنخرج بحل أفضل من الفكرة الأولي، وأحيانا يحسم القرار وفق طبيعية المشروع ومن يمتلك رؤية أو خبرة أعمق ولديه خلفية أقوي بالمحتوي.
ما أصعب جدارية قمتما بتنفيذها ؟
علي : ربما كانت الجدارية الأولي من مشروع "ذهب أسوان "هي الأصعب لأنها كانت بداية مشروع ضخم ورافقتها رهبة التجربة من ردود الأفعال، إضافة إلي تحمل مسئولية كبيرة أمام الناس، والحمد لله مشروعنا أصبح بالفعل جزءا من ملامح المدينة وله مكانة لدى الناس.. وهناك أطفال يكبرون والجداريات أمام أعينهم وسياح كثر يأتون لرؤيتها، وهذا شىء عظيم جدا، ولكننا مازلنا بحاجة إلي مزيد من الدعم ليستمر المشروع ويتوسع.
كيف ترون تأثير هذه الجداريات على الناس؟ هل تشعرون أن هناك تغييرا في نظرة الشارع للفن؟
مها : بالتأكيد أصبح الناس يتعاملون مع الفن كجزء من حياتهم اليومية وصار هناك فخر بالمكان والإنتماء له، حتي ان كثيرين يطلبون منا المجيء لرسم جداريات في مناطقهم وهذا أكبر دليل علي تأثيرها فى حياتهم، فالفن يمكنه أن يغير شكل الشوارع وسلوك الناس ويساعد في النمو المجتمعي وتنشيط السياحة ويخلق حوارا بلا كلمات، والهوية البصرية تجعل المدينة ليست فقط معروفة بل متفردة بطابعها وروحها وتترك انطباعا لا ينسي لدي من يزورها بعينيه وقلبه.
ما المشروع الذي تحلمون بتنفيذه ولم تسمح لكما الظروف بتحقيقه حتى الآن؟
علي : نحلم برسم بانوراما ضخمة تحكي تاريخ مصر من الماضي إلي الحاضر تصل إلي العالم كله وتحقق أرقاما قياسية عالمية.. وبالتأكيد نحلم بالعمل في مدن أخري داخل مصر وخارجها، نحن نحرص دائما علي الحفاظ علي روح المكان وفهم ثقافته قبل الرسم، فنحن نتمني الرسم على جدران مترو الأنفاق لأن الناس هناك في حركة دائمة ويمكن للفن أن يمنحهم لحظة أمل وإحساسا بالجمال .
هل هناك تحديات واجهت مشروعكما ؟
مها : واجهنا صعوبات كثيرة من التغيرات الجوية الحادة فى أسوان لصعوبة الوصول لبعض المواقع للحصول على التصاريح والدعم اللوجستي وكنا نواجه بعض الصعوبات في إقناع بعض الجهات بأهمية الجداريات كجزء من الوعي المجتمعي، وليس مجرد تزيين لكننا دائما نتعامل مع التحديات بحرفية وإصرار.