حين يصبح الزواج خيارًا لا ضرورة

20-10-2025 | 12:48

مع بداية سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، نتيجة تداخل عوامل اجتماعية واقتصادية وثقافية، بدأت فكرة مناهضة الزواج والعزوف عنه تتبلور.

كما ساهمت حركات تحرر المرأة وانتشار وسائل منع الحمل في منح الأفراد -وخاصةً النساء- قدرةً أكبر على اختيار مسارات حياتهم المهنية والشخصية بدل الارتباط المبكر والاكتفاء بدور الزوجة والأم. كما لعبت التحولات الاقتصادية دورًا محوريًا في هذا الاتجاه، فارتفاع تكاليف السكن والتعليم وعدم استقرار سوق العمل دفع كثيرين لتأجيل الزواج أو التخلي عنه، وظهرت قيم فردية وتفضيل لتحقيق الذات، مما أسفر عن علاقات غير رسمية وتعايش ومواعدة، البدائل المفضلة لدى شريحة واسعة من الشباب في بلدان عديدة.

كما أدت العولمة ووسائل الإعلام الاجتماعية إلى نشر أنماط حياة بديلة، وتغيير المفاهيم حول الارتباط والرومانسية، بينما تراجع التأييد المؤسسي والديني للزواج في بعض المجتمعات، مما خفف من الضغوط التقليدية للالتزام بالزواج في سن معينة.

على المستوى القانوني والثقافي، رافق "البعد عن الزواج" في بعض البلدان تشريعات وسياسات تعترف بأشكال أسرية متنوعة، وتقلل من الربط الحصريَّ بين الزواج والحقوق المدنية أو الاقتصادية.

النتيجة هي مشهدٌ اجتماعي متحركٌ، كانخفاض معدلات الزواج في دول كثيرة، وارتفاع متوسط العمر عند الزواج، وانتشار أشكال متعددة من العلاقات الأسرية، ما يعكس إعادةَ فهمٍ لمعنى الالتزام والاستقلال والأمن الاجتماعي في العصر الحديث.

يظن البعض لوهلة أن التوجه العالمي المتزايد ضد الزواج أمرٌ مرفوض؛ لأنه خطأٌ كبيرٌ، وخاصةً في المجتمعات المتدينة، لكن هذا الأمرَ شأنه شأن أي فكر آخر، له جوانب إيجابية وأخرى سلبية في آنٍ واحد، إذ لا يمكن الحكم عليه من منظور واحد فقط.

فمن جهة، يمنح هذا التوجه الأفراد حريةً أكبر في تقرير مصيرهم الشخصي بعيدًا عن الضغوط الاجتماعية، كما أتاح لهم فرصة التركيز على تطوير الذات وتحقيق الطموحات المهنية والتعليمية قبل التفكير في تكوين أسرة، كما ساهم في تقليل الزيجات غير المتكافئة التي كانت تحدث بدافع العادات أو التقاليد، وفتح المجال أمام تنوع أكبر في أنماط الحياة والعلاقات.

ومن جهة أخرى، أدى إلى تراجع وضعف الروابط الأسرية التقليدية، وارتفاع معدلات الشعور بالوحدة لدى بعض الفئات، بالإضافة إلى انخفاض معدلات المواليد في عدد من الدول، وهو ما يشكل تحديًا اقتصاديًا وديموغرافيًا على المدى البعيد -رغم أنه في هذا الشأن ميزة من وجهة نظر قادة العالم حفاظًا على ما تبقى من موارد الأرض- كما يمكن أن يسبب هذا الاتجاه ضغوطًا نفسيةً واقتصاديةً على الأفراد الذين يتحملون أعباء الحياة بمفردهم.

لذلك، يُعد هذا التحول الاجتماعي ظاهرةٌ معقدةٌ تحمل فرصًا للتحرر الفردي، لكنها تتطلب أيضًا توازنًا يحافظ على استقرار المجتمع، لذا يمكن القول إن السنوات المقبلة تحمل تطورًا ملحوظًا في أمر الزواج.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة