«اغمضي عينك ياهند» بمهرجان الجونة.. فيلم يحكي قصة استشهاد طفلة فلسطينية

23-10-2025 | 11:06
;اغمضي عينك ياهند; بمهرجان الجونة فيلم يحكي قصة استشهاد طفلة فلسطينية اغمضي عينك ياهند ..لحظات الوداع والأمل والنجاة بعيون طفلة
الجونة- سارة نعمة الله

في عالم يخلو من الإنسانية،  يمكن تخيل كل شىء لكن ما أقسى أن تعيش تجربة شخص سجين أحلامه التي اقتصرت فقط على التمسك بالوجود في الحياة، ويزداد الأمر تعقيدا عندما ترتبط التجربة باغتيال براءة الطفولة التي نقف جميعا عاجزون أمامها. 

موضوعات مقترحة

على هامش فعاليات الدورة الثامنة لمهرجان الجونة السينمائي، عرض فيلم «اغمضي عينك ياهند»  ضمن مسابقة الأفلام القصيرة للمخرج  أمير ظاظا، والذي يتناول قصة استشهاد الطفلة الفلسطينية هند رجب. 

يقدم ظاظا في فيلمه الذي تبلغ مدته 30 دقيقة سردا بصريا يعتمد في أساسه على فلسفة المكان باعتبارها هي البطل الرئيسي في الأحداث التي تسرد قسوة وخوف العالم الذي تعيشه فيه الطفلة هند رجب البالغة من العمر 6 سنوات، المكان هنا يمثل تلك السيارة التي قتلت بها هند وعائلتها بنحو 335 رصاصة من إحدى الدبابات الإسرائيلية،  وينقل من خلالها المخرج السوري الأصل المشاهد في تجربة يعيش فيها في لحظات الموت مع تلك العائلة. 


استهلال في وداع هند

يبدأ ظاظا فيلمه بمشهد تظهر فيه الطفلة هند وهي ترسم وسط ركام ودمار الحرب، تظهر بضفائر منسدلة تغزلها إليها ابنة عمها «ليان» والتي تتغزل بجمال شعرها ورائحته العطرة وتقوم بتقبيلها بشكل جنوني، وتطلب منها ترك رسمتها واللحاق بالسيارة، وهنا تظهر «هند» وهي تتمسك بالانتهاء من رسمتها وكأنها تودع آخر أمنياتها كطفلة لا تعرف شيئا عن معنى الطفولة، ويظهر أيضا مشهد تغزل ابنة عمها في شعرها ورائحته وكأنه التحضر لعرسها الأخير بالجنة، وبين هذا وذاك يلخص مخرج الفيلم أمير ظاظا كثير من المشاعر الإنسانية كاستهلال بنى عليه السرد الدرامي لأحداث فيلمه. 

 داخل السيارة تظهر روح المقاومة التي أعتاد عليها الشعب الفلسطيني الذي يحتفظ دائما بروحه المحبة للحياة برغم رائحة الموت التي تحاصره طوال الوقت، فتقوم العائلة بالغناء مع المسجل الموجود بالسيارة، وفي لحظة لا تتعدى الثواني معدودة، تقصف الدبابة الإسرائيلية سيارة العائلة بأكملها ولا يتبقى بها سوى الطفلة هند وابنة عمها ليان الجريحة. 

هنا يبدأ فصلا جديدا من الأحداث التي يضع فيها أمير ظاظا المشاهد في قلب تلك التجربة الإنسانية بعيون وصوت طفلة تبحث عن طوق نجاة، ويختزل بكاميراته كثير من المشاعر التي لا تستطيع قنوات الأخبار معايشتها. 

ترتكز كاميرا ظاظا على عيون «هند» لتصور لحظات الرعب التي تعيشها تلك الصغيرة وهي تتحدث في الهاتف إلى الهلال الأحمر تترجى المساعدة منهم بالإحضار سريعا وهي مرتجفة الأنفاس، تحاول الهروب بالنزول لأسفل السيارة لتتخفى من رصاص الدبابة الإسرائيلية التي تعود وتقصف السيارة، لتفقد ابنة عمها وينقطع الاتصال مع الهلال الأحمر. 

لا أعرف كيف نجح ظاظا في جعل الطفلة التي جسدت هذا المشهد تجيده بأدائها بهذا الشكل المؤلم.. مشهد لا تتحدث فيه بعد أن علمت بأن النهاية تقترب منها، ولا أمل في الإنقاذ، تختزل الطفلة دموعها ويفتح الجنود الإسرائليون باب السيارة وتظل تنظر إليهم في توسل لفرصة أخرى في الحياة لكن لا شىء أمام وحشية هذا العدو الذي لا يعرف لغة سوى القتل والدماء. 

تتماهى مع لغة السرد البصرية التي اعتمد فيها أمير ظاظا على جعل المكان البطل الرئيسي لأحداث فيلمه حتى يجعله يعيش تلك اللحظات مع الأسرة المنكوبة، الإضاءة التي اعتمد فيها على «بالتة ألوان ترابية» تعتمد في أساسها على اللون البني والأصفر لينقل قصته بشكل أكثر عمقا على الشاشة من جانب، ويحمل إسقاطا على هذا الواقع من جانب آخر. 

فالألوان الترابية هي بالأساس ألوان من الطبيعة يفترض أن تعكس أجواء الاستقرار النفسي لحيوات البشر، وكأن مخرج الفيلم أمير ظاظا هنا يؤكد من خلال هذه البالتة اللونية، قبح هذا العالم في لقطة تمثل قطرات الدم المسيلة من العائلة بعد استشهادهم داخل السيارة، في تجسيد رمزي لهذه الحياة التي لاتعرف الهدوء والاستقرار وكلما بحث عن هذا المفهوم مثلما حاولت تلك الأسرة وغيرها التشبث بأمل الاستقرار كانت قوات الاحتلال تغتالها بوحشية. 

«اغمضي عينك ياهند» عبارة ظلت المتحدثة من الهلال الأحمر ترويها لهند رجب في الهاتف في محاولة لطمأنتها قبل انقطاع الاتصال، في لحظة ظلت الطفلة الشهيدة تتساءل «متى بتيجوا» لتأتي لغة الفيلم لتترجم في كادرات مفعمة بمشاعر الخوف والاضطراب تلك العبارة فمن البحث عن طوق النجاة بعيون مترقبة إلى الاستسلام أمام بندقية جنود الاحتلال الذين جاءوا لقتلها داخل السيارة.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة