دور مصر الرائد صمام أمان القضية الفلسطينية

25-10-2025 | 12:44

على الرغمِ من تخاذُلِ البعضِ عن مساندةِ ودعمِ القضيةِ الفلسطينيَّةِ، وعلى الرغمِ ممَّا تعرَّضتْ له مصرُ من افتراءاتٍ من بعضِ الكارهينَ لها والحاقدينَ عليها، إلَّا أنَّ مصرَ شعبًا وقيادةً لم تتأخَّرْ يومًا عن نُصرةِ ودعمِ ومساندةِ القضيةِ الفلسطينيَّةِ، على اعتبارِ أنَّها قضيةٌ وجوديَّةٌ لا قضيةٌ حدوديَّةٌ فقط.

وإنَّما قضيةُ دفاعٍ عن حقٍّ مشروعٍ للشعبِ الفلسطينيِّ، حقٌّ اغتُصِبَ بليلٍ بهيمٍ وفي غفلةٍ من الزمانِ، ولكنَّ مصرَ الرائدة، راعيةَ السلامِ، فهي بوابةُ السلامِ لكلِّ العالمِ، ضربتْ بكلِّ هذه الافتراءاتِ عرضَ الحائطِ، وعبَّرتْ بصورةٍ عمليَّةٍ عن دعمِها للقضيةِ الفلسطينيَّةِ بما لا يدعُ مجالًا لشَكِّ شاكٍ في فاعليَّةِ دورِها وإيجابيَّةِ دبلوماسيَّتِها وأجهزةِ مخابراتِها في إبرامِ الاتفاقيَّاتِ بينَ الجانبينِ الفلسطينيِّ والإسرائيليِّ، بل ولم تكتفِ بهذا فقط، بل وفي رحلاتٍ مكوكيةٍ شرقًا وغربًا راحتْ مصرُ تحشدُ الحشودَ الدوليَّةَ للاعترافِ بالدولةِ الفلسطينيَّةِ.

وعلى الرغمِ من أنَّ الدورَ المصريَّ الفاعلَ والداعمَ للقضيةِ الفلسطينيَّةِ لم يكنْ مُستحدَثًا ومقصورًا على ما حدثَ بعدَ السابعِ من أكتوبرَ من العامِ 2023م، وإنَّما دورُها رئيسيٌّ ومحوريٌّ منذُ أن دنَّسَتْ أقدامُ هؤلاءِ الملاعينَ الأراضيَ المقدَّسةَ منذُ وعدِ بلفورَ المشئومِ، ولم تتوقَّفِ المسانداتُ أبدًا ولن تتوقَّفَ حتَّى يتحقَّقَ المطلوبُ: إقامةُ دولةٍ فلسطينيَّةٍ مستقلَّةٍ عاصمتُها القدسُ الشرقيَّةُ.

لكنْ وإحقاقًا للحقِّ، فإنَّ دورَها هذه المرَّةَ كان مختلفًا عن كلِّ المراتِ السابقةِ، لماذا؟! لأنَّ اللعبَ باتَ على المكشوفِ، فلم تكنْ هذه المرَّةَ حربًا ستنتهي باستشهادِ عددٍ من أهلِ غزَّةَ أو هدمِ عددٍ من المنازلِ وينتهي الأمرُ، لكنْ وضَحَ المخطَّطُ جليًّا وكشفتْهُ الأجهزةُ المصريَّةُ، فالمخطَّطُ تقسيمِيٌّ، تهجيريٌّ، لن يطالَ غزَّةَ فقط وإنَّما سيمتدُّ إلى غزَّةَ وما حولها، وظهرَ ذلك جليًّا في خطاباتِ الداعمينَ للاحتلالِ والموالينَ لهم، فما كانَ ينبغي السكوتُ عن هذه المهزلةِ.

وهنا ظهرَ الثقلُ السياسيُّ والعسكريُّ والمخابراتيُّ لمصرَ، ممَّا جعلَ العدوَّ يتراجعُ عن مخطَّطِه، وممَّا دفعَ ترامب أن يقدِّمَ خطَّةً لإنهاءِ الحربِ على غزَّةَ. وبدأَ الدورُ المصريُّ يتجلَّى في أبهى صُوَرِه عندما استضافَ وفدَ حماسَ وإسرائيلَ في شرمِ الشيخِ وتمَّ الاتفاقُ على بنودِ الخطةِ الأمريكيةِ.

وراحتْ مصرُ تدعو العالمَ إلى قمَّةِ السلامِ في شرمِ الشيخِ، وشهدَ العالمُ روعةَ مصرَ وعظمتَها في تنظيمِ هذا المؤتمرِ العالميِّ، وتمَّ التوقيعُ على بنودِ هذه الخطةِ.

