طالب الامتياز بكلية العلاج الطبيعي يفوز ببطولة إفريقيا في الكاراتيه
موضوعات مقترحة
اختار"الكاتا" لشعوره بأنه يكتب قصة بحركات جسده.. وكل ضربة تحمل معنى ورسالة
مصطفى محمد رفعت الغباشي.. نموذج للشاب المجتهد والمتفوق، فهو طالب بالامتياز بكلية العلاج الطبيعي، وأيضاً لاعب النادي الأهلي ومنتخب مصر بطل إفريقيا في الكاراتيه، ولم يكن تتويجه بالمركز الأول كاتا فردي رجال والمركز الثاني كاتا جماعي رجال في بطولة إفريقيا 2025 بنيجيريا مجرد إنجاز رياضي عابر، بل رسالة تؤكد أن التفوق العلمي يمكن أن يسير جنبا إلى جنب مع المجد الرياضي.
متى بدأت رحلتك مع رياضة الكاراتيه؟ ومن اكتشف موهبتك؟
منذ سن مبكرة كان والدي ووالدتي حريصين على أن أجرب أكثر من رياضة حتى أتعرف على ميولي مبكرا، فمارست السباحة قليلا، وشاركت في حصص تدريبية لكرة القدم، بل وخضت بعض التدريبات في ألعاب بدنية أخرى، لكن على الرغم من ذلك كله، شعرت بأن شيئا ما كان ينقصني، وبمجرد أن ارتديت بدلة الكاراتيه البيضاء للمرة الأولى، وأديت الحركات الأساسية تحت إشراف مدرب خبير، أحسست بشعور مختلف، إحساس بالانضباط والثقة والجدية، كان الأمر يشبه الاكتشاف، وكأنني عثرت على لغة جديدة للتعبير عن نفسي، كنت أعود إلى البيت وأحاول تكرار الحركات أمام المرآة، وأحيانا أقلد المدرب في تفاصيل صغيرة مثل الوقفة أو حركة اليد، وهو ما لفت انتباه أهلي إلى أنني أتعامل مع الكاراتيه بطريقة خاصة، وبمرور السنوات القليلة الأولى، بدأت أشارك في بطولات البراعم، وكنت في السابعة أو الثامنة من عمري حين حققت أول ميدالية ذهبية لي على مستوى الناشئين.
اللاعب مصطفى الغباشي
حدثنا عن مشاركتك الأخيرة في بطولة إفريقيا بنيجيريا 2025.. كيف استعددت لها؟ وما شعورك بعد التتويج؟
هذه البطولة كانت تحديا حقيقيا على كل المستويات، فأنا في فترة الامتياز بكلية العلاج الطبيعي، وهو العام الأصعب في حياة أي طالب بهذا التخصص، كانت أيامي مزدحمة بالمناوبات داخل المستشفى والتعامل مع المرضى، وهو أمر يتطلب حضورا ذهنيا وبدنيا كاملا، لكنني لم أكن أستطيع أن أتخلى عن الكاراتيه. كنت أخرج من المستشفى مرهقا جسديا ونفسيا، ثم أتوجه مباشرة إلى المعسكر التدريبي، أحيانا كنت أتناول وجبتي في الطريق، وأحيانا أخرى كنت أضطر للسهر من أجل تعويض ساعات الدراسة، كان التوفيق بين الجانبين بمثابة اختبار لقدرتي على تنظيم الوقت والتحمل، واكتشفت أن الإرادة الصلبة يمكن أن تذلل المستحيل، الأمر لم يتوقف عند ضغوط الوقت، بل زادت الصعوبة مع تعرضي لإصابة مؤلمة، وهي تمزق من الدرجة الثانية في العضلة الخلفية للفخذ، وكانت الإصابة خطيرة بما يكفي لجعل الأطباء ينصحونني بالغياب عن البطولة خوفا من المضاعفات، لكنني لم أستطع تقبل فكرة الغياب، فأنا كنت أشعر أن هذه البطولة هي فرصتي لأثبت نفسي، ووضعت برنامجا علاجيا مكثفا، عبارة جلسات علاج طبيعي يوميا، تمارين تأهيلية، وربط محكم للعضلة أثناء كل التدريب، لم تكن الأيام سهلة، بل مليئة بالألم الجسدي والتوتر النفسي، لكنني كنت أردد في نفسي دائما:"سأقف على البساط مهما حدث".وعندما جاء يوم المنافسات، كان قلبي يخفق بقوة. ومع كل حركة كنت أشعر أنني أضع خبرة سنوات أمام لجنة التحكيم، وبفضل الله ثم بدعم فريقي، نجحت في تحقيق ذهبية الكاتا فردي رجال، وفضية الكاتا جماعي. لحظة صعودي لمنصة التتويج ورفع علم مصر كانت أغلى من كل شيء.
اللاعب مصطفى الغباشي
ما الذي جذبك للكاتا تحديدا رغم أن معظم اللاعبين يفضلون الكوميتيه؟
في بداية مشواري، كان الجميع يتوقع أن أتجه إلى الكوميتيه، لأنه الفرع الأكثر شهرة في الكاراتيه. بالفعل جربت اللعب فيه، وحققت نتائج جيدة. لكن شيئا ما كان ينقصني، شعرت أنني لا أستطيع أن أعبر عن نفسي بالشكل الكامل، أما الكاتا، فقد وجدت فيه عالمي الخاص. فهو ليس مجرد حركات قتالية، بل هو فن متكامل يجمع بين القوة والدقة والانسيابية والانسجام النفسي، وعندما أقف لأؤدي كاتا معينة، أشعر وكأنني أكتب قصة بحركات جسدي، كل ضربة وكل خطوة تحمل معنى ورسالة، وارتباطي بالكاتا تأثر أيضا بقدوتي الياباني موتو كازوماسا، الذي كان من أبرز أبطال هذا الفرع، صحيح أن الكوميتيه له نجوم كبار في مصر مثل طه طارق وعبد الله ممدوح، لكنني وجدت نفسي أكثر في الكاتا.
اللاعب مصطفى الغباشي
وراء كل حركة دقيقة ساعات من التدريب.. ما أبرز التقنيات التي طورتها مؤخرًا في أدائك للكاتا؟
الحقيقة أن الكاتا تعلمك أن التفاصيل الصغيرة هي التي تصنع الفارق الكبير، فخلال الفترة الأخيرة ركزت كثيرا على التوافق العصبي العضلي، أي أن تصبح العلاقة بين العقل والعضلات متكاملة بحيث تنفذ الحركات بدقة وسرعة دون تردد، وهذا النوع من التدريب يجعل اللاعب يبدو وكأنه يؤدي حركاته بشكل طبيعي وسلس، بينما في الواقع هو ثمرة مئات الساعات من التكرار، كما عملت بجهد على تطوير المرونة، فهي الأساس الذي يسمح بتنفيذ الحركات القوية دون إصابات، وخصصت وقتا كبيرا للتمدد اليومي، وتحسين وضعية الجسد، وزيادة مدى الحركة في المفاصل، أيضًا ركزت على إتقان الضربات المستقيمة والجانبية، لأنها من الركائز الأساسية في أي كاتا. أردت أن تكون حركاتي واضحة، قوية، ومقنعة للحكام والجمهور، وكنت أتدرب أحيانا مرتين في اليوم، صباحا ومساء، وهذا الجهد الإضافي لم يكن ترفا، بل ضرورة، لأن المستوى العالمي أصبح لا يرحم، والفارق بين المركز الأول والثاني قد يكون في حركة واحدة أو في لحظة فقدان تركيز قصيرة، لذلك أعتبر أن التدريب المضاعف هو سلاحي لتحقيق التميز.
اللاعب مصطفى الغباشي
ما الدور الذي لعبه النادي الأهلي في تطورك الرياضي؟
النادي الأهلي لم يكن مجرد مؤسسة رياضية بالنسبة لي، بل كان عائلة كبيرة، فمنذ انضمامي إليه، وجدت دعما لا يوصف على كل المستويات، فالكابتن خالد فاضل، والجهاز الفني بأكمله، كانوا دائما حاضرين في كل تفاصيل مشواري، من متابعة تدريباتي اليومية إلى وضع الخطط الاستراتيجية لمشاركتي في البطولات.، قبل بطولة إفريقيا الأخيرة مثلا، تكفل النادي بإرسالي إلى بطولات دولية على نفقته الخاصة حتى أكتسب خبرة واحتكاكا أقوى. هذه الثقة من ناد بحجم الأهلي كانت حافزا نفسيا هائلا، لذلك كنت أشعر دائما أنني لا أمثل نفسي فقط، بل أحمل اسم مؤسسة كبيرة تنتظر مني الأفضل.
اللاعب مصطفى الغباشي
حدثنا عن أبرز بطولاتك السابقة.. وأي لقب هو الأقرب لقلبك؟
حققت خلال مسيرتي العديد من البطولات التي أفتخر بها كثيرا، من أبرزها فضية الكاتا فردي في بطولة العالم بإسبانيا عام 2017، وأيضا فضية الكاتا جماعي في نفس البطولة، وهذه اللحظة كانت أول مرة أقف فيها على منصة عالمية، وكنت في بداية شبابي، لذا شعرت أنني على الطريق الصحيح ، كما أحرزت خمس ميداليات عالمية تحت 21 عاما، وهذا الرقم كان بمثابة تأكيد على أنني قادر على المنافسة منذ صغري، أضف إلى ذلك ذهبية إفريقيا للكاتا الجماعي رجال 2021، وذهبية البطولة العربية للشرطة ، لكن رغم كل هذه الإنجازات، فإن ذهبية إفريقيا الأخيرة في نيجيريا 2025 تظل الأقرب إلى قلبي، لأنها جاءت في ظروف استثنائية من ضغط دراسي، إصابة قوية، تحديات كبيرة، ومع ذلك نجحت في رفع علم مصر. لذلك أعتبرها إنجاز العمر حتى الآن ، ومع ذلك، ما زال لدي حلم أكبر لم يتحقق بعد: الفوز ببطولة العالم في الكاتا، وحصد ميدالية أولمبية إذا ما أضيفت اللعبة يوما إلى برنامج الأولمبياد، هذا الحلم هو ما يرافقني في كل تدريب وكل بطولة.
اللاعب مصطفى الغباشي
كيف توفق بين التزاماتك الدراسية في العلاج الطبيعي وبين التدريبات مع الأهلي ومنتخب مصر؟
التوفيق بين الدراسة والرياضة لم يكن أبدا أمرا سهلا، ففترة الامتياز في كلية العلاج الطبيعي تحديدا هي الأصعب، لأنها تتطلب التواجد المستمر في المستشفى والعمل مع المرضى. لكنني كنت محظوظا أن إدارة الكلية كانت متفهمة جدا لطبيعة ظروفي كلاعب دولي يمثل مصر، كنت أشاركهم جدول معسكراتي ومبارياتي، وكانوا يساعدونني على تنظيم مواعيد الحضور والمناوبات، وأحيانا كنت أستعين بزملائي لتغطية بعض الساعات، مقابل أن أساعدهم أنا لاحقا، فقد كان هناك نوع من التعاون الذي سهل المهمة كثيرا، وما تعلمته من هذه التجربة أن النجاح ممكن حتى في أصعب الظروف، إذا وجدت الإدارة الجيدة للوقت والنية الصادقة للجدية في كلا الجانبين.
اللاعب مصطفى الغباشي
بصفتك نموذجا للطلاب الجامعيين الرياضيين.. ماذا تقول لهم؟
رسالتي إلى زملائي الطلاب، لا تجعلوا الدراسة عذرا لترك الرياضة، صحيح أن التعليم هو المستقبل وهو أساس الحياة العملية، لكن الرياضة ليست عائقا أمامه، بل على العكس، الرياضة تضيف للشخصية أبعادا جديدة، الانضباط، الصبر، القدرة على مواجهة الضغط، الرياضة أيضا تحمينا من عادات سلبية كثيرة مثل التدخين أو الانغماس في السلوكيات غير الصحية، وهي وسيلة لبناء شخصية قوية جسديا وذهنيا، وهذا سينعكس في النهاية على الأداء الأكاديمي والمهني، لذلك أقول دائمًا: مارسوا الرياضة بجانب دراستكم، وستكتشفون أن الاثنين يكملان بعضهما.
كيف دعمتك عائلتك في مسيرتك؟
عائلتي كانت الداعم الأول لي بعد الله سبحانه وتعالى، فمنذ أن اكتشفوا ميولي للعبة، لم يترددوا في تشجيعي وتوفير كل ما أحتاجه، من المواصلات إلى أدوات التدريب، مرورا بالدعم النفسي في لحظات الإخفاق قبل النجاح.
ما أصعب منافس واجهته في مسيرتك؟
دائمًا الأصعب هو المنافس الياباني، فهي مهد اللعبة وصاحبة التاريخ العريق فيها، ويكفي أنه من بين أول عشرة لاعبين في العالم، تجد سبعة أو ثمانية منهم يابانيين، وبالتالي مواجهتهم تعني أنك تواجه الأصل، تواجه المدرسة التي اخترعت الكاراتيه وطورته، لكني أعتبر هذا التحدي ممتعا، لأنه يدفعني لأبذل أقصى ما عندي، فكل مواجهة مع لاعب ياباني هي درس جديد وفرصة للتعلم والتطور.
هل تفكر في الربط مستقبلا بين دراستك والرياضة؟
بالتأكيد أفكر في ذلك، فقد اخترت دراسة العلاج الطبيعي بدافع حبي لإصابات الملاعب والتأهيل الرياضي، وأطمح أن أكون يوما ما مسئولا عن الجهاز الطبي لفريق النادي الأهلي الأول، وأشعر أنني أملك القدرة على الجمع بين خبرتي كلاعب وفهمي الأكاديمي كأخصائي علاج طبيعي، وهذا الدمج يمكن أن يصنع فارقا كبيرا، لأنني سأكون قادرا على فهم احتياجات اللاعبين من الداخل والخارج.