بعد أكثر من خمسة عقود من العزلة، عادت الكاتبة الأمريكية "هاربر لي" لتتصدر عناوين الأدب مجددًا، مدهشة العالم بظهور عمل جديد بعد أن ظن الجميع أن رحلتها مع الكتابة انتهت منذ زمن.
موضوعات مقترحة
وكشفت صحيفة CNN باللغة الإنجليزية في تقرير عنها يفيد بظهور قصص أدبية جديدة لها لم تنشر من قبل، ليعاد اسمها يتردد من جديد بعد رحليها لأكثر من 10 سنوات.
هاربر لي التي انطلقت بقوة منذ صدور روايتها الأولى «قتل الطائر المحاكي»، لم تكن مجرّد روائية عابرة، بل صوتًا نقيًا كشف عمق الجنوب الأمريكي بكل ما فيه من تناقضات بين البراءة والظلم، وبين الحلم والواقع.
وعادت بروايتها الثانية «اذهب وأقم حارسا» بعد غياب، وهي عودة مفاجئة إلى الساحة الأدبية أثارت جدلًا واسعًا بين القراء والنقاد، بعد أن ظنوا أن صوتها قد خُفت إلى الأبد.
ملامح من حياه هاربر لي
وُلدت نيل هاربر لي عام 1926 في مدينة مونروفيل بولاية ألاباما الأمريكية، وهي البلدة التي ستصبح لاحقًا مصدر الإلهام لعالم روايتها الأشهر «قتل الطائر المحاكي».
نشأت في بيئة جنوبية محافظة، وكان والدها محاميًا — وهي المهنة التي استلهمت منها شخصية "أتيكوس فينش" في روايتها.
درست القانون لفترة قصيرة، لكنها سرعان ما تركته لتتفرغ للكتابة، حاملةً في ذاكرتها صور الطفولة والتمييز العنصري وصراعات المجتمع الأمريكي في النصف الأول من القرن العشرين.
عُرفت هاربر لي بشخصيتها الهادئة وعزلتها الطويلة عن الأضواء، ورغم ندرة أعمالها، إلا أن صوتها الأدبي ظل حاضرًا بقوة، حتى وفاتها عام 2016 عن عمر ناهز التسعين عامًا.
هاربر لي كتبت في الأدب فخلدها إلى الأبد
لم تحتاج الكاتبة الأمريكية هاربر لي إلى عشرات الكتب لتُخلّد اسمها في تاريخ الأدب، فقد صنعت مجدها من روايتين فقط، ومن خلال خطواتها الأولى صارت علامة مضيئة في الأدب الأمريكي .
«قتل الطائر المحاكي»، هي أولى روايتها التي نالت عنها جائزة بوليتزر عام 1961، وعملًا واحدًا كان كافيًا ليجعلها من أبرز الأصوات الأدبية التي أعادت تعريف مفهوم العدالة والضمير الإنساني، وجعل من شخصياتها رموزًا حيّة تتجاوز حدود الزمن واللغة.
عندما صدرت «قتل الطائر المحاكي» عام 1960، لم تكن مجرد رواية عن الجنوب الأمريكي، بل كانت شهادة على زمنٍ كامل. ومن خلال الطفلة "سكاوت"، نقلت هاربر لي عالمًا يعج بالتناقضات بين البراءة والعنصرية، والعدالة والتحيّز.
تحوّل "أتيكوس فينش"، والد البطلة، إلى أيقونة للنزاهة والحق، حتى صار اسمه مرادفًا للضمير الأخلاقي في الوعي الأمريكي. لقد كتبت لي روايتها الأولى وكأنها تدافع عن الإنسان في وجه ظله.
عودة غامضة بـ«اذهب وأقم حارسًا»
وبعد أكثر من نصف قرن من الصمت، خرجت هاربر لي عن عزلة امتدت لعقود، لتفاجئ العالم بعمل جديد عنوانه «اذهب وأقم حارسًا» عام 2015، قبيل وفاتها بقليل.
استقبلها القرّاء في البداية كتكملة للرواية الأولى، لكن تبيّن لاحقًا أنها مسودة مبكرة كانت نواة «الطائر المحاكي».
في هذا النص، بدا "أتيكوس" مختلفًا تمامًا — أقل مثالية وأكثر واقعية — وكأن الكاتبة أرادت أن تجرّد بطلها من هالته القديمة، لتعيد النظر في مفاهيم الخير والعدالة من زاوية أكثر نضجًا وصدقًا.
بين المسودة والتحول
يرى النقاد أن المسافة بين الروايتين تختصر رحلة تطور الكاتبة نفسها. فـ «اذهب وأقم حارسًا» كانت صرخة البدايات، بينما جاءت «قتل الطائر المحاكي» كصوت النضج والوعي الكامل. وبين العملين، رسمت هاربر لي خريطة دقيقة لتقلّبات الإنسان بين الإيمان بالمُثل العليا، والاستسلام لواقع لا يخلو من التناقض والخذلان.
وأثبتت هاربر لي أن الكاتب الحقيقي لا يُقاس بعدد مؤلفاته، بل بصدى كلماته في قلوب الناس. بروايتين فقط، جعلت الأدب الأمريكي يقف أمام نفسه، وجعلت القارئ يكتشف أن الدفاع عن العدالة لا يحتاج سلاحًا بل قلمًا صادقًا وصوتًا مؤمنًا بالإنسان.
هاربر لي
هاربر لي
هاربر لي
هاربر لي
هاربر لي