تدخل العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبي مرحلة جديدة تتسم بالشراكة العادلة والتكامل والاحترام المتبادل، بعدما رسخت القمة المصرية الأوروبية الأولى في بروكسل ملامح عهدٍ إستراتيجي يعكس مكانة مصر المتنامية على الساحتين الإقليمية والدولية.
القمة لم تكن حدثًا بروتوكوليًا، بل محطة مفصلية جسدت عمق التعاون بين القاهرة وبروكسل في مجالات السياسة والاقتصاد والأمن والطاقة والتعليم والهجرة، بما يؤكد أن مصر اليوم ليست مجرد شريك، بل ركيزة محورية في معادلة الاستقرار والتنمية بالمنطقة.
الرئيس عبدالفتاح السيسي شدّد خلال القمة على أن العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبي تضرب بجذورها في التاريخ، وتستند إلى مصالح مشتركة وروابط جغرافية وإنسانية عميقة، مشيرًا إلى أن الاتحاد الأوروبي هو الشريك التجاري الأول لمصر، والداعم الرئيس لبرامج التنمية المستدامة في البلاد.
مصر.. الشريك الموثوق لعمق أوروبا
تُعد مصر بوابة إفريقيا والعالم العربي، وجسر التواصل بين شمال وجنوب المتوسط، ما يجعلها شريكًا استراتيجيًا لا غنى عنه للاتحاد الأوروبي.
ويمثل الاتحاد الشريك التجاري الأول لمصر والداعم الرئيس لبرامجها التنموية، حيث تشكل أوروبا نحو 27% من تجارة مصر الخارجية، وبلغ حجم التبادل التجاري بين الجانبين 32.2 مليار يورو عام 2024، منها 12.5 مليار يورو صادرات مصرية.
وعلى صعيد الاستثمارات، يعد الاتحاد الأوروبي أكبر مستثمر في مصر، بما قيمته 34.8 مليار يورو، أي ما يعادل 40% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية في البلاد،
بما يعكس الثقة المتبادلة والمصالح الاقتصادية المتشابكة بين الجانبين.
من التعاون إلى الشراكة الإستراتيجية
شكّل شهر مارس 2024 علامة فارقة في مسار العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبي، إذ جرى خلاله الارتقاء بهذه العلاقات إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية الشاملة، بما يعكس عمق الثقة المتبادلة والرغبة في بناء تعاون طويل الأمد.
وتركّز هذه الشراكة على توطيد الروابط السياسية وتعزيز الاستقرار الاقتصادي، إلى جانب دعم الاستثمار والتجارة وتطوير سياسات أكثر فاعلية للهجرة والتنقل.
كما تمتد إلى مجالات الأمن الإقليمي وتنمية رأس المال البشري عبر التعليم وبناء القدرات، بما يجعلها نموذجًا متكاملًا للتعاون بين ضفتي المتوسط.
وتُوّج هذا المسار بعقد مؤتمر الاستثمار المصري الأوروبي لعام 2024، الذي مثّل خطوة عملية نحو جذب مزيد من الاستثمارات المباشرة وخلق فرص عمل جديدة، بما يعزز من حيوية الاقتصاد المصري ويدعم بيئة الأعمال ويحفّز روح الابتكار والنمو المستدام.
آفاق جديدة للتعاون
لم تعد الشراكة بين مصر والاتحاد الأوروبي مجرّد تعاون تقليدي، بل أصبحت نموذجًا متطورًا لعلاقات تقوم على المصالح المتبادلة والرؤية المشتركة لمستقبل أكثر استقرارًا وتنمية.
فاليوم يتجه الجانبان إلى توسيع نطاق التعاون ليشمل مجالات حيوية مثل الطاقة المتجددة، والتحول الأخضر، والأمن الغذائي، والابتكار الرقمي، وبناء القدرات البشرية.
وتدرك أوروبا أن مصر تمثل بوابة إستراتيجية تربط الشرق بالغرب وإفريقيا بالشمال، فيما ترى القاهرة في الاتحاد الأوروبي شريكًا رئيسيًا لتحقيق التنمية المستدامة وتعزيز التكنولوجيا والاستثمار في الإنسان.
وهكذا تمضي الشراكة المصرية الأوروبية بخطى ثابتة نحو بناء فضاء متوسطي يقوم على السلام والاحترام المتبادل وتكامل المصالح، لتغدو نموذجًا ملهمًا في عالم يموج بالتحديات والتحولات.
مستقبل من التكامل المشترك
تؤكد الشراكة المصرية الأوروبية اليوم أن ضفتي المتوسط ليستا مجرد حدود جغرافية، بل فضاء مشترك تتقاطع فيه المصالح والطموحات؛ فمن خلال التعاون في مجالات الطاقة المتجددة، والاقتصاد الأخضر، والأمن الإقليمي، تتبلور رؤية مشتركة لمستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا وعدلاً.
إنها شراكة تقوم على الاحترام المتبادل والتوازن في المصالح، وتعيد رسم خريطة التعاون الدولي من منظور إنساني وتنموي، يجعل من مصر حجر الزاوية في معادلة السلام والتقدم بين ضفتي المتوسط.
الأمن والاستقرار
أثبتت مصر، بتاريخها وموقعها الجغرافي وقدرتها على صياغة المعادلات المعقدة، أنها ليست مجرد طرف في معادلة المتوسط، بل قلبها النابض وصاحبة الدور المحوري في صنع توازناته. فمع الاتحاد الأوروبي تتجدد الرؤية نحو شراكة أكثر شمولًا وإنسانية، تتجاوز حدود المصالح الاقتصادية إلى بناء فضاء من التعاون المستدام، والتنمية المشتركة، والسلام العادل.
إن ما يجمع بين القاهرة وبروكسل اليوم ليس فقط المصالح المتبادلة، بل الإيمان المشترك بأن الأمن والاستقرار في ضفتي المتوسط مسئولية جماعية، وبأن المستقبل لا يُصنع إلا بتلاحم الجهود وتلاقي الإرادات.
وهكذا تمضي مصر في رسم ملامح مرحلة جديدة من الشراكة الأوروبية المتوسطية، قوامها الثقة، والاحترام، والرؤية المشتركة لمستقبل مزدهر للإنسان في كل مكان.
للتواصل:
[email protected]