يُعد التقدم في العمر، وتحديدًا بعد تجاوز سن الأربعين، عامل الخطر الأهم والأكثر ثباتًا للإصابة بجميع أنواع السرطان تقريبًا.
موضوعات مقترحة
هذه حقيقة طبية مُسلّم بها؛ حيث تُشخَّص الغالبية العظمى من حالات الأورام الخبيثة لدى الأفراد في هذه الفئة العمرية وما بعدها. ففي الوقت الذي قد يُعتقد فيه أن السرطان مرتبط بالحظ السيئ أو بالعوامل الوراثية فقط، تظهر الأبحاث الطبية أن العمر بذاته يمثل تحديًا بيولوجيًا لخلايا الجسم.
لفهم هذه العلاقة الوثيقة، يجب التعمق في آليات الشيخوخة الخلوية وتأثيرها المزدوج في جيناتنا وقدرة جهازنا المناعي على الدفاع عن الجسم.
ثلاثة مسارات بيولوجية رئيسية تفسر تزايد مخاطر الإصابة بالسرطان
أجمعت الأوساط الطبية على أن هناك ثلاثة مسارات بيولوجية رئيسية تفسر تزايد مخاطر الإصابة بالسرطان بشكل كبير مع التقدم في السن، خاصة بعد مرحلة الأربعينات، هذه المسارات هي تراكم الطفرات الجينية، وتدهور قدرة الحمض النووي على الإصلاح، وضعف الجهاز المناعي (الشيخوخة المناعية).
تراكم "الحظ السيئ" الجيني (الطفرات الجسدية)
أكدت الدكتورة علياء العتيبي، استشاري الأورام والجينات السرطانية، أن "السرطان هو في الأساس مرض وراثي على المستوى الخلوي، وينشأ نتيجة تراكم الطفرات في الحمض النووي للخلية".
وأشارت إلى أن عملية انقسام الخلايا وتكاثرها تحدث باستمرار منذ الولادة، ومع كل انقسام، هناك فرصة لحدوث خطأ أو "طفرة جسدية" عشوائية.
وقالت الدكتورة العتيبي، بحلول سن الأربعين، تكون خلايا الجسم قد مرت بعدد هائل من الانقسامات، مما يعني أن فرصة تراكم العدد الكافي من الطفرات الحرجة (التي تعطل الجينات الكابحة للورم وتنشط الجينات المسرطنة) تكون قد بلغت ذروتها.
السرطان والعمر
وأضافت أن هذا التراكم هو ما يُطلق عليه أحيانًا "فرضية الحظ السيئ" في التفسير الإحصائي لانتشار السرطان؛ حيث كلما زاد العمر، زادت محاولات نسخ الحمض النووي، وزادت فرصة الخطأ القاتل الذي يحول الخلية الطبيعية إلى خلية مارقة.
تدهور آليات إصلاح الحمض النووي والبيئة الخلوية
بالإضافة إلى الطفرات العشوائية، فإن قدرة الخلايا على إصلاح الأضرار التي تلحق بالحمض النووي تبدأ بالتراجع مع التقدم في السن.
ضعف شرطة الجسم (الشيخوخة المناعية)
يلعب الجهاز المناعي دور "شرطة" الجسم"؛ حيث يراقب باستمرار ويكتشف ويدمر الخلايا التي تبدأ في التحول إلى خلايا سرطانية قبل أن تشكل ورمًا. ومع التقدم في السن، يفقد هذا النظام الدفاعي شيئًا من كفاءته، وهي ظاهرة تُعرف باسم الشيخوخة المناعية (Immunosenescence).
أكدت الدكتورة علياء العتيبي أن "ضعف الخلايا التائية، وهي خط الدفاع الأول ضد الخلايا السرطانية، هو عامل مهم بعد سن الأربعين".
وقالت: "بالرغم من أن خلايا الدم البيضاء قد تبقى بأعداد طبيعية، فإن قدرتها على التعرف على الخلايا السرطانية المتحولة حديثًا ومهاجمتها تكون أقل حدة ودقة مما كانت عليه في سن الشباب".
وأشارت إلى أن هذا الضعف يعني أن الخلايا السرطانية الناشئة لديها فرصة أكبر للهروب من المراقبة المناعية والنمو والتكاثر دون رادع.
وأضافت أن "هذا يفسر لماذا يجد الجسم صعوبة أكبر في التعامل مع الأورام في سن متأخرة مقارنة بالسنوات الأولى من العمر، حتى لو كان الورم من نفس النوع".
السرطان والعمر
في سياق متصل، أوضح الدكتور خالد الزهراني، أخصائي طب الشيخوخة وبيولوجيا الخلية، أن الأضرار الناتجة عن عوامل البيئة، مثل التلوث والتدخين والأشعة فوق البنفسجية، تتراكم بمرور العقود.
أضاف الزهراني أن الخلايا الأصغر سنًا لديها أنظمة إصلاح الحمض النووي الأكثر كفاءة، لكن مع سن الأربعين وما بعدها، تبدأ هذه الآليات في التباطؤ والتآكل، مما يسمح للطفرات بالثبات والتحول إلى خطر حقيقي.
