مال الزوجةِ يُشعل الخلافاتَ في بعض البيوتِ ويُهدِّدُ نجاح الزواجِ. فقبل خروج المرأةِ للعملِ كان ميراثُ السيداتِ يتسبَّبُ أحيانًا في مشكلاتٍ زوجيةٍ.
نتمنَّى الاتفاقَ -بوضوحٍ وبلطفٍ- قبل الزواجِ على المسائلِ الماديةِ للفوزِ بزواجٍ سعيدٍ؛ فالمالُ وسيلةٌ وليسَ هدفًا وخادمٌ لدينا، كما أننا لسنا "عبيدًا" له.
نود الانتباهَ قبل الزواجِ وبعدَهُ لمؤشِّراتِ الطمعِ؛ فقد أخبرتني زوجةٌ أنَّ زوجَها كان يأخذُ سيارتَها أثناء الخطوبةِ ويُعيدُها بلا بنزينَ، فهذهِ علامةٌ واضحةٌ. وأخرى تقول: أولُ سؤالٍ سألهُ لي زوجي عندما تقدَّم لخطبتي: كم يبلغُ راتبُك؟ وثالثةٌ رفضَ زوجُها إحضار مُصوِّرٍ فوتوغرافيٍّ في الخطبةِ؛ فتكفَّلتْ هي بذلكَ؛ لأنها كانت تُريدُ الفرحَ بالصُّورِ.
وأتمنَّى ألَّا نخدعَ أنفسَنا بتجاهلِ هذهِ المؤشِّراتِ؛ بسببِ رغبتِنا في الزواجِ وخوفِنا من تأخُّرِهِ. فقد ترى البنتُ مزايا أخرى لدى الزوجِ؛ فتتجاهلُ الطمعَ وتتوهَّمُ بأنَّه غيرُ مهمٍّ أو سيتغيَّرُ أو ستقومُ بتغييرِهِ، أو أنَّ الزمنَ كفيلٌ بتغييرِهِ. فإذا سألها في أولِ لقاءٍ عن مرتبِها فلا بدَّ أن تقلقَ.
ونهمسُ بوُدٍّ واحترامٍ: إذا قبلتِ قبلَ الزواجِ فلا تُعذِّبي نفسَكِ بعدَ الزواجِ، فجميعُنا لدينا عيوبٌ فلسنا ملائكةً، وركِّزي على مكاسبِكِ من الزواجِ لتُسعدي نفسَكِ أوَّلًا، ثمَّ لتُحاصري الطمعَ في أضيقِ نطاقٍ ممكنٍ.
ماذا ستفعلينَ بمالِكِ؟ سألتُ زوجاتٍ هذا السؤالَ، وكانتِ الإجابةُ: أدَّخرُهُ لأستطيعَ العيشَ وحدي إذا تركني وتزوَّجَ غيري. وقالتْ زوجةٌ بغضبٍ أنَّ زوجَها سيشتري سيارةً ويكتبُها باسمِهِ، وبيتَ الزوجيةِ أيضًا باسمِهِ، فسألتُها: هل سيقومُ بالدفعِ "وحدَهُ"؟ فردتْ بالإيجابِ، وأضافتْ: وهكذا يمكنُهُ أن يتزوَّجَ بأخرى. فسألتُها: هل الضمانُ الوحيدُ لكِ بأنَّه لن يتزوَّجَ بأخرى ألَّا يكونَ لدى زوجِكِ ممتلكاتٌ باسمِهِ؟
يؤلمني أن تعيشَ الزوجةُ وهي تفتقدُ الأمانَ "وتحتمي" بالمالِ، وأتساءلُ: هل مِنَ المناسبِ أن يكونَ لدى الزوجةِ أموالٌ تدَّخرُها، وبيتُها ينقصُهُ الكثيرُ، وأولادُها يعيشونَ حياةً جافَّةً بلا تحقيقٍ لمُتطلَّباتِهم الضروريةِ، والتي لا يستطيعُ والدُهم تحقيقَها وحدَهُ "بسببِ" الغلاءِ، ولعدمِ إمكانيةِ عثورِهِ على عملٍ إضافيٍّ وسطَ تزايدِ مُعدَّلاتِ البطالةِ؟ هل يمكنُ أن تقبلَ الزوجةُ بذلكَ وهي تدَّخرُ مالَها لخوفِها من غدرِ الزوجِ؟! نتساءلُ: هل مِنَ المناسبِ أن يكونَ لدى الزوجةِ أموالٌ تدَّخرُها وبيتُها ينقصُهُ الكثيرُ؟!
نعرفُ الكثيراتِ ممَّن يخترنَ المالَ، ويعشنَ الجفافَ هنَّ وأولادُهنَّ، ويُعلِّمنَ الأبناءَ البخلَ، وأنَّ المالَ أهمُّ ما في الحياةِ، ويشعرونَ بالاحتياجِ الماديِّ رغمَ توافرِ المالِ مع الأمَّهاتِ، وبعدَ وفاتِهنَّ يقومُ الأولادُ ببعثرةِ المالِ لتعويضِ أنفسِهم عن الجفافِ، أو يُبالغونَ في التقتيرِ على النفسِ.. فيخسرُ الجميعُ.
