مَنْ أَمِنَ العِقابَ.. أساءَ الأدبَ (3 من 5)

23-10-2025 | 14:27

قد تمُرُّ بنا بعضُ السلوكياتِ التي لا خلافَ على غَرابَتِها؛ ولكنْ لِتكرارِها؛ بَدَتْ أمرًا عاديًّا؛ تمَّ الاعتيادُ عليهِ. حتى نَبَتَتْ سلوكياتٌ أخرى أكثرُ غرابةً. يبدو أنَّنا في الطريقِ للتعوُّدِ عليها أيضًا.

قد يكونُ الأمرُ اللافتُ بعضَ السلوكياتِ التي يقترفُها بعضُ الشبابِ في مِترو الأنفاقِ. مثلَ الجلوسِ في الأماكنِ المُحدَّدةِ لكبارِ السِّنِّ وذَوِي الاحتياجاتِ الخاصةِ. وحينما تَلْفِتُ نظرَ المُعتَدِي على مَقعدِ المُستحِقِّ؛ قد يستجيبُ وآخَرُ لا يَعْتَدُّ بكلامِ الرُّكَّابِ؛ لدرجةِ أنَّهُ قد تبدأُ مشكلةٌ كبيرةٌ؛ وهو لا يتحرَّكُ من على المَقعدِ؛ كأنَّ قيامَهُ يعني إهانةً ما قد قَبِلَها!

ناهيكَ عن مَن لا يقفُ لشيخٍ كبيرٍ أو سيِّدةٍ مُسِنَّةٍ؛ وهو شابٌّ صغيرٌ. وهنا نتحدَّثُ عن الذَّوقيَّاتِ؛ التي اندثرَ العملُ بها مؤخَّرًا بشكلٍ لافتٍ جدًّا. منها قيامُ عددٍ من الشبابِ بِسَنِّ سُنَّةٍ جديدةٍ في جِلستِهِ في مِترو الأنفاقِ؛ تقتضي أن يَمُدَّ قَدَمَهُ بشكلٍ يُجبِرُ المارَّ على تخطِّيها دونَ أن يسحبَها!

في إحدى المرَّاتِ رأيتُ رجلًا كبيرًا داسَ على قَدَمِ أحدِ هؤلاءِ دونَ أن يتخطَّى قَدَمَهُ؛ غالبًا لِوَهَنِهِ ولِاعتقادِهِ أنَّهُ كلَّما اقتربَ سيسحبُ الشابُّ قَدَمَهُ ليسمحَ لهُ بالمُرورِ. فماذا حدثَ؟

عنَّفَ الشابُّ الرجلَ المُسِنَّ؛ ووجَّهَ لهُ اللومَ على ذلكَ. وقتَها تَدخَّلتُ مُوجِّهًا عتابي للشابِّ بأنَّهُ لا يجوزُ أن تكونَ جِلستُهُ على هذا النحوِ. حتى اللحظةِ يبدو الموضوعُ يدورُ في سياقٍ مقبولٍ. حتى زادَتْ حِدَّةُ الحوارِ. فوجدتُ عددًا من الرُّكَّابِ يُحاوِلونَ تهدئةَ الشابِّ "مَعلِشْ حَصَلَ خيرٌ" رغمَ أنَّ ما حدثَ يحتاجُ لِجُمَلٍ أخرى من عينةِ. توضيحِ الخطأِ للشابِّ حتى يَعلَمَ أنَّ ما فَعَلَهُ غيرُ مقبولٍ.

ولكنِّي اكتشفتُ أنَّنا نسيرُ بسرعةٍ نحو مستقبلٍ غريبٍ؛ تتوهُ فيهِ القِيَمُ والمَعاييرُ؛ وتُنتهكُ فيهِ الأصولُ التي تربَّينا عليها. والمشهدُ التالي قد يكونُ كاشفًا.

لمرَّاتٍ عديدةٍ أثناءَ التوجُّهِ لِصلاةِ الجمعةِ. أجِدُ عددًا يزدادُ مرَّةً تلوَ الأخرى من الشبابِ الذي يجلسُ مُستمِعًا لِخُطبةِ الجمعةِ مُتعمِّدًا مَدَّ ساقِهِ على كاملِها. ممَّا يعني أن يَمُرَّ المُصلُّونَ من فوقِها. وهو سلوكٌ لم نتربَّ على فعلِهِ مُطلقًا؛ وكُنَّا نراهُ مَعيبًا؛ كما كانَ شيوخُنا قديمًا يطلبونَ عدمَ فعلِ ذلكَ لِحُرمتِهِ. أمَّا اليومَ فباتَ من بابِ الوَجاهةِ الاجتماعيةِ أن يفعلَ الشبابُ تلكَ العاداتِ السيئةَ. أمَّا الغريبُ بِصِدْقٍ أنَّهُ في بعضِ الأحيانِ يكونونَ بصحبةِ آبائِهم؛ الذينَ لم يَنهَوْهُم عن ذلكَ!!

لذلكَ حينما أقولُ أنَّنا بِصَدَدِ عددٍ من العاداتِ الغريبةِ والعجيبةِ؛ فلا أُبالِغُ. وبِتُّ لا أعرفُ لماذا تنتشرُ تلكَ الظواهرُ الغريبةُ. ثم نسألُ أنفسَنا لماذا تزدادُ البَلْطَجَةُ بينَ الناسِ. رغمَ أنَّ السببَ واضحٌ أنَّنا نسمحُ بِتَصَدُّرِ العاداتِ التي تسمحُ بالتَّغَوُّلِ على حقوقِ الغيرِ حتى ولو كانتْ في أبسطِ صُوَرِها.

ثم نعودُ خطوةً للوراءِ؛ ونسألُ لماذا تنتشرُ ظواهرُ التَّغَوُّلِ على حقوقِ الغيرِ. نعم البَلْطَجَةُ وبَسْطُ النفوذِ على الضعفاءِ؛ هو في الأصلِ تَغَوُّلٌ على حقوقِ الغيرِ. والغريبُ أنَّنا نَمْلَأُ الدُّنيا ضجيجًا نقدًا لتلكَ التصرُّفاتِ غيرِ المسئولةِ من البَلْطَجِيَّةِ وأشباهِهم ونتركُ تلكَ التصرُّفاتِ التي يراها البعضُ صغيرةً تكبرُ وتنمو لِتأخذَ أشكالًا أكثرَ عُنفًا. ثم نلومُ أنفسَنا ونبكي بعدَ السماحِ بانتشارِها ونُمُوِّها بشكلٍ سَرَطانيٍّ!

وفي اللقاءِ المقبلِ نكمل إن شاءَ اللهُ.

،،، واللهُ من وراءِ القصدِ،،،

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة