مصر .. واليوم التالي في غزة

25-10-2025 | 18:07

على مدى نحو ثمانية عقود لم تمر القضية الفلسطينية بمرحلة حاسمة، بل ومفصلية كما هي في هذه المرحلة التي تشهد تطورات مصيرية تتطلب كل فعل مخلص يحافظ على حقوق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.

وعلى مدار هذه العقود وفي قلب تلك التطورات الراهنة يأتي دور مصر المحوري والفريد حافظا لهذه القضية وحارسا لتلك الحقوق ومدافعًا عن هذا المصير رغم أنف المزايدين والحاقدين والمتاجرين.

كان المخطط الظاهر وليس الخفي تهجير السكان من غزة. وكانت المؤامرة المعلنة وليست السرية تصفية القضية الفلسطينية وإجهاض حلم الدولة. وهنا كان التحرك المصري حاضرًا والموقف فاعلًا والقرار مؤثرًا، فأفسدت مصر القوية المخطط وأجهضت المؤامرة. وهاهي مصر أيضا ترسم بحكمة القائد وثقل الدولة ومصداقية الدبلوماسية صورة اليوم التالي في غزة. صورة تتقاطع خطوطها وتتلاقى عند مرتكزات ومحددات واضحة المعالم والتفاصيل، لا تفرط في هدف تقرير المصير ولا مستهدف إقامة الدولة.

اليوم وكالأمس تقود مصر تحركات حكيمة لضمان عدم عودة الحرب على غزة وتنفيذ اتفاق شرم الشيخ بما يدعم السلام والاستقرار في المنطقة ويحافظ على حقوق الشعب الفلسطيني في العيش على أرضه بكرامة ويدعم حقه في إقامة دولته، وهو الدور الذي يحظى باحترام وتقدير من المجتمع الدولي الذي يعتبر مصر، وهي كذلك رمانة الميزان في المنطقة، وعلى العالم أن يسمع لصوتها ويصغي لرؤيتها في تحقيق الإستقرار والسلام بالمنطقة.

وقد تجلى هذا التقدير والاحترام في القمة التاريخية التي عقدت قبل أيام في بروكسل بين مصر والاتحاد الأوروبي بحضور الرئيس السيسي والتي شهدت إشادات ودعمًا لدور مصر في وقف الحرب على غزة، وكذا مخرجات قمة شرم الشيخ التي رسمت مسارًا جديدًا للسلام في المنطقة.

وكأن القدر قد أراد أن يرد اعتبار مصر ودورها الذي تعرض للتشكيك والمزايدة طوال شهور الحرب الإسرائيلية الوحشية على غزة، فجعل وقف هذه الحرب يتم بفضل دورها، وقرار السلام يصدر من أرضها ورسم مستقبل غزة واستقرارها ونهضتها بجهدها وبأيد مصرية وطنية مخلصة، وبتكليف وتوجيه من الرئيس السيسي الذي لم يدخر جهدا طوال العامين الماضيين لنصرة الشعب الفلسطيني والحفاظ على حقه.

ولا يخفى على أحد أن أكثر من ثمانين في المائة من المساعدات التي دخلت غزة كانت مصرية خالصة، وهاهي مصر تقود خطة إعمار غزة عبر الدعوة لأكبر مؤتمر دولي تستضيفه القاهرة الشهر المقبل لإعادة إعمار القطاع.

بالتزامن مع هذه الاستعدادات تقوم مصر بجهود خارقة لتثبيت وقف إطلاق النار وضمان التنفيذ الصارم لاتفاق السلام، وبالتوازي تسعى لدعم العمل الفلسطيني المشترك والذي يحقق وحدة الكلمة الفلسطينية وقطع الطريق أمام إسرائيل في إيجاد أي ذريعة للعودة للحرب.

ولعل الجهود التي يقوم بها اللواء حسن رشاد رئيس المخابرات المصرية، سواء تلك التي قام بها في إسرائيل قبل أيام ولقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والمبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، وكذا لقاءاته مع ممثلي السلطة الفلسطينية والفصائل بالقاهرة، تؤكد الدور المصري وسعيه نحو تحريك مسار السلام في المنطقة وتحقيق مستهدفات إعمار غزة ووقف معاناة الشعب الفلسطيني الذي يعاني ويلات الحرب والإبادة منذ عامين.

يقينًا أن القضية الفلسطينية في مفترق طرق، وتتطلب من الفلسطينيين كل تحرك وطني مسئول يحافظ على أمن ومستقبل الشعب ولا يفرط في حقوقه. أما الانزلاق نحو انقسامات فصائلية أو معارك حزبية زائفة أو منازعات شخصية ضيقة لن يخدم القضية الفلسطينية في هذا التوقيت الحرج الذي تمر به.

يقينًا أن طريق السلام مع إسرائيل ليس سهلا ولا مسار الاستقرار في المنطقة معبدًا، في ظل جناح حاكم في إسرائيل لا يؤمن إلا بالاستعمار والتوسع مدفوعا بأكاذيب وأوهام تلمودية وأفكار صهيونية، إلا أن رهان مصر التي آمنت بالسلام ووقعت أول اتفاقية مع إسرائيل للسلام سيظل هو خيارها الإستراتيجي لضمان أمن واستقرار المنطقة.

ولعل ذلك كان مصدر ثقة من الإدارة الأمريكية ومن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نفسه الذي استمع بتقدير واحترام لمصر وقيادتها السياسية ووقف معها في الصف لدعم خيار السلام وإلزام إسرائيل بتنفيذ اتفاق شرم الشيخ. ورأينا كيف لم يمر يوم خلال الأسبوع الماضي حتى يصل مسئول رفيع المستوي من واشنطن إلى إسرائيل لمتابعة التزامها بالاتفاق سواء بزيارة نائب الرئيس الأمريكي، ثم وزير خارجيته وقبلهما مبعوثي الرئيس، في إشارة تعكس حرص واشنطن على إنجاح مسار السلام الذي وضعته مصر في مواجهة وحشية إسرائيل لترسم به صورة اليوم التالي في غزة بل والمنطقة.

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة