لا شكَّ أنَّ الإجراءاتِ الاقتصاديةَ الصعبةَ التي تتخذُها الحكومةُ كلَّ فترةٍ هي مضطرةٌ عليها لإصلاحِ الخللِ في الموازنةِ العامةِ للدولةِ، الذي هو مصروفاتُها أكبرُ من إيراداتِها، كما أعلنَ الرئيسُ عبدُ الفتاحِ السيسي خلالَ الندوةِ التثقيفيةِ التي أُقيمت مؤخرًا. وهذا الخللُ هو تراكمُ سنواتٍ وسنواتٍ، وكان المفروضُ أن يتمَّ علاجُه في العهودِ السابقةِ على مراحلَ حتى يتلاشى بدلًا من تركه حتى أصبحَ مثلَ الجبالِ، أعاقَ عملياتِ التنميةِ الاقتصاديةِ، ويتحملُ تبعاتِه السلبيةَ حاليًّا الأجيالُ الحاليةُ والمقبلةُ.
والحقيقةُ أنَّ غالبيةَ الشعبِ المصريِّ يعلمُ ذلكَ ويشاهدُ ويرى في نفسِ الوقتِ كمَّ الإنجازاتِ التي تحققتْ لتغييرِ الواقعِ المؤلمِ إلى الأفضلِ من تنميةٍ وعمرانٍ، ومعها الإجراءاتُ الاقتصاديةُ القاسيةُ لإصلاحِ الاقتصادِ، في ظلِّ ظروفٍ إقليميةٍ وعالميةٍ مُلتهبةٍ ضربتْ اقتصادَ كافةِ الدولِ بدونِ استثناءٍ، أدتْ إلى حالةٍ من التضخمِ كانَ نتيجتُه ارتفاعَ أسعارِ كافةِ السلعِ والخدماتِ في كافةِ المجالاتِ.
والحقيقةُ أيضًا أنَّ غالبيةَ الشعبِ المصريِّ، وخاصةً الطبقاتِ الوسطى ومحدودةَ الدخلِ، هي التي تحملتْ وتتحملُ حتى الآنَ عبءَ إجراءاتِ الإصلاحِ الاقتصاديِّ وتبعاتِه القاسيةِ. وتقومُ الدولةُ كلَّ فترةٍ بتوفيرِ حزمةٍ من إجراءاتِ حمايةٍ اجتماعيةٍ من زيادةِ رواتبَ للموظفينَ وأصحابِ المعاشاتِ قدرَ الإمكانِ لتخفيفِ أعباءِ الإصلاحاتِ الاقتصاديةِ على هؤلاءِ، ولكنَّها غيرُ كافيةٍ لمواجهةِ متطلباتِ المعيشةِ التي أصبحتْ فوقَ طاقتِهم.
وحتى تستقيمَ الأمورُ وتخفَّ مصاعبُ الحياةِ، لا بدَّ أن يكونَ هناكَ آليةٌ لزيادةِ الأجورِ والرواتبِ والمعاشاتِ بنسبٍ تواجهُ متطلباتِ المعيشةِ مع كلِّ إصلاحٍ اقتصاديٍّ؛ لأنَّ المشكلةَ الحقيقيةَ التي يعيشُها غالبيةُ الشعبِ المصريِّ ليستْ في ارتفاعِ الأسعارِ، ولكنْ في انخفاضِ الدخولِ؛ لأنَّ أسعارَ معظمِ السلعِ هي تكلفتُها الحقيقيةُ مع هامشِ ربحٍ غيرِ كبيرٍ في حالةِ التضخمِ الحاليةِ. وهذا هو الواقعُ عندَ معظمِ التجارِ، ناهيكَ عن جشعِ البعضِ منهم الذي يستغلُّ الظروفَ. ولن تستطيعَ الرقابةُ التموينيةُ ومباحثُ التموينِ، وعدَدُهم لا يتعدى أربعةَ أو خمسةَ آلافِ مفتشٍ على الأكثرِ، أن تُراقبَ غالبيتَهم نظرًا للنقصِ الكبيرِ في عدَدِهم وفي أدواتِهم الرقابيةِ، ومطالَبينَ بمراقبةِ نحو 60 ألفَ مخبزٍ بلديٍّ مُدعَّمٍ وسياحيٍّ و35 ألفَ بقالٍ تموينيٍّ وفرعِ جمعيتي والآلافِ من مصانعِ تعبئةِ البوتاجازِ ومستودعاتِ التوزيعِ والعمالةِ السريحةِ والآلافِ من محطاتِ تموينِ السياراتِ وملايينِ المصانعِ، بالإضافةِ أيضًا إلى الملايينِ من المحلاتِ والمتاجرِ والأسواقِ والصيدلياتِ وغيرها من الأنشطةِ الصناعيةِ والتجاريةِ والبيعيةِ.
وأتمنى أن تستجيبَ الأجهزةُ المختصةُ بوضعِ هذهِ الآليةِ الآنَ وبأسرعِ وقتٍ لرفعِ المعاناةِ وزيادةِ الرواتبِ والمعاشاتِ لموظفي الدولةِ، وأيضًا فرضَ إجراءاتٍ عقابيةٍ على القطاعِ الخاصِّ الذي لا يلتزمُ بالحدِّ الأدنى للأجورِ الذي هو 7 آلافِ جنيهٍ كحدٍّ أدنى لموظفِيه وعمَّالِه، وبذلكَ نحافظُ على استقرارِ الأسرِ المصريةِ، والتي معظمُ مشاكلِها الآنَ هي نقصُ المواردِ الماليةِ لمواجهةِ متطلباتِ الحياةِ اليوميةِ، وبذلكَ تزيدُ الروابطُ الأسريةُ والتي تصبُّ في النهايةِ في أمنِ وأمانِ المجتمعِ.