بالتزامن مع الصفقات الاقتصادية والاستثمارية التي يُبرمها السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، مع دول الاتحاد الأوروبي، خلال القمة المصرية - الأوروبية المنعقدة في بلجيكا، كانت وزارة التربية والتعليم تُبرم صفقة من العيار الثقيل، بالتعاون مع معهد جوته الألماني، لتدريس اللغة الألمانية بعدد من المدارس الفنية المصرية، وهي الخطوة التي تستهدف تقريب الخريج المصري من سوق العمل الأوروبي، خاصة مع تأكيد رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، أن المفوضية الأوروبية ستقوم بتوقيع اتفاقية شاملة مع مصر لتعزيز وتوسيع الشراكة بينهما، ليكون الاتحاد الأوروبي هو الشريك الاقتصادي لمصر.
موضوعات مقترحة
يكفي هذا التصريخ فقط، للوقوف على مبررات الوزير محمد عبداللطيف، وزير التربية والتعليم لتسريع التعاون المصري - الأوروبي على مستوى الشراكة في تطوير وإدارة وتشغيل المزيد من المدارس الفنية، وإدراج اللغات الأجنبية في التعليم الفني، لأن الخطوة في مجملها تعكس قدرا عاليا من الذكاء، باعتبار أن العلاقة بين مصر والاتحاد الأوروبي، وصلت إلى مستوى غير مسبوق من الشراكة وتبادل المصالح الاستراتيجية، ثم أن القاهرة ترغب في فتح مسارات توظيف عملاقة لخريجيها.
فماذا فعل الوزير؟.. ببساطة قرر الاستفادة من التقارب المصري الأوروبي، للتخديم على خريجي المدارس الفنية، باعتبار أن أي مستثمر من دولة أوروبية يأتي لمصر لبدء العمل، سيكون بحاجة إلى عمالة فنية ماهرة، وتلك العمالة تحتاج إلى لغة بلد نفس المستثمر، وإلا سيواجه الخريج مشكلة حقيقية في التوظيف، وسيواجه المستثمر نفسه مشكلة في الأيدي العاملة.
ضرب الوزير عصفورين بحجر واحد، عندما أبرم صفقات تعاون مع بلدان أوروبية عملاقة، للتوسع في المدارس الفنية المصرية، مثل اليابان وألمانيا وإيطاليا وسنغافورة وفرنسا، وغيرها من الدول، بحيث تساهم في تطوير التعليم الفني المصري، وتكون شريكة فاعلة بالمدارس الفنية، وتٌسهم في الإدارة والتشغيل واختيار التخصصات وترعى توظيف الخريجين، محليا وأوروبيا.
كان الذكاء الأكبر من الوزير، أنه اختار بلدانا أوروبية تحتاج فعلا إلى عمالة شابة مدربة، سواء في استثماراتها بمصر، أو البلد الأصل.. فمثلا، هناك ألمانيا التي توصف بالدولة العجوز التي تحتاج إلى تجديد شبابها، فقرر الوزير أن يكون اعتماد ألمانيا أولا، على الشباب المصري، من خريجي المدارس الفنية، ومن هنا جاءت فكرة تدريس اللغة الألمانية في المدارس الفنية.
فالمستثمر الألماني في مصر، يحتاج إلى عمالة فنية مدربة على أحدث الطرق التقنية، وهذا متاح فعلا في المدارس الفنية التكنولوجية بمصر، لكن أين اللغة الألمانية؟!. وحتى لو سافر الخريج المصري التقني إلى ألمانيا، بهجرة شرعية، كيف تُفتح أمامه فرص العمل دون إتقان اللغة؟!. من هاذين السؤالين تحرك الوزير ليجعل من مصر مركزا إقليميا لاحتضان الأوروبيين في مدارسها.
فهذه إيطاليا، التي افتتحت في مصر قرابة 20 مدرسة فنية في تخصصات عالمية، كلها مؤهلة لسوق العمل المحلي والدولي، كجزء من الصفقة المدوية التي أبرمها الوزير محمد عبداللطيف مع إيطاليا في فبراير الماضي، عندما زار وزير التعليم الإيطالي، مصر، وبرفقته 50 شركة إيطالية لبحث الاستثمار في مصر، وتلك الاستثمارات بحاجة لمدارس إيطالية فنية، يُتقن طلابها اللغة الإيطالية، كي تُفتح أمامهم لاحقا، فرص العمل على مصراعيها، سواء بالكيانات الاقتصادية الإيطالية داخل مصر، أو بالشركات الإيطالية المنتشرة دوليا.
ما يؤكد احترافية تحرك وزارة التعليم في مسألة إضافة لغات أجنبية لمدارس فنية، حسب طبيعة كل مدرسة، أن الحكومة المصرية كانت تعاقدت قبل سنوات قليلة مع بنك التعمير الأوروبي ليقوم بدراسة الوظائف المطلوبة في دول الاتحاد الأوروبي للعمل عليها في المدارس الفنية، وجاءت نتيجة الدراسة أن مختلف بلدان أوروبا تشترط إتقان الخريجين للغات أجنبية، تحدثا وكتابة، مع المهارة الفنية، أيّ أن ما تفعله الوزارة جزءا أصيلا من خطة الحكومة، والدولة، لنسف طوابير البطالة بين خريجي المدارس الفنية في مصر.
ثم أن عصرنة التخصصات الدراسية الفنية في مصر، داخل المدارس الحكومية، جعل من أغلب الخريجين يتقنون مهارات وجدارات تواكب متطلبات سوق العمل الدولي، لكن ظلت المشكلة في اللغة، سواء بالتوظيف المحلي داخل شركات ومصانع المستثمرين الأجانب، أو عند السفر للعمل بالخارج، لذلك قررت وزارة التعليم أن يكون الخريج الفني المصري مؤهلا دوليا، بنسبة مائة في المائة، كهدف وضعته الدولة، وتتعامل معه القيادة السياسية بأولوية، خاصة مع التقارب المصري الأوروبي بشكل غير مسبوق.
وبإمكان مصر أن تغزو العمالة الفنية بعض الأسواق الأوروبية، ويكفي أن المدارس التقنية تُخرّج سنويا مئات الآلاف من الطلاب، جميعهم يدرسون تخصصات مواكبة لسوق العمل الدولي، لأن وزارة التعليم صارت تركز على اكتساب المهارات وفق متطلبات العصر بالتعاون مع مستثمرين محليين ودوليين، ومع الانتهاء من إتقان اللغة سوف يكون الخريج المصري مؤهلا للتوظيف خارجيا في أقرب فرصة.
ثم أن مصر تعمل منذ عام 2018 على ربط التعليم الفني بسوق العمل، واستعانت بخبرات دولية في وضع المناهج الجديدة وإقرار طرق تدريس قريبة من المعمول بها في أوروبا، ولجأت إلى مؤسسات تعليمية أوروبية لاعتماد مناهجها الفنية وطرق التقييم الحديثة، بحيث يكون ذلك وثيقة رسمية تعزز مواءمة الخريجين من المدارس المصرية للوظائف المعمول بها في أوروبا، ولا يواجه هؤلاء مشكلة وقت هجرتهم شرعيا، أو حتى وقت توظيفهم في شركات ومصانع وكيانات المستثمرين الأجانب في مصر.
تظل القيمة والميزة الأكبر، أن خطة وزارة التربية والتعليم في عهد الوزير محمد عبداللطيف تتناسب كليّا مع التوجه الأوروبي المرتبط بمواصفات الخريج المعاصر، لأنها بالأساس طبّقت نظما تعليمية حديثة مثل المعمول بها في دول صناعية متقدمة، من إقرار تخصصات عصرية، ونادرة، إلى توسيع الاعتماد على الشراكة مع كبرى المستثمرين المحليين والأوروبيين والدول الصناعية الكبرى، حتى أصبح الطالب التقني من المدارس الفنية على بعد مسافات قليلة من ضمان الوظيفة، محليا أو دوليا، قبل أن يتخرج، لأنه سيمتلك المهارة العصرية واللغة الأجنبية واستراتيجية العلاقة المصرية الأوروبية.