السرطان والعمر
أشار أيضًا إلى ظاهرة الشيخوخة الخلوية (Cellular Senescence)؛ حيث تصبح الخلايا القديمة عاجزة عن الانقسام لكنها لا تموت، وبدلاً من ذلك تطلق مواد كيميائية في البيئة المحيطة بها.
وقال: "هذه المواد تسبب التهابًا مزمنًا منخفض الدرجة في الأنسجة، والالتهاب المزمن هو أحد البيئات الخصبة لنمو الأورام وتطورها، مما يسرّع من العملية السرطانية في الأنسجة التي أصبحت مسنة.
اقرأ أيضا:
المناعة النفسية.. درع خفي في مواجهة التوتر والمرض
لا تتجاهلها.. علامات خطيرة لنقص "فيتامين د" قد تؤثر على جسمك ومناعتك
إرشادات للوقاية
في ضوء هذه الحقائق البيولوجية، يصبح تزايد خطر الإصابة بالسرطان بعد سن الأربعين مفهومًا ومنطقيًا.
ومع ذلك، شدد الدكتور خالد الزهراني على أن التقدم في السن ليس "حكمًا بالإدانة"، بل هو دافع لزيادة الوعي والالتزام بخطوات وقائية.
وأشار إلى أن مكافحة العوامل البيئية ونمط الحياة، مثل الإقلاع عن التدخين، والحفاظ على وزن صحي، وممارسة النشاط البدني المنتظم، والنظام الغذائي الغني بمضادات الأكسدة، يمكن أن يقلل من عبء الطفرات ويقوي الجهاز المناعي.
كما لفت إلى أهمية الكشف المبكر، وقال: "التشخيص المبكر هو سلاحنا الأقوى، ولذلك نوصي بالالتزام بفحوصات الكشف الروتينية لسرطانات الثدي والقولون والبروستاتا والرئة التي تبدأ في هذه المرحلة العمرية"، إن فهم العلاقة بين السرطان والعمر يفتح الباب أمام استراتيجيات علاجية ووقائية أكثر فعالية تستهدف آليات الشيخوخة نفسها.
الأسئلة الشائعة حول خطر الإصابة بالسرطان بعد سن الأربعين:
لماذا يزداد خطر الإصابة بالسرطان بعد سن الأربعين؟
يرتفع خطر الإصابة بالسرطان بعد سن الأربعين بسبب التغيرات الهرمونية وتراجع كفاءة الجهاز المناعي، إضافة إلى تراكم التعرض للملوثات والعادات غير الصحية مع مرور الوقت.
ما أنواع السرطان الأكثر شيوعًا بعد سن الأربعين؟
من أكثر الأنواع شيوعًا بعد الأربعين: سرطان الثدي، وسرطان البروستاتا، وسرطان القولون، وسرطان الرئة، وسرطان عنق الرحم.
هل يمكن الوقاية من السرطان بعد سن الأربعين؟
نعم، يمكن تقليل خطر الإصابة بالسرطان من خلال اتباع نظام غذائي صحي، وممارسة الرياضة بانتظام، وتجنب التدخين والكحول، وإجراء الفحوصات الدورية.
ما دور الفحوصات المبكرة في الوقاية من السرطان؟
الفحص المبكر يساعد على اكتشاف أي تغيرات خلوية في مراحلها الأولى، ما يزيد من فرص الشفاء بنسبة تصل إلى أكثر من 90% في بعض الأنواع.
هل العامل الوراثي هو السبب الرئيسي للإصابة بالسرطان بعد الأربعين؟
العامل الوراثي يلعب دورًا محدودًا، لكن النسبة الأكبر ترتبط بنمط الحياة، مثل التغذية غير المتوازنة وقلة الحركة والتعرض المستمر للتوتر.
هل يختلف خطر الإصابة بالسرطان بين الرجال والنساء بعد الأربعين؟
نعم، بعض السرطانات أكثر شيوعًا لدى النساء مثل الثدي وعنق الرحم، بينما تزداد احتمالات البروستاتا والرئة والقولون لدى الرجال.
ما الأطعمة التي تقلل من خطر الإصابة بالسرطان بعد سن الأربعين؟
الفواكه والخضروات الطازجة، الأسماك، الحبوب الكاملة، وزيت الزيتون، لاحتوائها على مضادات أكسدة تقلل من تلف الخلايا.
هل السمنة تزيد من خطر الإصابة بالسرطان بعد سن الأربعين؟
نعم، السمنة من أبرز العوامل المسببة، لأنها تؤثر على الهرمونات وتزيد من الالتهابات المزمنة في الجسم.
موضوعات قد تهمك:
إرهاق أم نقص حديد؟.. طبيب يحذر من أعراض خفية يخلطها الكثيرون بالتعب العادي
متى تتحول الحموضة إلى مرض خطير؟ .. علامات لا يجب تجاهلها