هناك لحظات من الصعب تجاوزها في حياة كل منا، ليس فقط لصعوبة استيعابها وقت حدوثها ولكن لارتباطها بتساؤل هام.. كيف سنكمل الحياة بعد هذه اللحظات الفارقة؟.
موضوعات مقترحة
يعود المخرج نمير عبد المسيح بفيلمه «الحياة بعد سهام» إلى تقديم تجربة سينمائية شاعرية بعد أن توقف على مدار أكثر من عشر سنوات منذ تقديمه لفيلمه الأول «العذراء والأقباط وأنا»، ليقدم لنا سردًا بصريًا وشاعريًا عميقًا يفتح ذكريات وآلم الفقد بعد رحيل والدته التي كشف في حواره مع «بوابة الأهرام» عن آلم فقده لها وكيف كان الفيلم الذي استمر في صناعته على مدار عشر سنوات بمثابة رحلة للتعافي.
وبعد فوزه بثلاث جوائز ضمن فعاليات ختام الدورة الثامنة لمهرجان الجونة السينمائي "نجمة الجونة الفضية للفيلم الوثائقي، ونجمة الجونة لأفضل فيلم وثائقي عربي، جائزة CINEGOUNA EMERGE EU لأفضل فيلم وثائقي طويل"، يتحدث نمير عبد المسيح عن كواليس التجربة وصناعة الأفلام الوثائقية، وكيف قاوم احباطات توقف المشروع إنتاجيًا أكثر من مرة، واستخدامه لمشاهد من سينما يوسف شاهين، وغيرها في التفاصيل في السطور التالية...
نمير عبد المسيح: حضرت «الحياة بعد سهام» خلال عشر سنوات
يؤكد عبد المسيح في حواره، أنه خلال التحضير لفيلمه الذي آخذ في تنفيذه عشر سنوات لم يكن في عقله فكرة معينة يستهدفها ولكن كان يشعر أنه بحاجة إلى التصوير، ويضيف:«صدمتي بعد وفاة أمي كانت كبيرة ومؤلمة، ولم استطع تحملها وكنت أريد الخروج من هذا التأزم، فالفيلم انقذني؛ لأنه حماني من الآلم وجعلني لا أركز على ما يحدث لي، ولكن ماذا سأقدم؟».
وعلى مدار هذه السنوات قمت بتصوير العديد من المواد، وحينها تساءلت: هل تصلح لتكون فيلما أم لا؟، وبعد أن شاهدتها قولت لنفسي «لا تصلح»؛ لأنها أشياء مؤلمة جدًا، لن يستطيع أحد تحمل رؤيتها، فلا يوجد أحد يريد أن يرى مشهد لجنازة وغيرها من المشاهد المؤلمة، إلى أن شاهد مونتير الفيلم هذه المواد، وقال لي: إنها تصلح بشرط أن تعمل مع منتج وسيناريست لتحويلها لفيلم؛ لأنها تحمل مشاهد قوية.
مخرج «الحياة بعد سهام»: فيلمي كان علاج نفسي لي بعد فقدان أمي
«كلنا بحاجة لمثل هذه النوعية من الأفلام» هكذا يؤكد نمير في حديثه، مؤكدًا على أهمية تقديم مثل هذه النوعية من الأفلام التي تخاطب مشاعرنا، وقال:«عشت فترة صعبة جدًا، وشعرت أني أجيد فكرة الحكي، وأنه من الهام أن أفعل ذلك، واعتبرت الفيلم علاج لنفسي يساعدني حتى أعي وأفهم، وأي شخص لديه قدرة على حكي مشاعره وقصته بصدق لابد أن يفعل ذلك فدائمًا ما نعتقد أنه غير هام هي تلك الأمور التي نرفض الحديث عنها».
ويواصل حديثه:«والدي عندما توفت والدتي كان لديه غضب كبير منها؛ لأنها تركته بمفرده، لأنه كان متأكدًا أنه سيموت قبلها، وهذه مشاعر إنسانية شديدة الخصوصية، كلما عبرنا عنها، كلما تفاعل معها الجمهور وشعر أنها تلامس مشاعره وتفاصيل حياته التي لا يستطيع التعبير عنها».
نمير عبد المسيح يحصد 3 جوائز بمهرجان الجونة السينمائي
نمير عبد المسيح: أفضل قرارات اتخذتها في هذا الفيلم كنت وأنا محبط
يروي عبد المسيح كيف كانت رحلة فيلمه التي امتدت على مدار عشر سنوات، بما ورد فيها من إحباطات حتى خروج التجربة إلى النور، ويقول:«خبرتي في السينما على طول فيه «صعود وهبوط» والحقيقة أن ما يحدث من إحباطات في بعض الأحيان هو أفضل شىء، والحقيقة أن أكبر قرارات حصلت عليها في هذا الفيلم كانت في تلك المرحلة، وهو ماجعلني أصل لفكرة الفيلم، وحدث هذا معي هنا أكثر من مرة.
ثم يكمل قائلاً:«دعيني أقل لك أن المركز الفرنسي لتمويل السينما، رفض الفيلم 3 مرات، وفي المرة الأخيرة أُصبت بالإحباط، نمت واستيقظت، وقولت لنفسي: أنا هعمل الفيلم، ولكن لأننا ليس لدينا ميزانية كبيرة، قررت أصور يوم واحد بشرط اختيار حدث واحد اتحدث عنه؛ ولذلك قررت التصوير مع بابا في المستشفى، وفي هذه الفترة في مرحلة المونتاج تعرضت اإحباطات كثيرة، ولا يوجد شىء في الحياة أو حتى خلال صناعتنا للأفلام من غير إحباطات ولكنها فقط تبقى وسيلة للتعلم».
نمير عبد المسيح: فيلمي كان هديتي لأمي.. وفرصة لتوديع والدي
«أكثر شىء فهمته خلال تنفيذي لهذا الفيلم، أن الحياة يمكن تكررها مرة ثانية، وهذا ما حدث لي».. بهذه العبارة يؤكد عبد المسيح أنه بعد وفاة والدته عمل على هذا الفيلم؛ لأنه لم يلحق بتوديع والدته، لذلك أعتبر أن فيلمه هدية لها، منوهًا أنه في نفس الوقت أدرك أن والده سوف يموت، وقال:«هنا عرفت أن لدي فرصة حقيقية، لكي أودع والدي لأني فهمت ماذا سيحدث في المستقبل وتقبلته، وهو ما ترتب عليه تغيير علاقتي مع أبويا، وما لم استطع تنفيذه مع أمي نفذته مع والدي، والأشخاص الذين نحبهم سيرحلون، لكن الحب الموجود مننا هيكون موجود على طول، وحسيت إننا لابد أن نودع من نحبهم، وياريت لو نقدر نقولهم إننا بنحبهم وهما عايشين».
كيف تعامل نمير عبد المسيح مع المشاهد المؤلمة بفيلمه «الحياة بعد سهام»؟
«مشهد المقابر بالنسبة لي مضحك».. هكذا يتحدث مخرج «الحياة بعد سهام»، مؤكدا أنه لم يشعر بقتامة مشاهد معينة في هذا الفيلم، مشيرًا إلى أن الحياة بها «كوميديا سوداء» طوال الوقت وقال:«هناك كثير من المفارقات في تصوير هذا الفيلم، منها فكرة الغاء طيارة المصور الذي طلبت حضوره لتصوير جنازة أمي، والذي كان رافضًا للتصوير، لكنه حضر بالفعل، أو عدم وجود ختم يوضع على نعش أمي، واضطر المسئول في المقابل لاستبداله باتنين يورو، وبعدها كان يريد آخذهم مرة ثانية لكنهم لم يخرجوا من النعش، وهذا أضحكني جدًا؛ لأن أمي كانت ماسكة الحسابات ومهتمة بالأموال، وحينها قُلت لنفسي أن والدتي كسبت فلوس حتى وهي متوفية؛ لذلك تمتلىء حياتنا بالكوميديا السوداء دائمًا».
نمير عبد المسيح: فيلمي عن الحياة وليس الموت
سألت مخرج فيلم «الحياة بعد سهام» عن ردود الفعل من الجمهور بعد عرضه في مهرجان الجونة السينمائي، حيث يتخوف البعض من فكرة مشاهدة عمل عن آلم الفقد حتى لا يتأذى نفسيًا، وهنا يقول نمير:«احساسي أنه فيلم يستحضر مشاعر الراحة، وفيلمي عن الحياة وليس الموت، وبالفعل سمعت أن البعض خائفًا من فكرة مشاهدة الفيلم لأنهم خايفين يبكوا، والحقيقة ليس لدي حل لهذا الأمر، غير أنهم يشاهدوا الفيلم؛ لأنه يجعلنا نحب الحياة أكتر».
نمير عبد المسيح يحصد 3 جوائز بمهرجان الجونة السينمائي
نمير عبد المسيح: تأخري في العودة إلى السينما سببه مرافقتي لوالدتي خلال إصابتها بالسرطان
يتحدث مخرج «الحياة بعد سهام» عن سبب الغياب الطويل بين تنفيذ مشروع فيلمه الأول والأخير لمدة 13 عاما، وهنا يوضح نمير أنه بعد نجاح فيلمه الأول في مهرجان كان، اكتشف إصابة والدته بمرض الكنسر، ويضيف:«كان مفروض ماما تتوفى بعد شهرين ثلاثة، لكنها كانت متمسكة بالحياة قعدت أربع سنين، وخلال تلك الفترة كنت جالسًا معها وأشجعها، وأريد عمل فيلم معها؛ لأني كنت مقتنع أن هذا الفيلم لن يجعلها تموت، واليوم الذي توفيت فيه، قُلت: «أنا لازم أوفي وعدي لأمي» وهعملها فيلم حتى لو من غيرها.
مخرج «الحياة بعد سهام»: المهرجانات ساعدتنا في تمويل الفيلم في مرحلة ما بعد التطوير
يؤكد عبد المسيح أن رحلة صناعة فيلمه آخذت عشر سنوات واجه خلال تعثرات التمويل، ويصيف:«بصراحة أكتر حاجه ساعدتنا المهرجانات مثل الجونة ومراكش والقاهرة السينمائي، وذلك على مستوى مرحلة التطوير ما بعد الإنتاج، لكن في المرحلة الأولى للإنتاج موّلت المشروع، ومعي كاميل لاميل منتجته الفرنسية والتي عملت معي كثيرًا، وفي مهرجان « كان» حصلنا على تمويل في مرحلة البوست برودكشن، وقدرنا نسدد بها ما انفقناه على هذا المشروع».
نمير عبد المسيح: رفضت عرض مشاهد مرض والدتي بالفيلم
سألت نمير عبد المسيح عن سبب عدم إسقاطه بالأحداث على تجربة الأم المؤلمة خلال رحلة مرضها بالسرطانظ، فقال:«بالفعل صورت أمي في وقت المرض، وعملت معها حوارات، وكان بيننا مشاهد كوميدية، ولكن عندما شاهدت هذه المادة وجدت أنه من الصعب رؤية الجمهور لمشاهد مؤلمة تظهر فيها والدتي بشعر قصير، وكذلك وجهها المتأذي بسبب الكانسر، لذلك فتشنا عن وسيلة أخرى للحكي في الأحداث».
لماذا مزج نمير عبد المسيح بين قصة فيلمه وأفلام يوسف شاهين؟
يواصل عبد المسيح حديثه عن صناعة فيلمه، ويكشف عن سبب استخدامه لمشاهد من أفلام المخرج الراحل يوسف شاهين ومزجها مع قصة فيلمه، فيقول:«فكرت في استخدام الخيال بدلاَ من المشاهد المؤلمة التي كنت سأستعين بها في الأحداث؛ لذلك قررت استخدام مشاهد من فيلمي «فجر يوم جديد» و«عودة الابن الضال» للمخرج العالمي يوسف شاهين، فهو بالنسبة لي مخرج عبقري، وأول من قدّم أفلام ذاتية في العالم العربي.
ويضيف:«نحن في حاجة لكي نحكي حكايتنا ولا نقلد أفلام الغرب، وأنا تعبت بالفعل من هذا الأمر، فلدينا تاريخ وقصص كثيرة تروى، وشاهين طول الوقت كان بيجرب حاجة جديدة ومختلفة».
نمير عبد المسيح: فيلم «الحياة بعد سهام» منحني خبرة
«انا بتعلم من الحياة والأفلام وأطفالي»...هكذا يؤكد نمير عبد المسيح، منوها أن فيلمه منحه خبرة تعلم فيها أشياء كثيرة، فعلى مدار رحلة الفيلم كان يجلس مع المونتير على سبيل المثال فيفتح معه حوارات، كان يتحدث فيها عن الحياة ومعناها والحب وعلاقتنا بأهالينا وغيرها.
ويوضح عبد المسيح أيضًا، أنه على مدار رحلة فيلمه صوّر كثير من المواد، لكنه لم يخرج منها إلا واحد ونصف بالمئة، واصفًا الأمر بأنه شديد الصعوبة ويؤكد:«شغل المخرج الأصعب يتمثل في المواد التي لن يستخدمها في فيلمه».
نمير عبد المسيح: لا أرتاح لكلمة وثائقي
تتجه السينما العالمية حاليًا للعمل على السينما الوثائقية بشكل كبير، وبسؤال عبد المسيح عن هذا الاتجاه، قال:«لا أرتاح مع كلمة وثائقي فالسينما بالنسبة لي واحدة، أيًا كان تصنيفها، والسينما تعني مخرج لديه وجهة نظر وإبداع، يحكي حكاية والمهم يكون بيفكر بلغة سينمائية، وما يهمني أن أشاهد سينما حلوة، وهذا من جانب، أما الجانب الآخر، فيكمن أن الأفلام الوثائقية ميزانيتتها أقل وتحمل حرية وإبداع أكبر بشكل أكبر».
الزميلة سارة نعمة الله مع المخرج نمير عبد المسيح ومنتجة الفيلم كاميل لاميل