ولم يقتصرِ الأمرُ عندَ هذا الحدِّ، فقد قامَ وفدٌ مخابراتيٌّ مصريٌّ رفيعُ المستوى بالذهابِ إلى تلِّ أبيبَ لتثبيتِ وقفِ إطلاقِ النارِ بعدما لاحتْ في الأفقِ بعضُ الخروقاتِ من الجانبِ الإسرائيلي، وبعدَ هذه الزيارةِ الموفَّقةِ بدأَ تبادلُ الأسرى الصهاينةِ والمعتقلينَ السياسيينَ الفلسطينيينَ.

وبعدَ ما تعنَّتَتْ تلُّ أبيبَ في عدمِ فتحِ المعابرِ، بعدَ هذه الزيارةِ فُتِحَتِ المعابرُ على مصراعيها من الجانبينِ، وهنا راحتِ المساعداتُ الإنسانيَّةُ المصريَّةُ وأعي ما أقولُ، "المصريةُ المصريةُ".

والتي بلغتْ أكثرَ من ثمانينَ بالمائةِ ممَّا يدخلُ إلى غزَّةَ، وقد شاهدنا الشاحناتِ المصريَّةَ العملاقةَ تدخلُ إلى باحاتِ وساحاتِ غزَّةَ الرئيسيَّةِ تحملُ الأعلامَ المصريَّةَ، وفوقَ ظهورِها أهلُ غزَّةَ يهتفون باسمِ مصرَ الغاليةِ. نعم وشاهدي على ذلكَ دعواتُ بيتِ زكاةِ المسلمينَ الذي يُشرِفُ عليهِ الأزهرُ الشريفُ ومؤسَّساتُ مصرَ الخيريَّةُ.

ليسَ هذا فحسبُ بل ظهرَ الدعمُ المصريُّ لغزَّةَ، في الدعوةِ الرئاسيَّةِ المباركةِ للتبرُّعِ لإعمارِ غزَّةَ وتكليفِ الرئيسِ للحكومةِ بالتوافُقِ على آليَّةٍ معيَّنةٍ لدعمِ غزَّةَ وإعمارِها، ولكنَّ السؤالَ هل توقَّفَ الدورُ المصريُّ عندَ هذا الحدِّ؟!

لا، لم ولن يتوقَّفَ دورُ مصر، ظهرَ ذلكَ في زيارتِهِ التاريخيَّةِ التي قامَ بها رجلُ السلامِ، وهذا اللقبُ ليسَ من عندِيَّاتِي، وإنَّما هذا ما لقَّبَهُ به الاتحادُ الأوروبيُّ، زيارةُ الرئيسِ عبدِالفتاحِ السيسيِّ للاتحادِ الأوروبيِّ، ويا لها من زيارةٍ استشعرْنا معها بالفخرِ والافتخارِ عندما شاهدنا مقرَّ الاتحادِ الأوروبيِّ في بروكسيلَ ببلجيكا يتزيَّنُ بالأعلامِ المصريَّةِ.

شاهدنا هتافَ الجالياتِ المصريَّةِ باسمِ مصرَ، ووقوفَ جميعِ من كانَ حاضرًا تحيَّةَ تقديرٍ وإجلالٍ لفخامةِ الرئيسِ الذي هو في الأساسِ فخرٌ لمصرَنا الغاليةِ.

إنَّ هذه الزيارةَ على الرغمِ من أهميتِها في تدعيمِ الشراكةِ المصريَّةِ الأوروبيَّةِ وإبرامِ الاتفاقيَّاتِ سواءً السياسيَّةِ أو الاقتصاديَّةِ أو العلمية.

إلَّا أنَّ هذه الزيارةَ لها مغزًى آخرُ، خلافَ ما هو مُعلَنٌ، هذا المغزى، إبرازُ الدورِ المصريِّ الفاعلِ في القضيةِ الفلسطينيَّةِ، ودورُها الرئيسُ في وقفِ إطلاقِ النارِ في غزَّةَ، ودورُها المهمُّ في ريادةِ الأمَّةِ العربيَّةِ والإسلاميَّةِ، ظهرَ ذلكَ في حفاوةِ استقبالِ ملكِ بلجيكا بفخامةِ الرئيسِ والوفدِ المرافقِ لسيادتِهِ.

إنَّ مصرَ لا يمكنُ بحالٍ من الأحوالِ أن يُزايَدَ على دورِها الرئيسِ في دعمِ القضيةِ الفلسطينيَّةِ، لماذا؟! لأنَّ القضيةَ الفلسطينيَّةَ ليستْ قضيةَ فلسطينَ فحسب، وإنَّما قضيةُ كلِّ عربيٍّ غيورٍ على عُروبتِهِ، قضيةُ كلِّ مسلمٍ غيورٍ على إسلامِهِ وعلى مقدَّساتِهِ الإسلاميَّةِ وحُرمتِها وأهمُّها المسجدُ الأقصى المباركُ.

* أستاذُ الفلسفةِ بآدابِ حلوانَ

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: