قال جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وباكستان في صندوق النقد الدولي، إن مسار الاقتصاد المصري يُظهر مؤشرات مشجعة على التعافي رغم حالة عدم اليقين العالمية، وذلك في حديثه للأهرام ويكلي خلال اجتماعات صندوق النقد والبنك الدولي السنوية التي اختتمت بداية الأسبوع الجاري في العاصمة الامريكية واشنطن..
موضوعات مقترحة
وأضاف أزعور: "مصر تسير على الطريق الصحيح"، مشيرًا إلى أن "استمرار تنفيذ الإصلاحات والانضباط الاقتصادي الكلي سيعزز من قدرة الاقتصاد على الصمود، ويجذب الاستثمارات، ويُرسّخ مكانة مصر كلاعب رئيسي في مرحلة التعافي الاقتصادي الإقليمي بعد النزاعات".
وشاركت بعثة مصرية في الاجتماعات السنوية، حيث أجرت مناقشات مكثفة مع مسؤولي الصندوق بشأن استكمال المراجعتين الخامسة والسادسة لاتفاق التسهيل الممتد بقيمة 8 مليارات دولار، إلى جانب المراجعة الأولى لاتفاق الصندوق المعني بالمرونة والاستدامة بقيمة 1.3 مليار دولار. ومن المقرر أن تُختتم الاتفاقيتان في نوفمبر 2026.
وأكد أزعور أن أولوية الحكومة المصرية يجب أن تكون حماية الأسر الأكثر هشاشة والحفاظ على استقرار الأسعار، قائلاً: "القضية الأهم هي كيفية حماية محدودي الدخل"، مشددًا على ضرورة السيطرة على التضخم.
وأضاف: "أكثر أنواع الضرائب ظلمًا للمواطنين هو التضخم المرتفع"، مشيرًا إلى أن مصر حققت تقدمًا ملحوظًا في هذا المجال، حيث انخفض التضخم من 33% العام الماضي إلى 20% هذا العام، ومن المتوقع أن يصل إلى نحو 11% بحلول سبتمبر 2026. واعتبر أن "هذا إنجاز كبير يعيد القوة الشرائية ويحسن مستويات المعيشة".
وفيما يتعلق بسوق العمل، شدد أزعور على أهمية تسريع خلق فرص العمل من خلال تعزيز مشاركة القطاع الخاص، قائلاً: "أفضل وسيلة للتخفيف من ارتفاع التكاليف هي خلق المزيد من فرص العمل". وقد ارتفع معدل النمو في مصر من 2.4% في عام 2024 إلى 4.3% في 2025، ويتوقع الصندوق أن يستقر عند 4.5% في 2026. وأضاف: "الإصلاحات الهيكلية، وتسريع الخصخصة، وتوسيع المنافسة ستُسهم في الحفاظ على هذا النمو وخلق فرص للمصريين".
ورغم هذه المؤشرات الإيجابية، أقر أزعور باستمرار التحديات، وعلى رأسها خدمة الدين التي تمثل نحو 50% من إجمالي الإنفاق الحكومي، أي ما يعادل 10% من الناتج المحلي الإجمالي. وقال: "خفض عبء الدين يُعد من الأهداف الرئيسية للبرنامج المدعوم من صندوق النقد"، مشيرًا إلى أن تسريع إصلاح القطاع العام، وتحسين بيئة الأعمال، وجذب المزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر، كلها عوامل ستُسهم في تخفيف الاحتياجات التمويلية، وتعزيز قدرة مصر على توليد العملة الأجنبية، وتقليل مزاحمة القطاع الخاص.
وأشاد أزعور بالرؤية الاقتصادية التي أطلقتها مصر مؤخرًا حتى عام 2030، واصفًا إياها بأنها تتماشى مع ركائز برنامج الصندوق. وأوضح أن الركيزة الأولى تركز على الاستقرار، وخفض الاختلالات المالية، وتخفيض التضخم، واستخدام نظام سعر الصرف لحماية الاقتصاد من الصدمات الخارجية. أما الركيزة الثانية، فهي منح القطاع الخاص مساحة أكبر لقيادة النمو، قائلاً: "هذا يعني تحسين بيئة الأعمال، وتبسيط الإجراءات مثل الجمارك وتسجيل الأراضي، والسماح للدولة بالتركيز على التمكين بدلاً من المنافسة مع القطاع الخاص".
كما شدد على أهمية توفير الوصول إلى التمويل وتعزيز الشمول المالي، خاصة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، لتمكين المصريين من خلق فرصهم بأنفسهم. وقال: "مصر تسير في الاتجاه الصحيح، ونجاح هذا النموذج يعتمد على الحفاظ على زخم الإصلاحات وثقة المستثمرين".
وفيما يتعلق بالتحديات الإقليمية، أشاد أزعور بقدرة مصر على احتواء التداعيات الاقتصادية الناتجة عن عامين من الصراع في غزة واضطرابات الأمن في البحر الأحمر، قائلاً إن البلاد نجحت في الحفاظ على صلابة قطاعاتها الاقتصادية الرئيسية. وأضاف: "الصراع في غزة الذي استمر لعامين أثّر على الدول المجاورة، لكن مصر نجحت في الحد من التداعيات السلبية". وأشار إلى أن السياحة أظهرت قدرة على التعافي، ورغم تأثر التجارة بسبب التوترات الأمنية في البحر الأحمر، إلا أنه من المتوقع أن تتحسن مع استعادة الاستقرار، مما يُسهم تدريجيًا في تعافي إيرادات قناة السويس. كما أشار إلى أن اتفاق السلام في غزة، الذي تم توقيعه في شرم الشيخ، يهدف إلى إنهاء الصراع بين إسرائيل وحماس.
وعلى المستوى الإقليمي، قال أزعور إن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وباكستان والقوقاز تُظهر قدرة على الصمود الاقتصادي رغم التوترات العالمية. واستنادًا إلى تقرير آفاق الاقتصاد الإقليمي الصادر عن صندوق النقد، توقع أن يصل معدل النمو الإقليمي إلى 3.2% في 2025، مقارنة بـ2.1% العام الماضي، وأن يرتفع إلى 3.7% في 2026، بزيادة قدرها 0.3 نقطة مئوية عن توقعات أبريل.
وعزا هذه النظرة المتفائلة إلى الأداء القوي للقطاعات غير النفطية، مدفوعًا بالتنويع والاستثمار العام القوي، إلى جانب تعافٍ واضح في السياحة والتحويلات والزراعة. وبالنسبة للدول المستوردة للنفط في المنطقة، فإن انخفاض أسعار السلع وتعافي القطاعات الحيوية مثل السياحة والزراعة دعم نموًا أقوى.
ومع ذلك، حذر أزعور من استمرار المخاطر، مشيرًا إلى "حالة عدم اليقين العالمية المرتفعة، واحتمال تقلب الأسواق المالية بما قد يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض، وإمكانية تجدد التوترات في أسواق السلع.
وفق تقرير الصندوق حول آفاق الاقتصاد الإقليمي الذي أطلقه الصندوق أمس؛ يواجه النمو الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ضغوطًا متجددة، في ظل تصاعد التوترات التجارية العالمية، واستمرار النزاعات الإقليمية، وتأخر تنفيذ الإصلاحات الهيكلية، وفقًا لتقرير "آفاق الاقتصاد الإقليمي" الصادر عن صندوق النقد الدولي يوم الثلاثاء.
وسلط التقرير الضوء على اتساع الفجوة بين اقتصادات الدول المصدرة للنفط وتلك المستوردة له، حيث تكافح الأخيرة، ومن بينها مصر، لاستعادة زخم النمو وسط مشهد عالمي معقد وغير مستقر. ففي حين تمكنت الدول النفطية من تعويض ضعف الإنتاج من خلال نمو قوي في القطاعات غير النفطية، تواجه الدول المستوردة بيئة أكثر تحديًا.
وأشار التقرير إلى أن تباطؤ النمو يعود إلى مجموعة من العوامل المتداخلة، أبرزها التداعيات الناتجة عن تصاعد التوترات التجارية العالمية، وتشديد السياسات المالية، واستمرار آثار عدم الاستقرار الإقليمي. وتزداد هذه الضغوط بفعل بطء التقدم في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية، لا سيما في مصر، حيث بدأت تظهر علامات "إرهاق الإصلاح" إلى جانب تفاقم الضغوط الخارجية.
رغم التقدم الذي أحرزته مصر في تحقيق الاستقرار الاقتصادي الكلي خلال السنوات الأخيرة، أشار التقرير إلى أن وتيرة الإصلاحات تباطأت، خاصة في المجالات الحيوية لتطوير القطاع الخاص واستدامة المالية العامة. كما نبه إلى أن تعرض مصر لتشديد السياسات المالية العالمية أدى إلى ارتفاع تكاليف التمويل الخارجي، ما زاد من تعقيد إدارة الدين وأثر على ثقة المستثمرين.
ورغم التوقعات بانخفاض تدريجي لمعدلات التضخم، إلا أنها لا تزال مرتفعة، في حين تستمر الضغوط على العملة المحلية في التأثير على ثقة المستهلكين وخطط الأعمال. واعتبر التقرير أن الاختناقات الهيكلية، خصوصًا في إصلاح الشركات المملوكة للدولة، وسياسات المنافسة، ومناخ الاستثمار، تمثل قيودًا رئيسية أمام النمو.
ودعا صندوق النقد إلى تكثيف الجهود لتسريع وتيرة الإصلاحات، وتحسين الشفافية، وتعزيز الشمول المالي، من أجل إطلاق إمكانات الاقتصاد المصري على المدى المتوسط. وأكد أن مصر تقف عند مفترق طرق حاسم، وأن تحقيق آفاقها الإيجابية يتطلب التزامًا متجددًا بالإصلاح، وتنسيقًا أقوى للسياسات، ونهجًا استباقيًا في إدارة المخاطر الخارجية.
وفي ظل تصاعد حالة عدم اليقين العالمية، شدد التقرير على ضرورة أن ترسم مصر ودول المنطقة مسارًا يوازن بين الاستقرار قصير الأجل والتحول طويل الأجل. ويقدم التقرير الأخير من صندوق النقد الدولي تحذيرًا وخريطة طريق في آن واحد خريطة تدعو إلى الصمود، والإصلاح، والتعاون الإقليمي في مواجهة رياح التحديات الاقتصادية المتزايدة.
عقد الوفد المصري المشارك في الاجتماعات نقاشات مكثفة مع قيادات الصندوق لاستعراض المؤشرات الاقتصادية الايجايبة التي حققها الاقتصاد المصري خلال الفترة الاخيرة وكذلك استعراض السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية تمهيدا لاستكمال المراجعتين الخامسة والسادسة لاتفاق التسهيل الائتماني الممتد وكذلك المراجعة الأولى لبرنامج الصلابة والاستدامة الموجه للعمل المناخي بقيمة ١.٣ مليار دولار. من المنتظر اكتمال المراجعات الثلاثة قبل نهاية العام الجاري.
نقلا عن «الأهرام ويكلي»
مدير الشرق الأوسط وآسيا وباكستان بصندوق النقد