الجارديان: سباق أمريكي صيني على ثروات قاع المحيط الهادئ يثير مخاوف بيئية وجيوسياسية

25-10-2025 | 16:56
الجارديان سباق أمريكي صيني على ثروات قاع المحيط الهادئ يثير مخاوف بيئية وجيوسياسيةقاع المحيط
أ ش أ

سلطت صحيفة (الجارديان) البريطانية الضوء على الصخور الداكنة الغنية بالمعادن النادرة التي تنتشر في أعماق المحيط الهادئ مثل النيكل والكوبالت والمنجنيز؛ حيث أصبحت هذه العُقيدات البحرية محور سباق اقتصادي عالمي لتأمين موارد أساسية لصناعة البطاريات والطاقة النظيفة، وسط جدل متزايد حول كلفتها البيئية ومستقبل التعدين في أعماق البحار.

موضوعات مقترحة

وفي جزر كوك، الدولة الصغيرة الواقعة في المنتصف بين هاواي ونيوزيلندا، تعمل سفن الاستكشاف على رسم خرائط لقاع البحر الغني بالمعادن، وسط تنافس محموم بين الولايات المتحدة والصين اللتين تسعيان لاستغلال هذه الثروات الطبيعية، مما يفتح فصلاً جديداً من الصراع الاستراتيجي بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم.

وتقول المحللة الجيوسياسية جوسلين تراينر من شركة "تيرا جلوبال إنسايتس" إن "القوتين العظمتين تتسابقان للوصول إلى قاع البحر، سواء لتكونا أول من يطور أو ينتج أو يضع قدمه فعلياً هناك".

وتحتوي هذه العُقيدات المعدنية، وهي كرات سوداء مشوهة الشكل مغطاة بمعادن ثمينة مثل الكوبالت والنيكل والمنغنيز، على مكونات أساسية لصناعة البطاريات وتقنيات الطاقة النظيفة والذكاء الاصطناعي.

ومع تزايد الطلب العالمي على هذه المعادن الحيوية وتراجع الاحتياطيات البرية، خصوصاً في ظل سيطرة الصين على معظم سلاسل التوريد، تحول الاهتمام إلى أعماق المحيط، لكن التعدين في قاع البحر لم يبدأ بعد في أي مكان في العالم بسبب المخاوف البيئية، إذ طالبت أكثر من 38 دولة بفرض وقف مؤقت على هذه الأنشطة إلى حين تقييم آثارها على النظم البيئية البحرية.

ورغم الجدل البيئي، برزت منطقة المحيط الهادئ كأحد أهم مواقع المنافسة، وتحديداً جزر كوك، التي تمتلك واحداً من أكبر المسطحات البحرية في المنطقة، ورغم أن القانون المحلي يحظر التعدين البحري حالياً، فإن الحكومة تدرس إمكانية تطوير مواردها تحت الماء تجارياً بعد استكمال الدراسات الفنية والبيئية اللازمة، مؤكدة أنها لن تبدأ في الاستخراج إلا بعد توفر أساس علمي واضح.

وفي أبريل الماضي، وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمراً تنفيذياً مثيراً للجدل يقضي بتسريع أنشطة التعدين في قاع البحر داخل المياه الأمريكية والدولية، وبدأت هذا الشهر سفينة أبحاث أمريكية بجمع البيانات ورسم خرائط للأقاليم البحرية التابعة لجزر كوك، مع تقديم دعم فني بقيمة 250 ألف دولار لبناء القدرات المحلية وجذب الاستثمارات للقطاع.

وأكدت وزارة الخارجية الأمريكية ، في بيان ، أن واشنطن "تدعم تطوير العلوم التي تساعد على تنظيم أنشطة استخراج المعادن من قاع البحر بطريقة مسؤولة في المحيط الهادئ".

في المقابل، أبرمت الصين في وقت سابق من العام اتفاقاً مع جزر كوك للتعاون في تطوير أبحاث ومعادن قاع البحر، شمل إنشاء "لجنة مشتركة" للإشراف على هذه الجهود، وبذلك أصبحت بكين تمتلك أكبر عدد من تراخيص الاستكشاف في المياه الدولية على مستوى العالم، وتدرس حالياً التعاون مع دولة كيريباس المجاورة لاستكشاف مواردها البحرية أيضاً.

كما منحت حكومة جزر كوك ثلاث رخص استكشاف، اثنتان منها لشركات أمريكية والثالثة مملوكة للدولة نفسها؛ أما على نطاق أوسع، فتُعد منطقة "كلاريون-كليبرتون" الواقعة بين هاواي والمكسيك من أهم المناطق التي يتنافس فيها الأمريكيون والصينيون نظراً لغناها بالمعادن النادرة.

غير أن النشاط يظل مثيراً للانقسام، فالعلماء يحذرون من أضرار "هائلة ودائمة" قد تلحق بالنظم البيئية في أعماق المحيط نتيجة عمليات التعدين، بسبب الضجيج والاهتزازات والسحب الترابية الملوثة والضوء الصناعي، وهو ما قد يؤثر على الكائنات البحرية الهشة.

وقال دوجلاس ماكولي، أستاذ علوم المحيطات بجامعة كاليفورنيا، إن التعدين المقترح "سيحدث في أكثر النظم البيئية هشاشة على كوكب الأرض"، محذراً من أخطار تصريف مياه النفايات إلى البحر بعد استخراج المعادن.

وفي الوقت الذي تؤكد فيه الصين أن تعاونها مع جزر كوك "يحترم روح القانون الدولي ومبادئ اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار"، ترفض الولايات المتحدة الانضمام إلى هذه الاتفاقية رغم أنها توجه وكالاتها لتسريع التعدين في المياه الدولية، وهو ما عرضها لانتقادات واسعة من الصين ودول أخرى.

وحذر ماكولي من أن "السباق الجيوسياسي على المعادن الحيوية قد يفتح الباب أمام عصر جديد من الاستغلال غير المنظم"، واصفاً الوضع بأنه "فتح خطير لصندوق باندورا".

وفي جزر كوك نفسها، لا يزال الجدل محتدماً فبينما يرى البعض أن التعدين البحري يشكل خطراً على البيئة البحرية، يعتبره آخرون فرصة آمنة للتنمية الاقتصادية، وقال إدوارد هيرمان من "هيئة معادن قاع البحر" الحكومية إن بلاده "تتعاون حالياً فقط في أبحاث علمية بحرية لفهم المحيط بشكل أفضل" مع كل من الصين والولايات المتحدة.

أما ألانا ماتامارو سميث، مديرة جمعية "تي إيبوكاريا" البيئية في جزر كوك، فقد دعت إلى رقابة مستقلة على الأبحاث البيئية، محذرة من أن الدراسات الحالية "تتم بتمويل وتوجيه من نفس الشركات والقوى الأجنبية التي تسعى لاحقاً للاستفادة من التعدين".

وقالت سميث: "في النهاية، الأبحاث ما زالت تطور من قبل شركات التعدين نفسها، كما نعتمد على الصين والولايات المتحدة لتوفير البيانات"، مضيفة بقلق: "بينما تدور القوى العظمى حولنا، نخشى أن تضيع أولوياتنا الصغيرة وسط ضجيج هذا السباق العالمي.. نحن مجرد جزر كوك الصغيرة أمام عمالقة العالم".

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة