أليسَ الصُّبحُ بقريبٍ.. (3 من 5)

22-10-2025 | 17:03

في عصرِ "وسائلِ التواصلِ الاجتماعيِّ" الحاليِّ، واتساعِ دائرةِ توصيلِ الرسالةِ، عبرَ الصحفيِّ المُتخصِّصِ، وغيرِ المُتخصِّصِ الناقلِ للحدثِ والصورةِ، كالمُشاهِدِ والمواطنِ والسائحِ والزائرِ ولكلِّ مُهتمٍّ يحملُ الكاميرا التقليديةَ أو جهازَ التليفونِ المحمولِ، فقد أصبحتْ مُخرَجاتُ هذا الإعلامِ المُعاصِرِ وحضورُهُ، عاملًا أساسيًّا ومُشتركًا لكلِّ تطوُّرٍ، وشاهدًا رئيسيًّا مُنشِئًا للحدثِ أو داعمًا لهُ، نحو شيءٍ من العدالةِ.

يتجسَّدُ هذا المفهومُ "عصرُ وسائلِ التواصلِ الاجتماعيِّ"، في حربِ الإبادةِ التي يرتكبُها الصهاينةُ ضدَّ الشعبِ على أرضِ فلسطينَ المحتلَّةِ، ويصعُبُ تحديدُ من الأكثَرُ تأثيرًا على الآخَرِ، حربُ الإبادةِ أم الدورُ الذي تلعبُهُ وسائلُ التواصلِ الاجتماعيِّ، فكلاهما يُسابِقُ الآخَرَ، فمَنْ يستطيعُ أن يتجاهَلَ ما تنقلُهُ الكاميرا من أشكالِ الإبادةِ وضحاياها، بين مَن يحملونَ السلاحَ والرشاشاتِ والبنادقَ، وبين مَن لا يمتلكونَ سوى الكاميرا..

ومن منطلقِ هذهِ الحربِ، وأحدِ أهمِّ أبطالِها وسائلُ التواصلِ الاجتماعيِّ، فقد أصبحتْ حربُ الإبادةِ مُكوِّنًا أساسيًّا في مهرجاناتِ السينما في الداخلِ والخارجِ، فقد ساهمَتْ فعالياتُها، مثلُ مهرجانِ الجونةِ السينمائيِّ في مصرَ، ومهرجانِ برلينَ بألمانيا، والبندقيةِ في إيطاليا، وهوليودَ بالولاياتِ المتحدةِ، ومهرجانِ كانَّ في فرنسا، وتورنتو في كندا، في إعادةِ الوعيِ لدى الرأيِ العامِّ المحليِّ والعالميِّ، بل في إحياءِ القضيةِ الفلسطينيةِ بعدَ أن كادَتْ تُنسَى تمامًا، لتعودَ القضيةُ لتكتسبَ أرضًا جديدةً وجمهورًا إضافيًّا ووعيًا عالميًّا بعدالةِ قضيَّتِها، فقد ساعَدَ العصرُ الرقميُّ في فَضْحِ وتعريةِ الصهاينةِ المُغتَصِبِينَ لفلسطينَ، وإظهارِ حقوقِ أصحابِ الأرضِ الحقيقيينَ.

لقد أصبحتْ أنقاضُ غزَّةَ، وحرائقُ الأشجارِ في الضفةِ الغربيةِ بأيدي الصهاينةِ، والضحايا اليوميةُ من الأطفالِ والنساءِ والشيوخِ، والاعتقالاتُ اليوميةُ للشبابِ، مُكوِّنًا لهُ الأولويةُ في مهرجاناتِ السينما العالميةِ، في الداخلِ والخارجِ، كما يحدثُ في مهرجانِ الجونةِ السينمائيِّ الثامنِ بالغردقةِ، حيثُ يَعرضُ حاليًّا المهرجانُ 7 أفلامٍ وثائقيةٍ من غزَّةَ، صنعَها فنَّانونَ وفنَّاناتٌ من فلسطينَ، والأهمُّ أنهم ما زالوا يعيشونَ هناكَ وسطَ غُبارِ الحربِ، حيثُ وجَّهَ المهرجانُ الدعوةَ للمخرجِ الفلسطينيِّ رشيدِ مشهراوي، الذي حضَرَ وشاركَ كعضوِ لجنةِ تحكيمٍ للأفلامِ الروائيةِ الطويلةِ، وقالَ: "المهرجانُ يُمثِّلُ منصَّةً مهمَّةً لصُنَّاعِ السينما العربِ لعرضِ قصصِهم وتجاربِهم أمامَ العالمِ، وخاصَّةً في ظلِّ الظروفِ الصعبةِ التي يعيشُها الشعبُ الفلسطينيُّ، حيثُ يمنحُنا المهرجانُ مساحةً للتعبيرِ عن واقعِنا، والأولويةُ بالنسبةِ لنا كانتْ دائمًا وقفَ المأساةِ الإنسانيةِ التي يعيشُها شعبُنا هناكَ، وكلُّ اهتمامِنا أن نُوقِفَ الكابوسَ والمجازرَ، لم نَهتمَّ إلَّا بوقفِ الموتِ اليوميِّ، لم نهتمَّ كيفَ يدخلُ الطعامُ والدواءُ للناسِ، وكيفَ يستمرُّ مُسلسلُ موتِ الأطفالِ بأحضانِ أهلِهم، هذهِ كانتْ لها الأولويةُ، وأعتقدُ إنها بَدَأَتْ تتحقَّقُ، لِنَشعُرَ بشيءٍ من الراحةِ"..

هذا يحدثُ بفضلِ الكاميرا، أحدِ أسلحةِ الوعيِ الكاملِ، وبفضلِ وسائلِ التواصلِ، أيضًا تلقَّتْ "المحكمةُ الجنائيةُ الدوليةُ"، طلبًا لاعتقالِ 24 جنديًّا إسرائيليًّا بتُهمةِ قتلِ الطفلةِ الفلسطينيةِ هندِ رجب "4 سنواتٍ"، و 6 من أفرادِ أُسرتِها، ومُسعِفِي الهلالِ الأحمرِ في قطاعِ غزَّةَ. والمعروفُ أنَّ مؤسَّسةَ هندِ رجب عامَ 2024، وهي منظمةٌ غيرُ حكوميةٍ مقرُّها بروكسلُ، تأسَّستْ تكريمًا للطفلةِ التي استُشهِدَتْ مع عائلتِها في غزَّةَ، وتهدِفُ إلى مُلاحقةِ الجنودِ الإسرائيليينَ المُتَّهمينَ بارتكابِ جرائمِ حربٍ ضدَّ الفلسطينيينَ، والمعروفُ أنَّهُ تمَّ إنتاجُ فيلمٍ بعنوانِ "صوتُ هندِ رجب"، والذي فازَ بجائزةِ "الأسدِ الفضيِّ"، الشهرَ الماضيَ، بمهرجانِ البندقيةِ السينمائيِّ، وتتناولُ أحداثُهُ الساعاتِ الأخيرةَ في حياةِ الطفلةِ الفلسطينيةِ التي قُتِلَتْ مَطْلَعَ 2024، برصاصِ الجيشِ الصهيونيِّ، كما شَهِدَ الفيلمُ عندَ عرضِهِ للمرَّةِ الأولى، تصفيقًا حارًّا استمرَّ 24 دقيقةً في عرضِهِ العالميِّ الأوَّلِ، في رقمٍ قياسيٍّ للمهرجانِ وكلِّ المهرجاناتِ العالميةِ.

فيلمُ "صوتُ هندِ رجب"، يدمجُ بينَ التسجيلاتِ الصوتيةِ الأصليةِ وإعادةِ التمثيلِ ليروي قصَّةَ هندِ رجب، التي توسَّلَتْ لساعاتٍ عبرَ الهاتفِ لإنقاذِها من قِبَلِ مُسعِفِي جمعيةِ الهلالِ الأحمرِ الفلسطينيِّ بعدَ قتلِ عمِّها وعمَّتِها وثلاثةٍ من أبناءِ عمومتِها في قصفٍ استهدفَ سيَّارتَهم، ورغمَ حصولِ المُسعِفِينَ على إذنٍ من جيش الاحتلال لإرسالِ سيَّارةِ إسعافٍ، انقطعَ الاتصالُ بعدَ وصولِهم، حيثُ قَضَوْا بدورِهم في قصفٍ استهدفَ سيَّارتَهم.

نعم.. نعلمُ أنَّ لا السينما ولا مهرجاناتِها، ولا وسائلُ التواصلِ الاجتماعيِّ، ولا العصرُ الرقميُّ، يستطيعُ إعادةَ الحياةِ للطفلةِ هندِ رجب، أو يُعيدُ الحياةَ ويُنقِذُ 50 ألفَ طفلٍ فلسطينيٍّ ضحيَّةِ حربِ الإبادةِ الحاليةِ، ولكنَّها تستطيعُ الاحتفاظَ بأصواتِهم والمشاركةَ في أنَّ هناكَ مَن يشعُرُ بآلامِهم ومُعاناتِهم، وهو ما يتحقَّقُ اليومَ وغدًا بإذنِ اللهِ، ومِن الصعبِ تجاهُلُ المُظاهراتِ المليونيةِ في كافَّةِ دولِ العالمِ، والتي تقفُ مع الحقِّ الفلسطينيِّ، وترفضُ وتَدينُ وتَكشِفُ الخَلَلَ القِيَمِيَّ والسلوكيَّ والإنسانيَّ لدى الصهاينةِ.

وليسَ ببعيدٍ تظاهَرَ ملايينِ الأمريكيين حاليًّا ضدَّ غُرورِ الرئيسِ الأمريكيِّ الحاليِّ.. نعم هي مُظاهراتٌ ضدَّ أسلوبِ سياساتِهِ الداخليةِ، ولكنَّها تُحاكِي وتتَماسُّ مع إحساسِهِ المطلَقِ وفخرِهِ، بمَدَى قُدرةِ الأسلحةِ الأمريكيةِ، التي يستخدمُها الصهاينةُ في فلسطينَ، وتَمَكُّنِها من إبادةِ وإصابةِ نحوِ ربعِ مليونِ مواطنٍ فلسطينيٍّ..

"أليسَ الصُّبحُ بقريبٍ"..

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة