ياسر منجي: معالجة الأعمال التشكيلية بالذكاء الاصطناعى تحمل وجهين متناقضين | خاص

23-10-2025 | 15:34
ياسر منجي معالجة الأعمال التشكيلية بالذكاء الاصطناعى تحمل وجهين متناقضين | خاصياسر منجي
سماح عبد السلام

أصبح استخدام الذكاء الاصطناعى شيئًا أساسيًا فى جميع مجالات الإبداع. ومن ثم لم يكن الفن التشكيلى بمنأى عن تلك التقنية، إلا أننا وجدنا حالة من تباين الآراء إزاء التعاطى تشكيليًا مع هذا الوسيط ولا سيما بعد استخدامه مؤخرًا فى تحريك عناصر فنية بأعمال الرواد وغيرها من الإشكاليات المتعلقة بهذا الوافد  التكنولوجى الجديد. ومن هنا تحدثت "بوابة الأهرام" مع الناقد التشكيلى الدكتور ياسر منجى، الأستاذ بكلية الفنون الجميلة.

موضوعات مقترحة

قال د. ياسر منجى لـ"بوابة الأهرام":" إنّ الحديث عن تأثير الذكاء الاصطناعي على إرث رواد الفن المصري الحديث يفتح بابًا لحوارٍ يتقاطع فيه البُعد القانوني مع أبعادٍ جمالية، وأخلاقية، وثقافيةٍ في آنٍ واحد".

وأضاف:" أحسبُ أنّ أي تناولٍ جادّ لهذا الملف ينبغي أن ينطلق من تمييزٍ واضح بين الاستخدامات البحثية أو التعليمية لتطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي، وبين التوظيف التجاري أو التفاعلي لها، والذي يغيّر من جوهر العمل الفني الأصلي. وتزداد أهمية هذا التمييز حين يتعلق الأمر بأعمال فنانين رواد من طراز "محمود سعيد"، أو "راغب عياد"، وغيرهما مِمَّن تمثل أعمالهم ذاكرة بصرية للوطن، لا مجرد مقتنيات فنية فَحَسب".

   وتابع:" فمِن حيث المبدأ القانوني، فإن قانون حماية حقوق الملكية الفكرية المصري رقم 82 لسنة 2002، ينصّ في المادة (143) على ما يلي: "يتمتع المؤلفُ وخَلَفُه العام – على المصنَّف – بحقوق أدبية أبدية غير قابلة للتقادم أو للتنازل". ومن أهم البنود التي اشتملت عليها هذه المادة، ويمكن اعتباره ضابطًا مهمًا يمكن تطبيقه على موضوع معالجة أعمال الرواد بالذكاء الاصطناعي: بند (ثالثًا)؛ الذي ينُصّ على: "الحق في منع تعديل المصنف تعديلاً يعتبره المؤلف تشويهاً أو تحريفاً له".
   
ويواصل:" نستنتج مما سبق أن تحويل عمل فني لأحد الرواد إلى مقطع متحرك أو مشهد يحاكي الحركة دون تصريح رسمي، أو بلا ترخيص قانوني يوضح الغرض من الاستخدام، قد يُعد مساسًا بجوهر العمل، بل وربما "تحريفًا معنويًا" له. ومع ذلك، يمكن السماح بمثل هذه التطبيقات في إطارٍ تعليمي أو بحثي، بشرط أن تُحافِظ على روح الأصل وأن يُشار بوضوح إلى أن العمل "معالَج رقمياً"، أو "معالجة رقمية مُستوحاة من الأصل"، أو غير ذلك من العبارات التي تنفي اللَبس وتحتفظ للأصل بخصوصيته".


   ويستكمل:" من حيث الأثر الجمالي والثقافي، فإن مثل هذه المعالجات قد تحمل وجهين متناقضين. فمن جهة، يمكن أن تُسهم في إعادة تقديم بَدائع الفن المصري لأبناء الألفية الرقمية، وتفتح آفاقًا جديدة للتفاعل معها، وبخاصة لدى الأجيال التي اعتادت وسائط الصورة المتحركة. غير أنّ الوجه الآخر لا يخلو من سلبيات؛ إذ إن تحريك الأعمال الفنية – كاللوحات التصويرية والمنحوتات - قد يُفقدها جزءًا من سكونها التأمُّلي، ومن القيمة الرمزية التي أَودَعَها الفنان في التكوين واللون والضوء، وعلاقات الكتلة والفراغ".

 ويستشهد بأعمال الرواد:" العمل التصويري عند "محمود سعيد" – على سبيل المثال لا الحصر - لم يُرسَم ليتحرك، بل ليُدرَك في سكونه، حيث تكمن طاقته التعبيرية في العلاقات الداخلية القائمة بين عناصره كما صاغها الفنان، لا في الحركة الخارجية الظاهرية التي قد يُضفيها عليه تطبيق من تطبيقات الذكاء الاصطناعي. وهذا الأمر ينطبق على سائر أعمال رواد الفن المصري".

 ويفند المخاوف الخاصة بهذا الوسيط ويقول:" أما عن المخاوف التي تُثار من آنٍ لآخر على مواقع التواصُل الاجتماعي، بشأن إمكانية تزييف الأساليب الفنية باستخدام الذكاء الاصطناعي فأعتقد أنها مخاوف مشروعة تمامًا. ففي ظل قدرة الذكاء الاصطناعي التوليدي اليوم على محاكاة أساليب الفنانين، يمكن للصِيَغ الخوارزمية المتقدمة أن تُحاكي أسلوب فنان بِعَينِه وتُنتِج أعمالًا شبيهة بأعماله إلى حدّ الالتباس، مما قد يهدد سوق الفن بالارتباك، ويخلق مشكلات تتعلق بالأصالة والتوثيق. وقد يكون هذا هو ما دفع بعض المؤسسات المتحفية العالمية إلى السعي لتطوير آليات للتحقُّق الرقمي من الأعمال الفنية لمنع مثل هذا النوع من التزييف المُحتَمَل".
 
"فإذا ما نظرنا للأمر من الزاوية التربوية والمهنية، وما يرتبط بهما من آثار مستقبلية محتَمَلة، فأرى أن هناك أهمية كبرى لوضع ضوابط أكاديمية لكيفيات استخدام طلاب الفنون لأدوات الذكاء الاصطناعي، بما لا يؤدي إلى اعتمادهم عليها كُلّيًّا كبديل للممارسة اليدوية واكتساب الخبرة الحسية التي لا غنى عنها في تكوين الفنان". 

فالاعتماد التام مِن قِبَل الطالب أو المتدرّب على تطبيقات الذكاء الاصطناعي، دون إرشاد وتوجيه مَشروط، قد يؤدي إلى إشاعة الاستسهال لدى الطلاب والهواة، بما يُضعف الحسّ المَهاري وشغف التجريب لديهم، وهما جوهر العملية الإبداعية. فالفن ليس مجرد إنتاج بصري، بل هو تجربة إدراكية وشعورية معقدة، لا يمكن لخوارزمية أن تحل محلها. لذا، فإن مهمة المؤسسات الأكاديمية والثقافية تكمن في توجيه استخدام الذكاء الاصطناعي كوسيلةٍ مساعِدة على التجريب، لا كطريق مختصر نحو إبداعٍ لم يتمخض عنه وجدان صاحبه".
   
ويستدرك"مع ذلك فإنني لا أتفق في الرأي مع مَن يعتبرون تطبيقات الذكاء الاصطناعي خطرًا مَحضًا على الفن؛ إذ هي في النهاية (أدوات جديدة) ضمن مسيرة التطور التاريخي للثقافة الإنسانية. فكما حدث – على سبيل المثال - مع اختراع التصوير الفوتوغرافي، فإنّ التحدي الحقيقي أمام الفنان يكمن في كيفية دمج التقنية ضمن خطابِه الإبداعي دون أن تُطمَس خصوصية رؤيته الذاتية وطابعه الإنساني. غير أن استخدام الذكاء الاصطناعي في معالجة أعمال الرواد ينبغي أن يتم بضوابط وشروط صارمة، تضمن احترام الحقوق الأدبية، وحماية الروح الإنسانية التي لا يمكن أن تُختزَل في معادلة رقمية."
   
ويختتم:" فالذكاء الاصطناعي يمكن أن يمثل إضافة لا يُستهان بنتائجها الإيجابية، إذا ما استُخدم بوعي، على أن يكون في إطار تلك الضوابط التي تضمن صَون الذاكرة الإبداعية المصرية".

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: