دائما ما كنت أشعر بالخوف وعدم الإحساس بالأمان، طفلة لا تدرك من نسمات الحياة غير حقها في اللهو و التطاير في الهواء المطلق كفراشة بين الزهور ولكن هذا الحق لم يكن لى ولا لأشقائي، لم يكن لنا من آليات العيش غير احساس منفرد بالحرمان والخوف من الأيام التي قست على أسرة حاوطتها أغلال الفقر، أسيرة الاحتياج، نعيش على أمل إشراقة يوم نرى فيه الحرية والخلاص، ولا خلاص لطفلة مثلى غير أن تحلم بمن يأتي من عالم مجهول ينتصر لها على الأيام ويعيد لها حقها في الحياة...!
موضوعات مقترحة
غادرت طفولتي وبراءتها المتآكلة إلى دنيا الصبا وكبر الحلم بطوق النجاة ولكني مشيت في طريق مظلم لأكتشف في نهايته أنى امرأة كتبت عليها الأقدار أن تعيش سيناريو طويلًا من العذاب والشقاء فقد كنت فتاة حالمة قبل أن أتزوج، وتنقلب حياتي رأسًا علي عقب.
كانت لي أحلام وردية في الحياة، ورغم فقر أسرتي وإحساس الحرمان الدائم فقد كنت أنتظر أن يأتي يوما الرجل الذي ينتشلني من شرنقة الفقر، ولم تكن أحلامي كبيرة مجرد بيت يجمعني برجل أحبه وأطفال هم كل أملي أعمل على تربيتهم وتنشئتهم تنشئة سليمة، لم أحلم بالثراء الفاحش ولا الرفاهية، ولكنها الأقدار التي كتبت على أن أولد في مستنقع من الفقر المدقع ومقدر على أن أعيش تحت نيران هذا الفقر أنا وأطفالى من بعدي.
قيود الفقر هذه هي التي جعلت أسرتي توافق برجل يتقدم للزواج مني تحت مبدأ الخلاص من فرد من أفراد البيت المتخم بالعيال.
الرجل الذي جاءني لم يكن حلمًا أو حتى سندًا قويًا أستند إليه في حياتي فقد كان أفقر من والدي يعمل أزرقي باليومية يوم يعمل وأياما كثيرة بلا عمل.
ارتضيت الزواج وقلت لنفسي "ضل راجل ولا ضل حيطة" واجتهدت قدر طاقتي في تدبير أمور بيتي وفق ما يأتي من رزق وتوافقت مع الدنيا أسايسها وتسايسني كي تستمر الحياة حتى رزقني الله بأولادي الثلاثة، كنت "أحفي" في العمل في أي شيء لأدبر لهم نفقات التعليم حتي لا يضيعوا في الحياة، وأهيئ لهم مستقبلا أفضل مني ومن أبيهم، وكم كانت تمر علينا الأيام والليالي التي نبيت فيها جوعا لندبر للأولاد نفقتهم.
كانت حياة صعبة إلى حد العذاب العيشة فيها مستحيلة ولكنها "ماشية بالطول أو بالعرض" حتي أتي يوم انهارت فيه كل الأحلام وبات المستقبل أشبه بشيء مخيف يحدق بنا فقد سقط زوجي طريح الفراش لا يقوى علي العمل يحتاج إلى إجراء غسيل كلى كل أسبوع ونحن من لا نملك قوت يومنا.
اهتزت الأرض من تحت قدماي وبعت كل شيء حتى عفش بيتي وتركت الشقة التي كنا نستأجرها، واضطررنا للعيش مع أخي الذي وافق أن "ننحشر" أنا وزوجي وعيالي مع عياله في بيته الذي لا يتجاوز الحجرتين وبالطبع عجزت حتي عن توفير نفقات تعليم الأولاد وباتوا معرضين للضياع والتشرد.
دارت بي الدنيا وتاه عقلي حتي إنني بت أكلم نفسي كما لو كنت أصيبت بلوثة، ماذا أفعل وطريقي كله أشواك؟ فكرت في الانتحار والخلاص من كل عذاباتي ولكن لمن أترك أولادي، هل يتشردون من بعدي وزوجي المسكين ما ذنبه في مرضه حتي أخي ما ذنبه أن يحمل من همي ما هو فوق طاقته.
سيدي أكتب لك بعد أن أظلمت الدنيا في وجهي وبت لا أعرف لي طريقا، ولم يتبق لي غير كرامتي وشرفي اللذين لا أستطيع أن أفرط فيهما أبدا، ومهما أحوجتني الأيام لن أرضخ لضغوط شياطين الإنس من حولي الذين يلوحون لي بالمال الحرام طمعا فيّ، يريدون إشباع رجولتهم علي حساب فقري وعجزي ولن أسمح لنفسي يوما أن أمد يدي تسولا من الناس، وبين أنياب الحيوانات الجائعة والحاجة المرة أقف حائرة لا أدر من أمر نفسي شيئا غير أنى أستمد الطاقة والقدرة على مواصلة الطريق بلا ضعف أو ذلل وما أردت من سرد حكايتي غير أن أشعر بمن يسمعنى وأنى لست بمفردى في هذه الدنيا وهناك من يدعمنى ويمد لى يد العون سندا بالقول الطيب والرأى المخلص كيف أستقوى على قسوة أيامى وضعفي الإنساني.
(ف. ع)
من قال أنك ضعيفة أمام احتياجاتك الإنسانية وأنت بهذا الوعى والإدراك لمعنى الحياة وآليات العيش فيها ومعرفتك بحاجتك لقوة الإرادة والطاقة الإيجابية أمام كل هذا فترفقي بنفسك يا سيدتي فما أنتي فيه ليس إلا امتحانا من رب العزة عز وجل، عليكي أن تصبري عليه قدر طاقتك ولا تفقدي الأمل في تغيير الحال يوما ما ولستي وحدك فى هذه المأساة، ولعلك لو رأيتى حال غيرك وهم كثيرون في مصر لعرفتي أن عذاباتك وإن كانت قاسية هي أرحم بكثير ممن تعج بهم الحياة ويعيشون تحت خط الفقر.
لكنها الحياة تستمر ويستمر الأمل في الخروج من شرنقة الفقر يداعب أعيننا طالما كانت هناك إرادة لمغالبة الدنيا وآلامها، ولعلك من الصابرين الموعودين يوم القيامة بنعم الله ورحمته وثقي أنك غير بعيدة عن رحمة ربك في الدنيا وسوف تنفرج الغمة المعتمة في حياتك يوما وستجدين من أصحاب القلوب الرحيمة من يمد يد العون وينتشلك وأسرتك إن شاء الله من الضياع طالما أن قلبك عامر بالإيمان وبداخلك يقين أن بعد العسر يسرا وصدق الله العظيم عندما قال في محكم آياته( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون* نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون* نزلا من غفور رحيم)[ سورة فصلت:30 ـ32].
عليكي بالدعاء الدائم الذي لا ينقطع وحتما سوف يستجيب المولي عز وجل وأفضل الدعاء ما كان يدعو به سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم رسولنا الكريم عندما قال( اللهم ما رزقتني مما أحب فاجعله قوة لي فيما تحب اللهم وما زويت عني مما أحب فاجعله فراغا لي فيما تحب) رواه[ الترمذي عن عبد الله بن يزيد الخطمي الأنصاري].