لا نُشجِّعُ إنفاقَ الزوجةِ كلَّ أموالِها على الأسرةِ، وألَّا تدَّخرَ شيئًا لنفسِها. ونُوصي كلَّ زوجةٍ -حتَّى لو كانَ دخلُها قليلًا- بادِّخارِ جزءٍ من دخلِها لنفسِها، وآخرَ للاهتمامِ بمظهرِها وجمالِها داخلَ البيتِ وخارجَهُ. والادِّخارُ ليسَ للتأمينِ ضدَّ غدرِ الزوجِ، ولكنْ لتشعرَ الزوجةُ "بالرضا"؛ لاحتفاظِها لنفسِها بجزءٍ مِن راتبِها. والإحساسُ بالرضا ضروريٌّ؛ فالزواجُ لن ينجحَ إلَّا إذا شعرَ الزوجانِ بالرضا. لا نُحبُّ ادِّخارَ الزوجةِ لتؤمِّنَ نفسَها إذا تركَها زوجُها؛ فالأفضلُ معاملتُهُ بلطفٍ وأنوثةٍ ليتمسَّكَ بها، "ويكرهَ" الابتعادَ عنها. مع ملاحظةِ أنَّ هناكَ بعضًا ممَّن تأخَّرنَ في الزواجِ، وبعضَ المطلَّقاتِ والأراملِ يُرحِّبنَ بتقديمِ تنازلاتٍ ماديةٍ هائلةٍ للزواجِ من رجلٍ مُتزوِّجٍ.
تبدأُ النيرانُ مِن شراراتٍ صغيرةٍ؛ فلنتنبَّهْ لبداياتِ الخلافاتِ الماديةِ بينَ الزوجينِ، والتي تُترجِمُ الخللَ الذي أصابَ علاقَتَهُما، فلن تتدهورَ العلاقاتُ الماديةُ بينَ زوجينِ مُتحابَّينِ "يتبادلانِ" الحبَّ والاحترامَ. فإذا ساءتِ التعاملاتُ الماديةُ؛ فقد يكونُ أحدُهما طامعًا في الآخرِ، أو يفتقدُ الأمانَ، ويخافُ غدرَ شريكِهِ أو ندمَ على اختيارِهِ. فعندما تقرِّرُ الزوجةُ التقتيرَ وتقليلَ مساهمتِها الماديةِ، ويختارُ الزوجُ مُضايقةَ زوجتِهِ بالامتناعِ عن تلبيةِ مُتطلَّباتِها، ويُضيِّقُ على أسرتِهِ في الأمورِ الأساسيةِ رغمَ قدرتِهِ الماديةِ، فلا بدَّ مِن التوقُّفِ وتهدئةِ النفسِ أوَّلًا، ثمَّ مُعالجةِ المشكلةِ بذكاءٍ، وتجنُّبِ الحِدَّةِ والإهاناتِ؛ فهي تزيدُ الاشتعالَ ولا تُطفئُ الحرائقَ. فإذا تعرَّضْنا للكحَّةِ فهذا مُؤشِّرٌ للإصابةِ بالبردِ أو الحساسيةِ، والصُّراخُ سيزيدُ الاحتقانَ، فيجبُ مُعالجةُ المرضِ وعدمُ التوقُّفِ عندَ الكحَّةِ لمنعِ المُضاعفاتِ.
قد يطلبُ الزوجُ مِن زوجتِهِ مُساعدتَها الماديةَ؛ سواءً مِن راتبِها أو ميراثِها للمشاركةِ في مشروعٍ يُقيمهُ، أو للمساهمةِ في شراءِ منزلٍ أو سيَّارةٍ، ويجبُ أن تتمهَّلَ قبلَ الموافقةِ أو الرفضِ. ونرفضُ قولَ إنَّ الزوجةَ مُطالبةٌ بالمشاركةِ؛ فالعلاقةُ الماديةُ ترجمةٌ للعلاقةِ الحقيقيةِ بينَ الزوجينِ. فإذا كانت تفاصيلُ الحياةِ اليوميةِ تسيرُ بصورةٍ جيِّدةٍ؛ فلنطمئنْ للتعاملِ الماديِّ، ولتُحفظِ الحقوقُ بلطفٍ ودونَ كلامٍ جارحٍ؛ سواءً وافقتْ أم رفضتْ. وإذا اشترى الزوجانِ سيَّارةً أو منزلًا بأموالِهما سويًّا؛ فليتمَّ التعاملُ بذكاءٍ ولطفٍ تامٍّ، وليُكتبْ هذا الشيءُ باسمَيْهِما معًا.
نرفضُ طمعَ الزوجِ في راتبِ الزوجةِ أو فرضِ المشاركةِ عليها، كما نرفضُ أنَّ زوجةً تتزوَّجُ رجلًا لثرائِهِ فقط؛ فلن ينجحَ زواجٌ نشأَ على الطمعِ.. لا بدَّ من التعاملِ "بحكمةٍ" مع الخلافاتِ الماديةِ التي لا بدَّ أن تحدثَ أحيانًا، وطردِ تصعيدِها واحتوائِها بذكاءٍ، وعدمِ إخبارِ الأهلِ والأصدقاءِ عنها؛ لإغلاقِ أبوابِ التحريضِ.