أجنحة العدل في "أم كلثوم"

25-10-2025 | 18:19

لم يكن السؤال صادما بقدر ما به من حيرة: "هل لو كانت أم كلثوم حاضرة وغنت اليوم "يا ظالمني" التي شدت بها في عام ألفٍ وتسعِمِئةٍ وأربعةٍ وخمسينَ، كلمات أحمد رامي، وألحان رياض السنباطي، ستجد نفس القبول والصدى المدوي الذي أحدثته تلك الأغنية حينها، أو غيرها من الأغاني، ولو حتى آخر ما قدمت "حكم علينا الهوى" شدت بها في عام ألفٍ وتسعِمِئةٍ وثلاثةٍ وسبعينَ كلمات عبد الوهاب محمد، ألحان بليغ حمدي؟"

الحيرة في أن كل شيء تغير، وأصبح التمسك بالكلاسيكي والتقليدي موصوفا بالثبات وعدم التطوير، كما هو الحال في تمسكنا بالصحافة الورقية ودفاعنا عنها يوميا بأنها ستظل تناضل للبقاء. وهي وإن كانت حقيقة، إلا أنها تحتاج منا كما فعل الشاعر والسيناريست الدكتور مدحت العدل عندما راح بنا بعيدًا عن كل الإرهاصات التي قد تقتحم أفكارنا، أو سردياتنا التي نذيّل بها كتاباتنا أو نزين بها تلك المساحة المتاح لنا فيها التعبير عما يجول في خواطرنا على صفحات السوشيال ميديا فكتب "انتهى زمن أم كلثوم". هو لم يستمع ولم يقرأ ولم يدرِ بالا لذلك، بل راح يحلل في هدوء، أمسك بتلابيب الزمن وفتش في عقول من يحبون ومن يكرهون ومن يقفون على الحياد تجاه أم كلثوم، وخرج لنا بفن لو أن أم كلثوم سمعته وشاهدته لتمنت أن تعيش زمن "مدحت العدل".

كنت ولسنوات أسمع من شباب صغير السن في عربات المترو وهم يتهكمون على أغنيات زمان، ثم حدث تغير لا أعرف سببا له، أنهم يبحثون عن "كيفك إنتِ.. ويا دارة دوري.. ونسم علينا الهوى.. وسكن الليل" لفيروز، ويبحثون عن "قصة الأمس، وبعيد عنك حياتي عذاب، وأروح لمين" لأم كلثوم.

هنا تكمن الإجابة على السؤال المحير: "هل أنتِ زمن أم كلثوم؟" والإجابة بالطبع "لا". ليس للفن زمن يبدأ وينتهي. هناك بدايات قد تكون مبهجة لم ينجح أصحابها في الحفاظ على مفردات بهجتها ونصاعتها لتبقى، مثلما حدث مع بعض نجوم الكوميديا الجدد، وغيرهم من نجوم السينما الشباب، طار بهم غرورهم ليحلّقوا ولكن في عتمة أحلامهم غير المكتملة، فاستيقظوا في منتصف الأحلام ليكتشفوا الحقيقة المرة أنهم أقنعوا أنفسهم بأنهم أقوى من الجمهور الذي صنع لهم مجدا مؤقتا.

أكد لنا مدحت العدل أن زمن أم كلثوم لم ينتهِ، أكد لنا أنه عندما تقرر أن تحلم بتقديم فن، اقرأ من حولك، لا تتابعهم من بعيد، انزل إليهم حيث يجلسون، حاورهم وتحدث معهم، خذ منهم الإجابات التي تساعدك على ملء كراستك بكل ما هو صحيح ومبتكر، لا بشخبطات لا يفهمها أحد.

هو يقول إن نجاح مسرحيته الاستعراضية "أم كلثوم" يكمن في اتباع "منهجية تفكير علمية" في اختيار أبطالها، وأنا أكمل السطر بأنها منهجية كتابة وتفكير في ما تحتاجه الساحة حاليا من فكر مبني على تراث عظيم ملأ الدنيا كلها بهجة.

منهجية اعتمدت على اختيار الأصوات الأنسب وليس الأفضل، وقبل كل هذا أن تحب أولا ما تريد أن تقدمه للناس. قد أختلف معه بأنها ذروة مسيرته أو أعماله الإبداعية، فكما يقول يوسف شاهين:

"الأفكار ليها أجنحة، ماحدش يقدر يمنعها توصل للناس، ولو جينا نتكلم عن المصريين فمش هنلاقي أكتر من الأفكار اللي بدأت هنا ولفت العالم، يمكن ده أصلًا سر حضارتنا، واللي انعكست في تراث غني مش شبه أي بلد تانية".

وغدا ستولد أفكار أخرى لها أجنحة تحلق ونحلق معك بها.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: